حينما سمعت بقصته من أحد الزملاء، ذهبت إلى بيت أقاربه في أم درمان، حيث كان يستشفى هناك.. جسد مليء بالجروح وشتى أنواع التعذيب، سألته، كيف عذبك ذلك الضابط؟ بدأ يحكي "كان يضربني في البداية بخرطوش، يكلبش يداي ويعلقهما في الباب، يكلبش بعد ذلك رجلاي ويجعلني أنام على بطني ويضربني.. كان أيضا يبصق علي، استخدم المكواة والكبريت، وأيضاً..." وهنا طلبت منه التوقف عن الحديث..! القراءة ليست كالاستماع، فالثانية متعبة وقاسية للغاية.. عبد الرحمن عباس التيجاني، عامل بسيط، يبلغ من العمر 22 عاماً، حكى لي قصة تعذيبه على يد أحد أفراد الشرطة، لكني لم أنشر قصته إلا بعد أن بدأت المحاكمة هناك في ولاية نهر النيل.. في سوق بربر تمت سرقة محل موبايلات.. سارع فريق من الشرطة لكشف ملابسات الحادثة، من ضمن الآليات التي تساعد على كشف طلاسم الجريمة، اصطحاب (كلب بوليسي) في موقع الحدث.. هرول الكلب إلى مباني كهرباء عطبرة، وبات يدور حول المبنى الأمر الذي جعل أفراد المباحث يشكون في حارس المقر، عبد الرحمن عباس، ليقتادوه بعد ذلك إلى قسم الشرطة..! سُجن ثمانية أيام على ذمة التحقيق، فقط لمجرد اشتباه كلب بوليسي فيه..! في اليوم التاسع من الحبس بدأت فصول تعذيبه على يد ضابط مازالت المحكمة تنظر في أمره.. نُقل عبد الرحمن من الزنزانة إلى مستشفى بربر مضرجاً بدمائه، وهناك طلب الأطباء أن ينقلوه إلى الخرطوم لإجراء فحوصات أكبر. وصل إلى الخرطوم واستمر في العلاج الطبي وفقد وظيفته هناك في بربر بسبب الغياب. قبل أسابيع برأت المحكمة عبد الرحمن من تهمة السرقة المنسوبة إليه.. صحيح أن العدالة بسطت يداها ورفعت الظلم عنه، لكن التبرئة لم تكن نهاية المطاف، إنما بدايته..! قضية عبد الرحمن وجدت حظها من النشر الأمر الذي ساعد على رفع الحصانة عن الضابط بعد أشهر قليلة، ليمثل في محاكمة تتهمه بتعذيب متهم بريء دون وجه حق، في انتهاك تام لحقوقه المنصوص عليها وفق القانون.. أخطر المجرمين في العالم لا يتعرضون في حبسهم لضربٍ أو تعذيب، لكن هناك من يستقوى بالحصانة ويرى أنه يملك حق "البطش" ليستخدمه معتقداً أنه سيظل بعيداً عن التحقيق والمحاسبة. وزارة العدل تابعت القضية، ووزارة الداخلية رفعت الحصانة عن الضابط في رسالة تحمل الكثير من المعاني الإيجابية والمهمة أهمها أنها لا تدافع عن منسوبيها بالحق والباطل. ربما يرغب أهل ذلك الضابط في إحداث تسوية مع عبد الرحمن ومن حقه قبولها أو رفضها، لكن نتمنى أن يبقى الحق العام محفوظاً، فلا يؤتمن مرة أخرى من استحل رخصة ليمارس تعذيباً على الآخرين..! فيسبوك