خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرانسيس دينغ: أبيي تمثل صورة مصغرة للعلاقات بين الشمال والجنوب....السودان نتاج تمازج بين النوبيين والعرب والبجا والزنوج وعملية سلمية أدت الي الأسلمة والتعريب
نشر في الراكوبة يوم 04 - 07 - 2010

مازالت مشكلة المواجهات القبلية تؤرق جميع الأطراف في السودان، شماله وجنوبه، وخصوصا من يعتبرون انفسهم ممثلين للهويات القبلية كما يتضح بعد قليل:
الكثير من الجماعات لم تثر موضوع السلطة او الانفصال، بل كل ما تطلبه العدالة والتنمية الشاملة، لذلك ظهر مصطلح (المناطق المهمشة) وهو يعكس التعبير عن الظلم، وينطوي علي محاولة لفت انتباه الحكومة المركزية الي ضرورة معالجة الخلل في التخطيط والتنمية. والملاحظ ان هذا الخلل السياسي والاقتصادي يثير الهويات الصغري. لذلك تأتي هذه الصرخات والحركات المسلحة في الشرق وجبال النوبة ودارفور. وهي تؤكد وحدة السودان وتطالب بالعدالة في توزيع الثروة والسلطة، بينما ينادي الصوت الجنوبي بالانفصال او الكونفدرالية . والكونفدرالية ما هي الا مرحلة من مراحل او خطوة نحو الانفصال. ولم تتنازل الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل العقيد جون غارنغ في مرحلة المفاوضات مع الحكمة السودانية الابعد ان ظهر في المفاوضات الخيار الاكبر، وهو حق تقرير المصير الذي يتيح للجنوبيين كل الخيارات الاخري، سواء كانت كونفدرالية او انفصالا.
اما المعادلة الاجتماعية الموجودة في ابي (بين الدينكا كممثل للهوية الجنوبية، والمسيرية كممثل للهوية الشمالية) فهي تعبر عن واقع اجتماعي فرضته ظروف تاريخية موضوعية.. وقد نتج من ذلك الواقع ظاهرة يمكن وصفها بعملية تعايش سلمي وهي ليست تكاملا ثقافيا او اندماجا اجتتماعيا وهماك فرق كبير بين الاثنين. ولذلك عندما اثير موضوع قسمة السلطة والثروة ورسم الحدود بين الشمال والجنوب، اندلعت الاختلافات بين المسيرية والدينكا بمعني ان موضوع الهوية ظهر الي السطح كفاصل جوهري بين الطرفين، وهذا يؤكد ما ذهبت اليه هذه الدراسة سابقا من ان الصراع هو صراع هويات، لان الطرفين كانا متعايشين في منظومة سلطة واحدة (الادارة الاهلية)، وكانا يشتركان في موارد واحدة، وهنا مثال حي للهويات الكبري (شمال وجنوب). لقد تعرضت مدينة ابي لاحداث عنف دموية بين الطرفين (المسيرية والدينكا)، قتل فيها العشرات وجرح المئات من الطرفين في احداث كثيرة خاصة منذ بداية العام 2008 ولاسيما في شباط (فبراير) 2008 وقال المسيرية انهم اعلنوا الجهاد ضد الجيش الشعبي ثم تجدد القتال مرة اخري ابتداء من 25 نيسان /ابريل، قتل فيه الجيش الشعبي 56 من رجال المسيرية بينما سقط 6 جرحي من الجنوبيين. وامتد القتال حتي الاسبوع الاول من ايار (مايو) 2008 حيث تم حرق اجزاء كبيرة من المدينة. لذلك وصف السفير الامريكي في الخرطوم البرتو فرنانديز، ان ما يجري في ابيي اسوأ من دارفور. وفي 16 اب (اغسطس) 2008 قام مسلحون من منسوبي الجيش الشعبي في ابيي بطرد عدد من أسر المسيرية العائدين من النزوح حديثا، بدعاوي انهم يرفضون وجود العنصر العربي داخل أبيي، وكذلك في كانون الاول (ديسمبر) 2008 امتد القتال بين افراد من جيش الطرفين في سوق المدينة، مما ادي الي فرار المئات مرة اخري من المدينة. حدث ذلك بعد ان دانت السيطرة في المدينة للقوات المشتركة منذ اب (اغسطس) 2008 وحدث ذلك ايضا علي الرغم من انشاء ادارة مشتركة للمدينة بعد جدل طويل برئاسة جنوبي بقرار جمهوري صدر في حزيران (يونيو) 2008 وكذلك علي الرغم من اتفاق الطرفين في اب (اغسطس) علي نقل الامر الي محكمة العدل الدولي في لاهاي، وعلي الرغم من كل ذلك استمرت التوترات في المدينة بين الطرفين، كل ذلك يشير الي صعوبة التعايش بين الطرفين بعد ان ظهر في السطح الحديث عن تبعية المدينة اهي للشمال ام للجنوب؟ وهذا يشير ضمنيا الي صراع الهوية بين الطرفين.
تفتيت بنية الصراع
اكد هذه الحقيقة اكاديمي وباحث من أبناء المنطقة (د. ابوالقاسم قور) الذي يري ان الطرفين تعايشا سلميا لمئات السنين، ومع ذلك لم يحدث اندماج اجتماعي ثقافي بينهما. فلكل طرف نظامه الاجماعي وعاداته وبينما يوجد في مدخل مدينة ابي الشمالي المسجد والخلوة القرانية، توجد في مدخلها الجنوبي الكنيسة. اي يمكن ان يكون هناك تعايش سلمي تحفظه الاعراف من خلال ادارة اهلية مشتركة متفق عليها من الطرفين، كما كان ذلك الحال منذ عدة قرون، لكن لم ينصهر الطرفان في بوتقة واحدة، ولم يشكلا هوية واحدة حتي الان، وقد حاول قور تفتيت بنية الصراع بمدخل سويو ثقافي ، وقال (انني ازعم بنهاية التعايش الطبيعي، وبداية التعايش الدستوري والمؤسسي بين المجموعتين، المسيرية العجايرة ودينكا نجوك).
يستشهد الباحث برؤية الاكاديميين حول ديناميات الهوية في السودان ويقول:
لاحظ قور انه منذ الربع الاخير من القرن العشرين، وحتي مطلع القرن الحادي والعشرين، سعي الدينكا من طرف واحد الي البديل المؤسسي وهو مشروع (مفاصلة الهوية وتحضير الحياة، اي انهم (الدينكا) اعلنوا للعالم بانهم ليسوا من العرب في شيء.. كان ذلك في مؤتمر اقوك الاول في عام 2004 قبيل الاتفاقية). ويري قور انه آن الاوان للمسيرية كي يؤسسوا مشروعهم البديل داخل منظومة مفاصلة الهوية وتحضير الحياة حتي يتخلوا عن حياة الرعي البدائي وبناء مجتمع حداثوي وينعموا بخيرات مجتمعهم. ان في رأي قور (الذي هو من اب مسيري وأم دينكاوية)، ان الدينكا والبقارة ثقافتان مختلفتان، موجودتان علي بقعة جغرافية واحدة، هذا هو اختبار التاريخ والجغرافيا واختبار السياسة واختبار السلام الذي يقوم علي احترام الهوية ولذلك سوف تظل ابيي مهددا اساسيا لمشروع الامن الشامل في السودان.. ولم تعد ابيي قرية صغيرة تقع في الجزء الجنوبي الغربي لولاية جنوب كردفان بل اضحت بؤرة توتر استراتيجي واجتماعي. واذا كانت ابيي تشكل صورة مصغرة للعلاقات بين الشمال والجنوب (هويتين)، فهذا يعني انها تخدم مقاربة امبيريقية مكتملة المعطيات. كذلك فان د، فرانسيس دينغ (باحث واكاديمي معروف) الذي هو من الدينكا (نجوك) من ابناء ابيي، بل كان والده (دينغ مجوك) زعيماً قبلياً في المنطقة، وعاصر فترة التعايش السلمي بين أهله دينكا نجوك والمسيرية الحمر قد كتب كتابا عن ديناميات الهوية في فترة شبابه في بداية سبعينيات القرن العشرين، حيث تحدث حول التعايش السلمي في المنطقة، واشار الي ان أبيي تمثل صورة مصغرة للعلاقات بين الشمال والجنوب، لكنه اعترف بوجود هويتين علي الرغم من التواصل الاجتماعي والتأثير المتبادل في بعض الجوانب، مثل الاستعراب المحدود، كاستخدام الدينكا لمفردات عربية لالقاب ثلاثة عقود (في تسعينيات القرن العشرين) ليرسم صورة قاتمة حول العلاقة بين الطرفين، وتحدث عن رواسب الماضي والاسترقاق والاستعلاء العرقي العربي علي الجنوبيين كما تحدث عن صراع الهويات في كتاب صراع الرؤي: نزاع الهويات في السودان في هذا الكتاب يري فرانسيس ان صراع الهويات كامن في السودان وانه عندما تزول قبضة الاضطهاد كما حدث في الاتحاد السوفييتي وفي شرق اوروبا، تبرز المشاكل الاثنية والدينية التي ظلت مكبوتة لفترات طويلة لتعبر عن نفسها بالعنف الذي يهدد بالتجزئة والتفتت وربما الانهيار التام ويري ان هذا هو صراع الرؤي ونزاع الهويات الذي ظل مستعرا خلال فترات متقطعة لعشرات السنين في السودان.
دينامية إثنية
في نهاية كتابه، يقترح فرانسيس دينغ عدة بدائل وخيارات لحل الازمة السودانية، من بينها اولا اعادة تعريف الهوية الوطنية لتكون بصدق موحدة وداعمة للمساواة التامة في الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياة الثقافية للبلاد. وهناك بديل ثان يوفق بين التطلعات المثالية للوحدة والحقائق الموضوعية للتنوع والبديل الثالث هو الاعتراف بان العقبات امام الوحدة ربما تكون عصية لا يمكن تخطيها وان الانفصال يمكن ان يسمح لكل من الطرفين (الشمال والجنوب) ان يتقدم ويتطور في مجال المهام الايجابية للبناء علي اسس نظرته الذاتية وتطلعاته الخاصة.
يقول الباحث ان التلاقح الاسلامي الافريقي، عملياّ ونظرياّ، لم يجد طريقه الي العقلية الجنوبية:
خلاصة لهذا التحليل من زاوية الانثروبولوجيا الاجتماعية، يمكن القول ان السودان الذي يشكل جزءا كبيرا من بلاد السودان يتمتع بدينامية اثنية وتفاعل ثقافي واسع. ان هذا السودان هو نتاج لعملية تمازج بين النوبيين والعرب والبجا والزنوج السود. وهذه الخصائص أهلت السودان ليكون معبرا للثقافة الاسلامية العربية لافريقيا. كذلك اصبح بوتقة انصهار لاثنيات متعددة وثقافات متعددة من اصول عربية وافريقية. كما يمكن القول ان صناعة الهوية السودانية الحديثة جاء نتاجا لعملية اسلمة وتعريب انتشرت سلميا عبر الرحل والصوفية والتجار والعلماء والتزاوج مع السكان المحليين من العناصر الحامية.
هذه التوليفة الاسلامية العربية وجدت الاعتراف الواعي من النخبة الشمالية، وقد ظهرت في ادبيات المثقفين منها جماعة الغابة والصحراء كرمز لهذا الانصهار بين العرب والافارقة في البوتقة السودانية. غير ان هذا الاعتراف لم يجد طريقه الي العقلية الجنوبية، بل لم يخترق الواقع الجنوبي.
3 قرار محكمة العدل الدولية حول أبيي
الجدل حول أبيي قاد الشريكين في الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) الي اللجوء الي محكمة العدل الدولية، صدر قرار محكمة العدل الدولي في 22 تموز (يوليو) 2009 متوصلا الي حل توفيقي. ففي ما يخص الحدود شمالا وجنوبا أقر قرار المحكمة بما جاء في تقرير لجنة الخبراء مع تعديل في الناحية الشمالية من خط العرض 10.35 درجة شمالا، الي 10.22 درجة شمالا، بينما اعتبرته المحكمة تجاوزا جزئيا من لجنة الخبراء لتفويضها. وقد منح القرار جزءا من محلية ابيي الي دينكا نقوك، ومنح اجزاء شمال مدينة ابيي للمسيرية. وقضي قرار المحكمة بان يستعين الطرفان بخبراء في هندسة المساحة لاعادة ترسيم الحدود الشرقية والغربية، كما قضت بان الحكم نهائي وملزم للطرفين. رحبت الحركة بالقرار الذي بمقتضاه ذهبت مدينة أبيي الي الدينكا، بينما فقدوا بعض القري الاخري ف يالمنطقة، اما الطرف الاخر الحكومة ومعها المسيرية فقد رحبوا بالقرار ايضا لانه ثبت حق المسيرية في الجزء الاهم، وهو علي صغره يضم ابار حقول النفط التي تنتج ما يقارب الثلث من انتاج السودان من النفط حاليا. ويشير الباحث الي قرار المحكمة الدولية في لاهاي باعتباره حلا جغرافياً ولم يتوصل الي جوهر المشكلة:
يبدو القرار في ظاهره انه قد ارضي الطرفين، وهو انتصار للحل السلمي ويعكس تصرفاً مثالياً من الطرفين لواحدة من اشد القضاايا اثارة للجدل والاختلاف. لكن التحدي الاكبر هو كيف ينجح الطرفان في تنفيذ القرار علي ارض الواقغ. ان الامر حساس في حقيقته، لان المخواطن العادي من الدينكا قد يفهم انالارض من أبيي فجنوباً هي ملك لهم، او تابعة للجنوب، وهذا ربما يثير حساسيات وتوترات عندما يأتي المسيرية بمواشيهم في حركة الرعي الطبيعية في فصل الصيف من الشمال، وبتوغلون كما جرت العادة جنوبا في ارض الدينكا حتي بحر العرب. فقد يندلع صراع بين عرب المسيرية المتحركين في مسارات الرعي الطبيعي والدينكا.
من جانب اخر، قام عضو محكمة التحكيم في قضية أبيي، عون الخصاونة (اردني)، الذي هو ايضا قاض في محكمة العدل الدولية، بكتابة رأي مخالف للاكثرية، موضحا فيه الاسباب التي دعته الي المخالفة، وقد جاءت في 70 صفحة باللغة الانكليزية، وصف فيه قرار المحكمة بانه غير مقنع ومليء بالتناقضات، وانه يفتقر الي الدقة في تحديد الحدود، ويجعل من عرب المسيرية مواطنين من الدرجة الثانية في المنطقة، وان حقوقهم تصبح ثانوية، وان هذه الفكرة لا اساس لها في القانون، ولا في الاعراف القبلية التي سادت في كردفان، ولاتسندها الوقائع، وانه اذا انفصل الجنوب فسوف يفقد المسيرية حقوقهم في الرعي. في التحليل النهائي، يمكن النظر الي تحكيم لاهاي حول ابيي بانه قد حسم الخلاف (الجغرافي). اما جوهر القضية، وهي (الهويات) فمن الارجحخ ان تظل قنبلة موقوتة ربما تنفجر في اية لحظة، استنادا الي ما جاء من معطيات في سياق التحليل الذي تضمنه هذا الفصل. وقد يكون ذلك عند الاستفتاء الذي ثار الجدل فيه حول علي اي اساس يجب ان يتم اعلي اساس المواطنة في محلية ابيي ام علي اساس قبلي؟
ثم يتوصل الباحث الي جملة من الحقائق بشأن الهوية والتعايش والوحدة في المجتمع السوداني:
من كل تلك المقدمات والمعطيات والتحليل السويولوجي (الدين، والهوية والثقافة) يمكن ان نستخلص الحقائق التالية:
1 ان الهويات الشمالية تشكل هويات صغري تربطها الهوية الاسلامية في هوية كبري واحدة برباط قوي، بينما ينتفي او يضعف هذا الرابط بالنسبة الي علاقة الشمال بالجنوب.
2 ان عملية السلام المستدام تحتاج الي عملية دمج الهويات، وهذا يصعب الان، وقد يحتاج الامر الي اجيال حتي يتم تذويب الهويات الجنوبية في الهوية السودانية، وان كانت هذه الدراسة تستبعد امكانية ذلك لان الجنوبيين سوف يقاومون بشدة هذا الاتجاه. وهناك عوائق كبيرة من ضمنها انتشار المسيحية في العقل الجنوبي (وليس في الجغرافيا الجنوبية) كعقيدة وانتماء ثقافي وحضاري يشكلان ركنا اساسيا للهوية الجنوبية.
مهددات الوحدة: شواهد من الواقع
3 ان التعايش السلمي قد يوقف الحرب، ويخلق هدنة وسلاما نسبيا ومؤقتا، لكنه لا يحقق وحدة مستدامة، بمعني وحدة تقوم علي بناء اجتماعي متماسك في اطار هوية سودانية تحتضن تنوعا متناغما.
4 ان التعايش السلمي الذي نجح في العديد من الدول (خاصة الغربية) علي رغم التنوع والتعدد الاثني، لم ينجح في السودان ليس لعدم توافر الاندماج الاجتماعي الثقافي الكامل، بل بسبب غياب النخبة الواعية التي تحسن ادارة التنوع بكفاءة وحياد وعدالة لتوفير المناخ اللازم للانسجام، وحتي يسود الشعور بين الجماعات والطبقات والاثنيات بانهم كلهم مواطنون سواسية ومن الدرجة الاولي. غياب هذا المناخ وتلك العدالة يشكل احد اهم اسباب
صراع الهويات في السودان ان لم يكن السبب الوحيد.
هذا الجزء من الكتاب عبارة عهن تسجيل لمقولات ووقائع واحداث تعبر عن الصورة الذهنية التي يحملها الجنوبي عن الشمال (او الشمالي)، هي ملاحظات ووقائع واحداث تغطي فترة ربع قرن من الزمان. وهي وان كانت امثلة محدودة تخدم محاولة استقرائية بسيطة يمكن ان تساعد علي فهم واقع العلاقة بين الشمال والجنوب والتنبؤ بمآلاتها في المستقبل. وقد عزز الكاتب ذلك بالاستعانة بدراسات ميدانية اجريت في هذا السياق، وذلك في محاولة لمقاربة ابميريقية (اي الاستناد الي الي شواهد من الواقع).
منظور استقرائي
1 في جامعة الخرطوم، حتي ثمانينيات القرن العشرين عندما كان الطلبة يتمتعون بنظام الداخليات وبالمجان، وكذلك نظام الاعاشة كان من الملاحظ ان الطلبة الجنوبيين يميلون الي السكن مع بعضهم في غرف الداخليات، اي نادرا ما يسكن طالب من جنوب السودان مع طلبة من الشمال في غرفة واحدة، كذلك في صالة الطعام (السفرة) يدخلون مع بعض ويجلسون علي مائدة واحدة غالبا ما يكون في اقصي ناصية في السفرة ولا يشاركون الشمالييين في المائدة، كذلك الحال في النشاط الطلابي، وفي التنظيمات السياسية كانت لهم احزابهم السياسية الخاصة بهم، مثل حزب الجبهة الافريقية الوطنية وهو حزب الطلبة الجنوبيين الذي كان يمارس نشاطه السياسي في داخل الحرم الجامعي فقط. بالاضافة الي انتماء بقية الطلبة الجنوبيين الناشطين سياسيا الي احزاب جنوبية اخري خارج الجامعة، وكان اشهرها حزب (سانو) .
الدكتور عبده مختار موسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.