تعج وسائل الإعلام المختلفة هذه الأيام بما يحدث من تضخم اقتصادي غير مسبوق ما جعل بعض الخبراء في هذا المجال يولون الأمر عناية واهتمامًا خاصة وأن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة أحرقت المواطن بلهيب الأسعار التي ما فتئت ترتفع يوما تلو آخر، ولا حياة لمن تنادي. لكن خبراء مثل وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي لم يفتأوا يطرحون رؤاهم ربما لإسعاف الاقتصاد السوداني المصاب بأمراض مزمنة بهدف إيجاد علاج لها أو تثبيط ألمها على أقل تقدير، كونه أحد المساهمين في وضع السياسات التي أدت إلى ما آل إليه الوضع الاقتصادي الراهن، وإن كان ذلك في وقت سابق - لذلك يرى كثيرون في مواقفه الأخيرة وبذله لخبراته وإدلائه بتصريحات ومقترحات أمرًا إيجابيًا عوضا من أن يقف متفرجا، فربما تشفع له قليلا عند البعض، لكن آخرين يشبهون اجتهادات حمدي بالمرأة التي التفتت إلى زينتها واهتمت بذاتها بعد أن تزوج بعلها بأخرى حسناء، كما المثل الشعبي الساير (بعد ما الفاس وقع في الراس). مقترحات حمدي.. قديمة أم جديدة؟ اقترح حمدي في مقال له بعنوان (برنامج لإخراجنا من النفق)، نشرته الزميلة (آخر لحظة) قال فيه: أثار غضبي وغضب غيري حالة الاسترخاء تجاه معالجة المشاكل ولم أنتقد شخصا بعينه.. مقرا بأنه شريك في ما طبق في السودان، وهو برنامج فيه قدر كبير من الحرية بجانب تدخل الدولة، مضيفا: لم نخصخص كل المشاريع الزراعية الكبيرة وهي عصب الاقتصاد، ولم ندع لذلك، وسياستنا المالية والنقدية كلها تدخل من الدولة. ما طرحه حمدي من تحليل للوضع الآن حسب معطياته، علاوة على دعوته للحكومة بالتدخل ماليا لتحريك الاقتصاد ريثما يستبين الناس الأمر. جل ما أسلفناه لا يهتم له المواطن ومنهم من لا يفهم لغة الاقتصاد والسياسة، فقط يكتوون بنارها، في السياق علق أسامة علي (موظف) مبتدرا حديثه: ما تمر به البلاد حاليا يشبه الهاوية، وحال معظم المواطنين يشير إلى عجزهم عن توفير أدنى حد للمعيشة، إذ يركضون ليل نهار تجنبا للعوز وتساءل: من هو المسؤول جراء فوضى الأسعار وتحريرها؟ وإلى متى يستمر هذا التضخم الذي وأد الجنيه السوداني؟ واستطرد: جل ما نحن فيه الآن نتيجة سياسات متخبطة لم تحمد عقباها، بجانب تسرب الطلاب من الدراسة، وتدني الخدمات الأساسية والغريب في الأمر أننا نقرأ كل فينة وأخرى عن بشريات الاستثمار، وتوقيع عقودات مع كبرى شركات العالم، غير موارد البلد الطبيعية الضخمة والمعوّل عليها من قبل دول أخرى، ولا نجني غير وعود متكررة لم تر النور بعد، وختم: ما لا يستوعبه العقل وجود عدد هائل من المتسولين والعاطلين بجانب فقراء هذا العهد وما أكثرهم، في بلد تتسابق الدول على الاستثمار في موارده. صناعة السكر.. إقبال أم إدبار؟ وفي مجرى الحديث قال وزير الاستثمار مدثر عبد الغني إن صناعة السكر تجد إقبالا من المستثمرين، وتقدمت عديد من الشركات للاستثمار في ذات القطاع، مشددا على اهتمامهم بكل المشروعات الاستثمارية في القطاعات الصناعية والزراعية، بالإضافة إلى مجالات التعدين والسياحة والثروة الحيوانية والنفط. وفي الصدد ومن زاوية مغايرة قفزت أسعار السكر المستورد، حيث بلغ سعر الجوال زنة 50 كيلوجرامات (600) جنيه، وبالتالي يباع الكيلو الواحد بمعدل (12) جنيها، كما توقعت مؤشرات تقارير عالمية ارتفاعا ملحوظا في أسعار السكر في الآونة الأخيرة، ومن خلال ما يحدث في ساحة الاقتصاد تارة تنضح نفوس المواطنين بالتفاؤل وهناك آخرون محبطون تماما، وفق تصريحات الجهات المعنية في الشأن، إذ يطرحون حزمة أسئلة، كون بعضهم يرى تنافي الحديث مع الواقع المعاش، علما بأن أكثرهم لا يفهم لغة السياسة والاقتصاد ولكن استمرار معاناتهم جراء الغلاء الطاحن جعل منهم خبراء اقتصاديين يتابعون الاستثمار في مختلف القطاعات، بحانب رصدهم سوق الدولار والبورصة وما إلى ذلك، ومن ثم يتساءلون: هل تعبيد الطريق للمستثمرين عموما وفي قطاع السكر تحديدا، يصب في مصلحة الوزارة المعنية وليس للمواطن فيه نصيب؟ بيد أنها درست ارتفاع أسعاره دوليا وبذلك شجعت الاستثمار فيه حتى تجني أرباحا مقدرة تصب في خزائن وزارة محمود وهي الوزارة الأم التي تتحكم وتتفنن في تفصيل أزياء اقتصاد البلد حسب ما يناسب جسد سياساتها فقط ولا شأن لها في معاش الناس أم نتأمل في إصلاح الحال؟ حد قولهم. كل ما ذكر صحيح، لكن السؤال.... في موازاة ذلك يبتدر الحديث عمر عبد الله (خريج وعاطل لستة أعوام متتالية) وفق قوله ما يقال عن تنمية الموارد والاستثمار هذا صحيح ولا لغط فيه، ولكن يبقي السؤال: أين تذهب كل هذه الأموال؟ وأردف: السودان من أغنى دول العالم ومعظم سكانه فقراء ومعتازون، دعيني أكن واضحا في قولي ولا أراوغ كالسياسيين، أنا وأمثالي كابد أهالينا ريثما نتخرج، وها نحن تخرجنا وحفيت أقدامنا من اللهث خلف الوظيفة، وبالمقابل تعين زملاؤنا مباشرة عقب قضاء الخدمة، أهذا عدل؟ تركنا سيرة الوظيفة وولجنا الأسواق وهى الأخرى يشتكي العاملون بها من ركود نتيجة الغلاء علاوة على ارتفاع الضرائب والجمارك، وأخيرا اسعى الى الهجرة غير الشرعية رغم معاطبها لكن هي الحل الوحيد ولا خيار أمامي نسبة لعجزي المادي. من جهتها كشفت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي عن تشكيل لجنة مشتركة بين القطاعين الخاص والحكومي لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وحسم مضاربات الدولار ومكافحة التهرب الضريبي، فيما نفت المالية وجود أي زيادة في الجمارك والضرائب أو تعديل في الميزانية، وبذلك تبرأت من زيادة أسعار السلع، وعزتها لأسباب متعددة ليس من بينها زيادة رسوم الجمارك ولا الضرائب. تضخم كبير إلى ذلك من خلال آراء مواطنين بجانب ما ورد من تصريحات جهات معنية بالأمر، يتلخص للمتلقي أن ثمة نهضة حقيقية لكافة موارد الدولة، وبالمقابل يعادلها تضخم اقتصادي بالكاد يدرج معظم المواطنين تحت مظلة الفقر والحاجة، وبالتالي الجهل والمرض وهما دودة التنمية، إذاً مازالت الأسئلة قائمة ولن تجد جوابا شافيا ما لم توضع خطط استراتيجية لمعالجة الأوضاع الراهنة في ما يخص شأن عامة الناس وانتشال اقتصاد البلد بخطط مدروسة حسب اقتراحات خبير الاقتصاد عبد الرحيم حمدي وأقرانه اليوم التالي