لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعايش السلمى فى ابيى ... بقلم: أ. نازك عبدالحميد هلال
نشر في سودانيل يوم 08 - 12 - 2010

تحتل منطقة ابيى الجزء الشمالي الجنوبي من ولاية جنوب كردفان بعد أن أعيد التقسيم الادارى لولاية غرب كردفان، حيث أصبحت المحافظات الشمالية تابعة لولاية شمال كردفان وتم دمج محافظة ابيى، كليك، الدبيب، السلام، لقاوة في ولاية جنوب كردفان. تتبع المنطقة جيولوجياً للسلسلة المعروفة جغرافياً بام روابة ذات الأهمية المتمثلة في توفير المياة الجوفية ، إضافة للجريان السطحي الموسمي متمثل في الرقبة الزرقا وأم بيورو وبحر العرب الذي يمثل أطولها وأكثرها جرياناً مما يجعله مصدراً رئيساً للمياه السطحية التي تعول الإنسان والحيوان في المنطقة خاصة خلال الفصل الجاف.
أزدات المنطقة أهمية بوجود حقول البترول ما أدى لوجود التنافس الامريكى على المنطقة والمنظمات الكنسية الغربية التي تسعى لتصعيد الصراع بين المسيرية والدينكا على أساس عرقي وديني بغض النظر عن ما هو المالك الحقيقي للمنطقة، إذ يعتبر البترول احد أهم أسس الصراع الحديث بين أطراف حكومة السودان "حكومة الشمال" وحكومة الجنوب من جهة ومصدر أخر للتنافس الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى أيلولة السبق في اكتشاف البترول في السودان، حينما بدأت شركة شفرون الأمريكية التنقيب عن اكتشاف النفط في هذة المنطقة في منتصف السبعينات من القرن الماضي. وتحد هذة المنطقة من الناحية الشرقية بولاية الوحدة وجنوباً بولاية شمال بحر الغزال وغرباً بولاية جنوب دارفور، فتبدو المنطقة أشبة بمثلث يلمس ثلاث ولايات تحف حقول النفط في هذا الجزء من السودان. ويتبع هذا التدرج تدرج طبوغرافى وسكاني، حيث يسكن في الجزء الشمالي عدد كبير من القبائل مثل عرب المسيرية الحمر العجايرة الذين يتوغلون الى الجنوب، وقبائل المعاليا وهى مجموعة ريفية تعيش عند الأطراف الشمالية وبعض القبائل الأخرى مثل البر قو والبديرية والداجو والفلاتا ويمثل عرب المسيرية الحمر والدينكا الغالبية العظمى لسكان المنطقة .
يوجد في منطقة ابيى خليط من السكان حيث يقطن في الجزء الشمالي في منطقة المجلد والميرم والدبب قبيلة المسيرية الحمر، إذ تتكون جغرافياً من أراضى السافنا الغنية نسبياً والمستنقعات في الجنوب، وكان لهذا الموقع تأثيراً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً على تعامل المسيرية الحمر مع معطيات موقعهم البيئي ومن هذه التأثيرات اتخاذهم أساليب بقاء مختلفة فيها الحياة الرعوية والزراعية وموقعهم المحصور بين المزارعين المستقرين في السهل الى الشمال منهم الحمر والرعاة الصرفيين في الجنوب الدينكا جعل مسالة حفاظهم على هويتهم تحدياً ثقافياً واجتماعياً. وتميزت المسيرية الحمر بأن لديهم معرفة متقدمة بالحكمة والواقعية السياسية والاجتماعية والثقافية في التعايش مع جيرانهم من الجنوب وهم الدينكا ، حيث نظمت قبيلة المسيرية بكل مرونة المعاهدات القبلية وحقوق الرعي والزراعة وفض النزاعات مع كل الكيانات القبلية التي تداخلت معها.
وتتكون قبيلة المسيريه الحمر بفرعيها الكبيرين الفلانية والعجايرة ويتوزعون في عدد من الأمارات والعموديات، فالعجايرة تشمل أمارة أولاد كامل والمزا غنة وأمارة الفيارين وأمارة أولاد عمران والفضيلة، أما الفلاتية فتشمل أمارة السلامات وأمارة الزيود وأمارة الجبارات وأمارة المنانين وأمارة سرور، بالنسبة للحمر فأن موطن حلهم وترحالهم وينقسم الى أربعة أقسام رئيسية استلهمت أسماؤها المحلية من طبيعة التربة والنبات مثل البابنوسة التي تستمد اسمها من كلمة بأبنوس التي تشير الى نوع معين من أشجار الأبنوس وتمثل المنطقة الشمالية للمسيرية الحمر، ومنطقة المجلد الواقعة بين إقليم البابنوسة في الشمال ومنطقة الجريان النهري في الجنوب، إلا أن الحشائش والإعشاب تندر مما يجعل الإقليم منطقة عبور بالنسبة للحمر، منطقة البحر تضم منطقة بحر العرب إضافة الى المناطق المجاورة لها شمالاً وجنوباً، وتمتاز المنطقة بأنها منطقة تداخل واختلاط بين الحمر والدينكا نقوك ودينكا بحر الغزال واعالى النيل.
اتسمت الزعامة القبلية للحمر خلال فترة المهدية بالانشقاق وعدم وحدة الراى والإجماع تجاه الدعوة المهدية ومتطلباتها، فنجد على الجلة احد كبار رجال الحمر قد انضم للمهدية وأصبح ملازماً للخليفة عبد اللة، بينما نجد زعامات تقليدية أخرى قد امتنعت عن مساندة الخليفة، ووجدت دعماً من زعيم النقوك آنذاك أروب الذي شجعهم على الاحتماء بمستنقعات بار الليل جنوب بحر العرب.
أما قبيلة الدينكا نقوك ينتمون إلى مجموعة القبائل النيلية، التي يعتقد أن موطنها الاصلى يقع الى الشرق من منطقة البحيرات العظمى في شرق أفريقيا من الناحية الجغرافية يحتل النيليون الإقليم الممتد على طول الشاطئ النيل الأبيض حتى خط عرض12ْ شمالاً ، وكذلك الجزء الأكبر من حوض بحر الغزال غرباً ،وهم معظمهم رعاة أبقار وتتوزع في ثلاثة أمارات وتسعة من العموديات الكبيرة منهم عمودية بنقو وعمودية أشاك وعمودية مريتق وعمودية أيبور وعمودية اشوينق وعمودية ديل وعمودية ما ينورا وعمودية أنيل ،وكل فرع ينقسم بدوره الى قسمين أو أكثر ،ولكل خشم اسمه ومرعاه ومكان أقامته، وكذلك توجهه الدفاعي والهجومي وواقع الأمر أن المؤسسة الحيوية بين الدينكا هي المجموعة العمرية التي تضم كل فرد يصل عمره الى سن المراهقة ،والنظام العمرى كما يذكر د.فرانسيس دينق هو أساسا نظام عسكري يهدف الى تنمية الشجاعة والقدرات القتالية للمحاربين الشباب، وهذا ما يجعل المجموعات العمرية للقبائل الفرعية بمثابة وحدات حربية.
يعيش الانقوك في مديرية كردفان، بينما يعيش الدينكا بشكل رئيسي في المديريات الجنوبية وجيرانهم المباشرون في الشمال هم عرب المسيرية البقارة الحمر الذين عاشوا وتفاعلوا معهم لمئات السنيين، قبل الحكم الاستعماري البريطاني والعلاقة بين الانقوك والحمر يمكن تقيسها إلى ثلاث مراحل مقارنة بمراحل العلاقات الشمالية الجنوبية، ففي المرحلة الأولى وهى، فترة ما قبل الاستعمار البريطاني تميزت العلاقة باستقلال الطرفين والعلاقات الدبلوماسية الودية، بالرغم من استمرار تجارة الرقيق، في المرحلة الثانية وهى فترة الحكم البريطاني توقفت تجارة الرقيق واتسمت بالعلاقات السلمية وخضع الطرفان لسلطة مجلس واحد، الذين خففوا من تخوف الانقوك من هيمنة الأغلبية العربية.أما المرحلة الثالثة، وهى فترة مرحلة ما بعد الاستقلال فقد تميزت بحلول السودانيين الشماليين محل الموظفين البريطانيين وضعف دور الحكومة في التوسط والتسويات، وتزايد التوجهات المركزية واتساع دائرة الصراع حول السلطة، يذكر هندرسون أن التقاء الحمر بالانقوك يرجع إلى منتصف القرن الثامن عشر، والسكان الأصليين هم الداجو والشات وتعايشوا في هذه المنطقة دون نزاعات مؤثره، والعلاقات الدبلوماسية والاحترام المتبادل بين القبيلتين نجحا في إبعاد المنطقة عن حملات الاسترقاق التي وقعت في فترة الحكم التركي والمهدي، ورافق الزعيم أروب وفد الدينكا نقوك بعض المتحمسين للمهدية من بين قيادات الحمر ليقابل المهدي ويعلن تأييده لحركته.
معظم التعايش بين الانقوك والحمر كان في واقع الأمر، مرتبطاً بالعلاقات الشخصية بين زعماء القبيلتين، وهى العلاقات التي تعكس صوراً متضاربة للنجاح والفشل في تخطى انقسام الهوية التي تفرق بين الزعماء ورعاياهم بالرغم من أن العديد من أجيال الزعماء قد أدوا أدوارهم في تلك العملية، إلا أن شخصيتي دينق ماجوك وبابونمر تمثلان الأساس في قصة علاقات الانقوك بالحمر . شهدت مناطق الدينكا، قبل إعلان البريطانيين لسياسة فصل الجنوب، درجة من الاسلمة والتعريب، نتيجة لتوفير التمازج السلمي مع الشماليين وعدم وجود خوف من الهيمنة الثقافية والسياسية مما أدى لتمازج اجتماعي واسع بين السكان الجنوبيين وجيرانهم الشماليين وأحداث درجة من التأثير الثقافى المتبادل بين الطرفين.
كانت العلاقات ودية بين القبيلتين، فدينكا نقوك كمجموعة أثنية قليلة العدد وبالتالي امتزجوا وتعايشوا مع قيبلة المسيرية.فمن المعروف بأن الدينكا ينظرون الى الأبقار نظرة مقدسة، فبعض من أفراد قبيلة الدينكا يعملون عند المسيرية في حرفة الرعي، والتعامل سابقا لم يكن بالنقد وإنما عبارة عن أبقار تدفع للراعي متفق علية مسبقا.
فهنالك كثير من التحالفات بين القبيلتين، فالمسيرية فرع العجايرة لديهم خمسة عموديات وكل عمودية لديها طرف مقابل في دينكا نقوك فالمسيرية يمتازون بثقافة عالية وذلك لوجود اللغة العربية فهي تعتبر العامل المشترك بين قبائل الجنوب مع وجود خصوصية في اللغة بالنسبة لدينكا نقوك مما أدى لوجود لغة مشتركة بين الطرفين والتأثير بين القبيلتين واضح فمثلا سلطان دينكا نقوك كان يرتدى الجبة الأنصارية والعمامة.عندما تم أنشاء مجلس ريفي المسيرية عام1954م، أصبح دينكا نقوك جزء لا يتجزأ من المسيرية، واستفاد دينكا نقوك من تواجدهم مع المسيرية لدرجة أن الزعيم بابو نمر تنازل من رئاسة المجلس الريفى لدينكا نقوك، واخذوا قسطاً من التعليم ووجدوا مناصب قيادية أفضل من الجنوب، ودليل على ذلك فقد تلقى احمد دينق مجوك تعليمة في مدرسة حنتوب الثانوية وتولى منصب نائب مأمور في محافظة ريفي المسيرية.
من الملاحظ بان منطقة ابيى تتميز بالتعايش والتمازج بين القبائل المختلفة ، فالمسيرية والدينكا وقبائل أخرى عربية يمثلو خليط من السكان متجانسين من حيث الثقافات والعادات .فنجد دينكا أنقوك أخذت من المسيرية اللغة العربية المحكية، مما جعلنا نتوقف عند كلمة ابيى والتي هي تصغير لكلمة أبى باللهجة المحلية للمسيرية، فاخذوا في التلاقح الثقافى والتعايش السلمي، أما التنوع العرقي بين عموم هذه المجموعات لم يتوقف في الإطار الثقافى والاجتماعي فحسب، بل امتد حتى شمل الجوانب الاقتصادية، فقد منحت الدينكا أراضى زراعية للمسيرية الذين استقروا في ما بعد نهر كير، أما أبناء الدينكا فاستطاعوا أن يفتحوا لهم مشاريع تجارية شمالاً في منطقة المسيرية وانتشرت التجارة بين الطرفين.
نتج من التعايش السلمي والتنوع الثقافى بين المسيرية والدينكا سياسياً واجتماعياً واستراتيجياً في بروز آليات فض النزاعات والمحاكم الأهلية التقليدية القبلية، وذهب بعض مثقفو المسيرية بتسمية بعض هذه الآليات بمجالس البرامكة ، وبخصوص المحاكم تعتبر قراريها حاسمة وعادلة للطرفين المتنازعين، بغض النظر عن موضوع النزاع، ولكن إذا ارتأى السلطان المحلى للانقوك او الناظر المحلى للمسيرية او بعض المتضررين بحق استئناف قرار المحكمة الأهلية فيحق لهم الاستئناف لعموم سلطان دينكا انقوك اوعموم سلطان المسيرية، ومن ابرز نتائج آليات فض النزاع القبلي هذه أنها قامت بإطلاق سراح سجناء أحداث 1965م- 1964م بإصدار عفو عام عن ما تسبب في القتل وخلافه من كلا الطرفين.
تعتبر منطقة ابيى بوتقة للتمازج وتفاعل ثقافي ، وان الدينكا والمسيرية ظلوا يتمازجون عنصريا وثقافيا لقرون بالرغم من مرارات التاريخ التي شهدها السودان، و ينبغي أن ينظر الى المنطقة كمنطقة تمازج مستقبلي رمزا للوحدة الوطنية وبالتالي تتطلب قدرا كافيا من الاهتمام من الحكومة المركزية. ويرى أن مواطني ابيى من الدينكا يطلبون أن يدبروا أمورهم بأنفسهم وان يشعروا بان وجودهم في كردفان ليس وسيلة للضغط عليهم وهذا يعنى أن يكون بعض الإداريين ورجال البوليس والمعلمين من أبناء المنطقة وذلك حتى لا يفهم المواطنون أن صلتهم الوحيدة بالحكم كانت عن طريق زعماء القبيلة كما اقتراح أن يتم ترفيع ابيى إلى المنطقة تابعة لمحافظة جنوب كردفان برعاية خاصة من المركز لضمان استمرارية برامج التنمية وتوفير الثقة.
نتيجة للتداخل والتجانس المتبادل بين القبيلتين فلم يقف عامل اللون او العرق في قضية التزاوج بينهم، وامتد هذا التآخي في أنماط العيش، فالقبيلتين لا اهتمام لهما بوجود البترول في المنطقة بل هنالك تطلعات لتنمية المنطقة من المتعلمين من أبناءها وذلك نسبة لارتفاع ألامية لديهم، وبالتالي يسعون لتنمية المنطقة في المجال الاقتصادي والسياسي. ولكن وجود الاتفاقيات الأخيرة وتبنى الحركة للبرتوكول خلق إشكالية التسابق نسبة لوجود الموارد الطبيعية مما أدى دافع للحركة بالتحرك نحو الشمال للسيطرة على أراضى ليست تابعة أصلا لمنطقة ابيى، وبالتالي فرص التعايش بين القبيلتين موجود إذا لم تصعد حركة تحرير السودان الوجود العسكري في المنطقة.
من الملاحظ بان مظاهر التعايش السلمي والتنوع الثقافى بين القبيلتين امتد الى ثقافة الأزياء فقد تأثر الانقوك بلبس الجلابية والطاقية وحذاء المركوب الى ما بعد نهر كير الى اعالى النيل وغرب الاستوائية الى أدغال الجنوب فلم يتوقف عند حدود ثقافات الانقوك بل امتد الى القبائل الأخرى الموجودة في المنطقة مثل دينكا بور والشلك وغيرهم بينما تأثر المسيرية في ثقافة لأزياء بارتداء طواقى النخبة التي يلبسها سلاطين الانقوك كنمط اجتماعي للتلاقح الثقافى والتعايش السلمي والتنوع العرقي بين عموم هذه المجموعات وإذا نظرنا للآلات الموسيقية الشعبية التراثية كعنوان للتعايش السلمي والتنوع الثقافى بينهما، فهنالك بعض الآلات أخذتها الانقوك من المسيرية، ومن المعلوم بان المسيرية لم يتدخلوا دينيا في معتقدات الانقوك ألا بمقدار التداخل الثقافى والتجاري والتأثير الذي جعل العديد من أبناء الانقوك يختارون الإسلام ديانة لهم عن طواعية وليس عن أكراه، وإذا كان الانقوك يعتبر بان البقر كائن مقدس ، فأن المسيرية أخذت المذهب الوسطي وهو الافتخار بالماشية، البقر خصوصاً، فعندما كانت الانقوك تطلق بعض أسماءهم على أبقارهم مثل شول ونيال ...الخ كانت المسيرية تطلق أسماء على أبقارهم مثل الحمرا وضواية والتور اب حجل وهى صفة للإنسان الشجاع، كانت هذه المباهاة البينية بينهما تدل على مدى تقدير القبيلتين للماشية عامة والبقر خاصة كمورد اقتصادي وعنوان اجتماعي.
ولقد أدى التزاوج بين المسيرية والدينكا الى توطيد روح التاخى والتعاطف بينهما حتى تجاوزت العلاقة بينهما مصطلح التعايش السلمي والتنوع الثقافى الى مصطلح أخوة المسار والمصير.فهنالك الكثير من أبناء المسيرية يتحدثون لهجة دينكا نقوك بطلاقة، وهؤلاء هم الذين استقروا تماما في بلاد الدينكا وتزاوجوا من نساء الدينكا.
من الملاحظ بان التعايش السلمي لم يتوقف في الإطار الثقافى والاجتماعي فحسب وإنما امتد الى الجوانب الاقتصادية، فالمسيرية الذين استقروا في ما بعد نهر كير وفى عمق بحر الغزال منحهم الانقوك أراضى زراعية بحكم النسب، وأبناء الانقوك الذين رحلوا شمالاً وعملوا رعاه في ضواحي بابنوسة او المجلد و الميرم فقد كانت تأتيهم نسبهم من المواشي حسب ما يلية العرف بين القبيلتين واستطاع بعض من أبناء الدينكا نقوك أن يفتحوا لهم مشاريع تجارية شمالا في بلاد المسيرية مما أدى الى انتشار التجارة بين الطرفين.
يرى الباحث أن الفكرة الأساسية وراء مقترح التعايش السلمي هو أن يخلق في أوساط المسيرية الحمر ودينكا نقوك منطقة سلام مشتركة تكون نموذجا لإعادة الإرث التاريخي والاجتماعي بين القبيلتين ،ومن ثم، يمكن تطبيقه على مناطق نزاع أخرى في السودان.و يتضح مما ذكر سابقا، بأنه هنالك إمكانية للتعايش السلمي بين المسيرية ودينكا نقوك وان على القبيلتين التجاوز عن مرارات الماضي وذلك بوضع رؤية مستقبلية.
nazik hilal [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.