أصبح جنوب السودان في 9 يوليو أحدث دولة في العالم في خطوة هي النهائية في اتفاق السلام الشامل الذي امتد ستة أعوام ووضع حداً للحرب بين الشمال والجنوب بين عامي 1983 و2005. وتبدو الحكومة متفائلة، ولكن بعد نشوة الاحتفالات وجمال الخطب، ستواجه الدولة الجديدة مهمة شاقة. وقالت وزارة الإعلام في الجنوب في بيان معد لنشره فور إعلان الاستقلال: "لن يبدأ جنوب السودان من الصفر...فعلى مدى السنوات الست الماضية، تمتعت حكومة جنوب السودان بحكم ذاتي إلى حد كبير، وكان لديها برلمان منتخب وحكومة، ونظام قضائي عامل". ولدى جنوب السودان مظاهر الدولة بالفعل: العلم والنشيد الوطني والأسلحة، ولكن سيتطلب بناء الدولة الجديدة سوف أكثر من مجرد رفع راية الدولة. العلاقات مع الشمال وكيفية انفصال شمال وجنوب السودان بالتحديد ستكون حاسمة لمستقبل كلتا الدولتين. كما أن المفاوضات الرئيسية - وأهمها تلك المتعلقة بالنفط – لم تنته بعد. وقد أجبر النزاع الحدودي بالفعل الآلاف على الفرار، بما في ذلك حوالي 110,000 شخص بعد احتلال الشمال لمنطقة أبيي المتنازع عليها في مايو الماضي. ولا يزال القصف مستمراً في ولاية جنوب كردفان الشمالية الغنية بالنفط، حيث يشكو مقاتلون كانوا موالين للجنوب من تخلي الجنوب عنهم بعد الانفصال. وقد تبادل الجانبان الاتهامات بأن كلاً منهما يدعم الحركات المتمردة، ويرفض الطرفان أيضاً هذه الادعاءات. كما أبدى الجانبان مهارة كبيرة في الاستمرار في الحوار، على الرغم من العنف والاتهامات. فقد أفاد هيلي منقريوس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، في خطاب يوم 7 يوليو أن "الطرفين أظهرا بوضوح أنه من الآن فصاعداً، لن يكون هناك أي إجراء من جانب واحد، وأنه لا يمكن لأي استفزاز أن يعيدهما إلى الحرب، وأنه سيتم حل خلافاتهما المتبقية عن طريق الحوار". وقد تم التوصل إلى اتفاقات مؤقتة بشأن أبيي وجنوب كردفان، وكذلك إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح يصل عرضها إلى 20 كيلومتراً على الحدود، ولكن يجب تنفيذ هذه الاتفاقات. التوتر على الحدود والنفط ولا يزال التوتر الحاد يثير مخاوف كبيرة، حيث قال جيري مارتون، مدير الشؤون الإنسانية في لجنة الإنقاذ الدولية أن "أسوأ سيناريو هو العودة، أو إعادة إشعال هذه الحرب الأهلية الطويلة بين الشمال والجنوب التي استمرت لأكثر من 20 عاماً". وينتهي تقاسم عائدات النفط بالتساوي بموجب اتفاق السلام الشامل في 9 يوليو، لكن كلا الجانبين يعتمدان على هذا الدخل. ويحذر دبلوماسيون من أن إقامة دولتين قابلتين للحياة يتطلب أن يدفع الجنوب بعض الأرباح إلى الشمال. ويمتلك الجنوب الجزء الأكبر من احتياطيات النفط، ولكن على الرغم من إصراره على عدم تقاسم الأرباح بعد الآن، لا يزال مضطراً إلى التصدير عن طريق خطوط الأنابيب التي تمر عبر الشمال. ومن المؤمل أن يصبح أعظم مصدر للخلاف هو نفسه أكبر دافع اقتصادي واقعي لتحقيق السلام. وأضاف مارتون: "إنهما في الواقع يعتمدان على بعضهما البعض. لا يمكن لأحدهما أن يعيش دون الآخر، وهذا إلى حد كبير بسبب عائدات النفط". وغالباً ما يتحدث جنوب السودان عن قطع هذه الصلة من خلال بناء خط أنابيب خاص به، ولكن هذا لا يزال بعيد المنال، كما يقول الخبراء. وأفاد جون تمين، من معهد الولاياتالمتحدة للسلام أن "الحكمة السائدة هي أنه يجب أن يكون لدى الجنوب اكتشافات نفطية جديدة حتى يصبح هذا الخط ذا جدوى اقتصادية ... لذا فإن إنشاء خط الأنابيب ممكن، لكنه ليس أمراً سنراه في المستقبل القريب". المؤسسات ويجري بناء مبان حكومية جديدة لامعة في جوبا، عاصمة جنوب السودان. وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها الصادر في أبريل أنه "بالنظر إلى الحكم الذاتي الإقليمي الذي تمتع به الجنوب... فإن الكثير من المباني اللازمة للحكم على المستوى الوطني موجودة بالفعل، حتى ولو كانت بدائية". ولكن لا يزال هناك نقص في المسؤولين الأكفاء، أو أنهم يعانون من ضعف المهارات الأساسية على مستوى الولاية والدولة. وقال رونالد واسيلوا من منتدى إفريقيا للسلام أن الجنوب لا يملك سوى "تشكيلاً لأعلى مستويات السلطة التنفيذية... ومع أن الهياكل التي تم إنشاؤها في جنوب السودان جيدة، لكنها تحتاج إلى النزول للشعب". ويعد تحويل تلك المؤسسات إلى جهات تقدم بفعالية ثمار السلام والاستقلال التي يتوقعها الناس مهمة عملاقة. ويتهم العديد من الأشخاص الحكومة بالفساد المستشري وهيمنة الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة على أحزاب المعارضة الصغيرة. وقد أدت صياغة دستور مؤقت في الأشهر الأخيرة إلى انسحاب الجماعات المعارضة من لجنة الإشراف على العملية، الذين زعموا أن الحركة الشعبية رفضت مراعاة مخاوفهم. "وعلى الرغم من أن الجنوب قد حقق بعض التقدم في بناء الدولة والإصلاحات، إلا أن العلامات المبكرة للحكم – كفرض التعديلات الدستورية، وتقييد وسائل الإعلام، ومركزية السلطة في مكتب الرئيس، واللجوء إلى العنف والعمليات العسكرية بدلاً من الوساطة في نزاعات مع جماعات متمردة - لم تكن مشجعة،" وفقاً لتحذيرات تقرير أصدره مؤخراً ائتلاف يتكون من 22 منظمة دولية وسودانية، يسمى "ما وراء التعهد". وأضاف التقرير أنه "ينبغي حث الجنوب على الابتعاد عن القمع السياسي وأنماط الحكم الانقسامي التي يتسم بها الشمال". وتردد أطراف عديدة أخرى مثل هذه الانتقادات، حيث قال تمين: "هناك مخاوف حقيقية بشأن حكومة الجنوب وقدراتها. فهناك مخاوف بشأن التزامها الحقيقي بالديمقراطية، إذ أن عملية وضع الدستور الجديد كانت مشوبة بالاضطرابات، وهناك تقارير مثيرة للقلق حول مستويات عالية جداً من الفساد في الجنوب". المتمردون والجيش والصراع وستغير حركة التمرد السابقة "الجيش الشعبي لتحرير السودان" اسمها عقب الاستقلال إلى القوات المسلحة في جنوب السودان. ولكن التحدي الحقيقي هو ضمان أن تبدأ أيضاً في تغيير أساليبها لأنها اتهمت بارتكاب جرائم الاغتصاب والمجازر وسوء المعاملة وعمليات القتل خارج نطاق القضاء. وكان هذا العام هو الأكثر عنفاً في جنوب السودان منذ توقيع اتفاق السلام قبل ست سنوات، إذ يقاتل الجيش الشعبي ما لا يقل عن سبع ميليشيات متمردة. وقد لقي أكثر من 2,300 شخص مصرعهم خلال أعمال عنف في مختلف أنحاء الجنوب، وفقاً للأرقام التي جمعها مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، من التقييمات المحلية والحكومية وتلك التي أجرتها الاممالمتحدة. وأفادت جيهان هنري، المسؤولة في منظمة هيومان رايتس ووتش أن "هذا العنف قد جلب معه بالطبع انتهاكات لحقوق الإنسان لأن الجيش الشعبي لتحرير السودان، خلال اشتباكاته مع الجماعات المتمردة المسلحة، شارك في الكثير من الأحيان في القتل العشوائي للمدنيين والاعتقالات وغيرها من الانتهاكات التي وثقناها". وأضافت قائلة: "نود أن نراه يتخذ خطوات لضمان المساءلة عن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن". وقد اعترفت الحكومة بالأخطاء، لكنها تقول أن الانتقال من قوة مقاومة مسلحة إلى جيش نظامي لم يكن سهلاً. وقال وزير الإعلام، برنابا ماريل بنجامين، الذي كان يتحدث إلى دبلوماسيين في خطاب حديث: "عندما يكون لديك طفل عمره خمس سنوات، قد يكسر أشياء دون قصد..لكنك لا تطرد الطفل، لأنك تعرف أنه يمكن أن ينمو ويصبح شخصاً مسؤولاً". عقبات قانونية ويؤكد الخبراء أن الدولة الجديدة لا تفتقر إلى نظام العدالة، لكنه بعيد جداً عن الكمال. وأفادت شيري ليوناردي، وهي خبيرة في شؤون السودان من جامعة دورهام في بريطانيا: "في كل أسبوع يتم النظر في آلاف القضايا، وكثيراً ما تتم تسويتها في مختلف أنحاء جنوب السودان، غالباً من قبل رؤساء وقضاة ذوي مستوى تعليم قانوني رسمي محدود، ولكن لديهم فهم لمصدر وسياق النزاعات". وأضافت أن الكثير منهم يأتون من من "ثقافة حكومية مركزية استبدادية ترتكز على الأمن،" وقد انضم إليهم الكثير من الأشخاص ذوي الخلفية العسكرية والتسلسلات الهرمية العسكرية السلطوية المماثلة. الاحتياجات الإنسانية ولدى جنوب السودان بعض أسوأ المؤشرات الصحية والتنموية في العالم، ولكن في الوقت الذي يكافح فيه بالفعل لرعاية السكان الحاليين، لا يزال العديد من الأشخاص يتوافدون إليه. فقد عاد ما لا يقل عن 39,000 شخص من الشمال منذ أكتوبر 2010، ومن المتوقع وصول المزيد. وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنه ساعد في توفير الغذاء لنحو نصف السكان في العام الماضي، أو نحو أربعة ملايين شخص. وستكون تلبية تلك الاحتياجات ضرورية ليس فقط لتحسين حياتهم، ولكن لضمان الاستقرار على نطاق أوسع للدولة الجديدة كذلك. "وإذا قًدر أن تكون لجنوب السودان فرصة لتحقيق مستقبل سلمي، ستكون هناك حاجة ملحة للتنمية الأساسية،" كما قال ألان ماكدونالد من منظمة أوكسفام. "فقد حدث تقدم منذ نهاية الحرب، لكنه ليس على المستوى المطلوب بأي حال من الأحوال، وقد أصبح الناس يشعرون بإحباط متزايد إزاء بطء وتيرة التغيير". شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)