برع السودانيون وعلى مر العصور في إطلاق بعض الأسماء تبدو عادية عند سماعها، لكنها تستبطن الكثير من الطرائف والمفارقات، وتخالف أحياناً حقائق الأشياء والطبيعة والمعرفة البشرية، وتثير كثيراً من التساؤلات. وارتبطت بعض الدور والساحات ومراكز العلم والمعرفة مثل الجامعات وقاعاتها بتسميات حصرية على النطاق المحلي علاوة على تشبيهها بأحداث وغرائب لم تتجاوز نطاق السودان، حيث أطلق طلاب جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا على إحدى القاعات البعيدة داخل الحرم الجامعي اسم (أمبدة) كناية على البعد. وفي السياق نالت النجيلة التي تتوسط مجمع الكليات لقب (ريبيت) ودائماً ما يشد إليها الرحال الطلاب الذين يفشلون في عبور السنة الدراسية، والكلمة (ريبيت) أصلها إنجليزية تكتب هكذا (repeat) تعني في اللغة العربية أعاد أو كرر.. ويقصد بها في نطاق المدارس والجامعات (أعاد العام الدراسي). النيلين والخرطوم ليس ذلك فحسب، فقد حازت جامعة الخرطوم على لقب (جميلة ومستحيلة) عطفا على صعوبة القبول فيها الذي يرتبط بضرورة الحصول على نسبة عالية في امتحانات الشهادة السودانية، بجانب أنها تضم طلاباً وطالبات على درجة عالية من المعرفة، فضلاً على وجود محفزات تعين الطلاب على الإبداع في شتى المجالات وتشكل مواهبهم، الأمر الذي يضمن تخرجهم فيها متميزين أكاديمياً وثقافياً. وفي الأثناء أطلق البعض اسم (الصين الشعبية) على جامعة النيلين، وذلك من واقع أنها تضم أعداداً كبيرة من الطلاب والطالبات، وهو حال الدولة المتقدمة التي يبلغ عدد سكانها ما يزيد عن 1٫357، واللافت أن معظم هذه الأسماء وعند التعمق في معانيها يكتشف المرء الغرائبية التي تختزنها. الشهداء وريبيت في السياق، تقول سناء أحمد طالبة بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا إن هناك موقعاً داخل الجامعة يطلق عليه اسم (الشهداء) لأنه يمثل ملتقى لجميع الطرق التي تربط الجامعة. وتضيف: "استعار الطلاب الاسم من موقف الشهداء الشهير بأمدرمان، وهو يمتلك ذات الخاصية، حيث تلتقي فيه جميع مسارات طرق محلية أمدرمان، إضافة إلى أن هناك مقولة أخرى تفيد بأنها سميت على شهداء اتحاد الطلاب بالجامعة، الذي قام بنصب تمثال يتوسط الحديقة نحتت عليه أسماءهم". وأردفت: "عندما تكون خارج الحرم الجامعي، ويتصل عليك زميل يقول لك أنا في الشهداء، وبالتالي تبدو الصورة واضحة والمكان معروف". من جهته قال آدم أحمد عمر خريج جيلوجيا: "لن يرهقك البحث داخل الجامعة التكنلوجية عن طالب أو طالبة أعاد في إحدى سنوات الدراسة لأن الأمر سهل وما عليك إلا وأن تتجه إلى النجيلة التي تتوسط مجمع الكليات التي سميت ب (ريبيت)، حيث تضم مجموعة من الطلاب الذين فشلوا في العبور إلى العام الدراسي الجديد. ويضيف: "اختيار هولاء لهذا المكان جعل الجميع يطلق عليه هذا الاسم الذي بات مشهوراً". الأصل والفرع أنس داود خريج كلية الهندسة بجامعة الخرطوم يقول ل (اليوم التالي): "منذ سنوات خلت سميت الجامعة ب (جميلة ومستحيلة) نظراً لصعوبة القبول فيها وضرورة الحصول على نسب عالية لكي يترشح الطالب إلى إحدى كلياتها، بجانب أنها تقع في مكان مميز، فضلاً عن مكانتها العالية واسمها الكبير. أما سحر أحمد الطالبة بجامعة النيلين كلية التجارة، فقالت إن العدد المهول لطلاب الجامعة أفضى إلى إطلاق اسم (الصين الشعبية) عليها. وأضافت: حتى الأهل والأصدقاء عندما يسألوننا أين تدرسون، وعندما نرد (النيلين) يداعبوننا باستمرار "بتقروا في الصين الشعبية". حوش العزابة كما هو معروف فإن جامعة أمدرمان الإسلامية اختارت نظام دراسي قضى بفصل كليات الأولاد عن البنات في جميع التخصصات، الأمر الذي قاد بعض ظرفاء المدينة على أن يطلقوا على كليات الطلاب (حوش العزابة)، لجهة أن الأولاد يدرسون لوحدهم وليس بينهم بنات، كما هو الحال في بقية الجامعات. إسدلال الستار يبرز التساؤل عن هذه الظاهرة السودانية الخالصة التي تتمثل في إطلاق مثل هذه الأسماء الغريبة والمدهشة، خاصة وأن السودانيين يبرعون في ذلك فيما بينهم، الأمر الذي يحدو بعلماء الاجتماع البحث في تلك الظواهر ومعرفة دلالاتها اليوم التالي