قد يبدو للبعض أن عزوف الشباب عن الزواج من الأشياء العادية التي يمكن أن تمر كسائر الأمور التي نمررها يومياً ولا نعيرها اهتماماً، لأن السبب من الوهلة الأولى منطقي ولا جدال فيه، لكن مع مرور الزمن يشكل الأمر خطورة ويصبح مهدداً اجتماعياً، سيما في ظل ارتفاع نسبة العنوسة التي حددتها دراسات ب (20%) في السودان وربما أزيد. باتت الظاهرة الاجتماعية هماً يؤرق الجميع، بحسب نوال مصطفى مدير مركز دراسات المرأة، التي أكدت في ندوة (العنوسة والعزوبية مهددات اجتماعية) أمس الأول بقاعة الشارقة أنه لن يحدث استقرار أو توازن اجتماعي ونفسي وطمأنينة ونهضة ما لم يحاصر وينتهي تماماً بزوال المسببات. وأشارت نوال في افتتاحية الندوة إلى أن تأخر الزواج يشكل خطورة للمرأة والرجل على حد سواء لأنه يؤخر من الأمومة والأبوة، لذلك تقول إننا نحتاج لتنمية كبيرة على مستوى الدولة، وهذا لن يتأتى إلا بإنجاب أطفال أصحاء تتوفر لهم خدمات وتنشئة وتعليم وجو حاضن وأمن لهم. عنوسة وعزوف وعزت الباحثة الاجتماعية بروفيسور فائزة علي عزوف الشباب عن الزواج لأسباب اجتماعية وثقافية اقتصادية وسياسية. وقالت موضحة: "هناك فرق بين العنوسة والعزوف عن الزواج الذي يمكن أن يكون فيه الشخص قادراً مادياً لكنه لا يريد الزواج، وهذه تعود لأسباب نفسية واجتماعية"، أما الأسباب الشائعة مردها ارتفاع تكاليف الزواج بالمغالاة في المهور والفقر والبطالة وخروج المرأة للعمل، بالإضافة إلى الاستلاب الفكري الذي جعل الشخصية الإسلامية مسخ مشوه يعاني فصاماً بين الإيمان والتطبيق الفعلي لسلوك واقعي عزز الثقافات الوافدة، فأدت إلى رفض الزواج المبكر وتحقيره وعدم ترتيب الأوليات بصور صحيحة، والقصور الفكري المتوارث في العادات والتقاليد فيما يخص طقوس الزواج، فضلاً عن تدني قيمة الاسرة عند الشباب، واعتبار أن الأسرة مكان للعبء الأبوي بدلاً عن بعث الدفء والزواج، والمغالاة في طلب الزواج والتعنت في الطموحات والاختيار، أيضاً عدم الاستقرار السياسي والحروب التي تقلل من نسبة الزواج، مع ضعف الترابط في العلاقات الاجتماعية والاتجاه إلى الزواج من خارج العائلة، والتراكمات السابقة من عنف داخل الأسرة. أزمة عمل وأضافت بروف فائزة: "هناك العديد من الأسباب الاجتماعية الشائكة، وتعد الفهم السليم وتطبيق منهج الإسلام بالطريقة الصحيحة يحفظ المجتمع يحقق إهدافه". وقالت: "توفير العمل للشباب والسكن الشعبي يساهم في حل المشكل مع إنشاء صناديق والاستعانة بأموال الأوقاف، عدم المغالاة في مواصفات الشريك ونشر ثقافة الزواج وإبراز الأسرة كمؤسسة مقدسة والتصدي للظواهر السالبة التي تؤدي إلى إضعاف الأسرة. غاية أم وسيلة؟ أما الباحثة الاجتماعية سارة أبو ابتدرت حديثها متساءلة عن هدفنا ومقصدنا. وقالت: "هل نسعى للزواج كغاية رئيسية أم نسعى للإنجاب كواحد من النتائج الحتمية للزواج، فإذا كان غاية للذين يعانوا من إشكاليات في الإنجاب سواء أكان رجلا أو أنثى يصبح من حقها ذلك، أما إذا كان الغرض الهدف الإنجاب لابد من الاتجاه للزواج المبكر". ومضت قائلة: "لابد من تغيير المفاهيم السائدة التي تؤدي إلى تأخر الزواج سيما المبادرات التي لابد أن يقوم بها الرجل، في حين أن الشرع لم يمنع ذلك، وقال يمكن إن تختار الفتاة لنفسها القوي الأمين، وأن يخطب الأب لابنته". سلوك مؤثر ولفتت إلى أن سلوك الأب والأم داخل الأسرة يؤثر على زواج البنات. وقالت: "لابد من وضع معايير مقبولة لفتاة، كما أن التقدم وطلبها لا يعتمد فقط على سلوك الفتاة المهذب بل يسطحب معها سلوك كل أسرتها"، وترى سارة أن الخوف من المسؤولية، بالإضافة إلى المخدرات والمنشطات التي تقتل الهمة عند الرجل، وعدم الثقة الناتج من سهولة العلاقة والانفتاح بين الجنسين أهم الأسباب. تقول الباحثة الاجتماعية إن مؤشرات التعداد السكاني تؤكد أن السودان (30) مليون نسمة نسبة الإناث للذكور (49%) مقابل (51%) إذن عدد النساء أقل من الرجال في المجتمع، وإذا نظرنا لمعدل النمو السكاني نجده (2,4%)، وهذا يدعوني لدق ناقوس الخطر لأنه يعني أن الحكومة لديها سياسات للتزويج وليس لديها استراتيجية والفرق بينهما كبير، كما وصلت نسبة الفقر ل (46%) ونسبة النساء العاملات المنتجات (28%)، وبذلك أصبحوا مصدر دخل مهم نتج عن عوامل طبيعية، لكنه أحدث اختلال في الهدف. وتوضح سارة أن محاصرة المشكلة بكافة جزئياتها بواسطة الدراسات علمية وعمل استبانة وسط الشباب، وترتيب الأوليات لوجود عدم استقرار نفسي واجتماعي وإشراك الشباب في التفكير واتخاذ القرار، وتسهيل الإجراءات البروقراطية بعد توفي العمل. استراتيجية كاملة أشار مدير مركز الزاهر للإرشاد النفسي دكتور زهير عبدالرحمن بلة إلى أن الدولة والمجتمع والأسر لا تولي هذا الموضوع الاهتمام المطلوب، بالرغم من أن حجم الإشكال كبير ونتعامل معه بطريقة خاطئة. وقال: "إن العنوسة لها آثار نفسية عميقة". وطالب بإنشاء استراتيجية كاملة ترتبط بزمن محدد وخطة عمل تنفيذية، بالإضافة تفعيل النشاط الدعوي من خلال المساجد لمحاربة الثقافات والعادات الضارة مع النشاط الاجتماعي اليوم التالي