إِستهلالاً لابدَّ من توصيفٍ دقيقٍ لما يشهده سوق النقد الأجنبي في السودان وهو تدهور سعر صرف الجنيه مقابل العملات الحرة وليس "إرتفاع سعر الدولار" كما في دارجةِ العوام. وأبدأ ايضا بالخلاصة التي سأتوصل إليها في ختام هذا المقال : فأنا أزعم بأن المشكلة سياسية في المقام الأول، ثم إقتصادية تالياً. فالأقتصاد السوداني تنهض بإدارته مجموعة من صناع ومتخذي القرار من متواضعي التأهيل ، مِمَّن يعوزهم حس المسؤولية والرشد والخيال المبدع ، وتقعد بهم قدراتهم إرادتهم و عن إجتراح سُبُلٍ أقل سوءاً في إدارة دفة الإقتصاد ) الذي هو بالأساس فن الخيارات و (الإختيارات والإستجابة لأزماته. وحديث الحكم حديثٌ الراشدِ ذو شتى شجون ، فالسودان هو الدولة الوحيدة التي تنفق سنويا 70% من ميزانيتها على الدفاع والأمن، فيما يستأثر القطاع السيادي من رئيسٍ ونوابه ومستشاريه و وزرائِهِ جيش ونواب مجالسه بحوالي 10% من الإنفاق العام !! (المصدر : وزارة المالية، ميزانيات الأعوم 2010-2016). في ظل عجز الميزانية والإنفاق المنفلت تلجأ الحكومة إلى الإقتراض، إما من النظام المصرفي بطباعة المزيد من أوراق النقد أو بإصدار سندات الخزانة Treasury Bills والتي تعجز لاحقا عن سداد قيمتها، ليبلغ معدل التمويل بالعجز للأعوام 2014-2016 نحو 20% من إجمالي الناتج المحلِّي Gross National Product (المصدر: تقارير صندوق النقد الدولي). في الحقيقة فان عجز الميزانية يبدو هيكلياً لأن إسهام الضرائب في جانب الدخل محدود لا يتجاوز نسبة ال 5 % من إجمالي الناتج المحلِّي (مقارنة ب 15% - 20% في الجارة إثيوبيا حسب تقارير صندوق النقد الدولي). هذا الإسهام المتواضع جعل المظلة الضريبية ضيِّقة متدنِّية و الفعاليَّة، وفاقمت الاعفاءات التي يستمتع بها المحاسيب العجز هذا مرِأ من .المُستديم و أهمل مُتعمداً هُنا الجبايات والأتاوات والأموال المجنبة التي لا تظهر في الميزانية. فبعد خصم بنود الأمن والدفاع ونفقات القطاع السيادي تتبقى فقط 20% لمقابلة الصرف على البند الأول (الأجور والمرتبات) والتسييرو ،الخدمات فيها بما الصحة والتعليم اللَّذان يحظيانِ بالفتات (%1 و %2.3 على التوالي في 2016 موقع:المصدر دِفنس ون) . من البديهي يكونَ لا أَن لِلإِستثمارِ محلٌ في شملة إعرابِ كنيزة ، بالميزانيَّة – حذلقةً – المُسمَاه هذي ، مما نتج عنه تسجيل معدلات نمو اقتصادي سالبة منذ 2012، أما عجز الميزان التجاري لنفس السنوات (منذ 2012) فبلغ 4% (المصدر تقارير صندوق النقد الدولي). هذا العجز تتم تغطيته بالإقتراض من الصين ودول الخليج بفوائد سنوية فاحشة (13% - 15%) نتيجة للتصنيف الإئتماني Credit Rating المتواضع للسودان. في هذا السياق فإن عزلة وتعنت النظام الحاكم عطلت جهود السودان للإستفادة من مبادرة صندوق النقد والبنك الدوليين لتخفيف عبء ديون الدول الفقرة Heavily Indebted Poor Countries لأن الإستفادة من هذه المبادرة مشروطة بحزمة تدابير سياسية / إقتصادية تَغِلُ يد النظام عن التضييق على مواطنيه بتنفيذ برامج جادَّة و ناجِعة لاالفقر لمحاربةِ يملك النظام الرغبة أو الإرادة السياسية للوفاء بها. قضية إستشراء الفساد المؤسسي Institutional Corruption من العِللِ الهيكليةِ الملحة المستفحلة و الإقتصاد في السوداني ، فما من تصنيفٍ عالميٍّ يتعلق بالفساد وضمور الشفافية إلا وتجد السودان متربعا على "عرشهِ" . لهذا الفساد آثار مُهلكة على مجمل أداء الإقتصاد تتجاوز تبديد أموال عامة طائلة إلى إرباك تخصيص الموارد Resource Allocation إلى تثبيط الإستثمار، أجنبيا كان أو محليا، إلى تعثر المصارف ( الذي بلغ 65% حسب إفادة أحد المصادر إلى صحيفة حريات بتاريخ 31/08/2016 ) إلى تفشي ثقافة الفساد والإفساد في ظل نظامٍ عدليٍّ مُتداعٍ يعزِّزُ ،له إِستقلاليَّة لافرص إفلات الفاسدين من العقاب Impunity بدلاً عن ملاحقتهم. يعزُو أولي الأمر في الخرطوم أزمات الاقتصاد إلى عواملَ خارجيةٍ من عقوباتٍ دولية مفروضة على النظام وإنفصال جنوب السودان، إلا أن القومَ لا ينظرون إلى ما حاق بهذا الإقتصاد مما جنت وتجني أيديهِمْ فالصفوةُ ، التي الشأن تُدير العام تواصل عدم إظهار أي قدر من الجدية في مكافحة الأزمات وتعزيز الإستقرار المالي والنقدي والإقتصادي، و قد فشلت تماماً في إتخاذ ما يليها من تدابير لِلجمِ الإنفلات. النجاح الوحيد كان ، الإشادة مِنَا يستحقُّ نجاحٌ وهو ، تحقق الذي في تخفيض معدلات التضخم من 38% في عام 2014 إلى 12% في العام الحالي (المصدر السابق) إنَّ إلا الأمر هنا محض مفارقة ينطبق عليها القول السائر "بيدي لا بيد عمرو" فانخفاض التضخم لم تحققه سياسات إقتصادية حصيفة عكف على تصميمها الخبراء ونفذها من بيدهم المقاليد بل كان ناتجا عن تدهور القوة الشرائية للمواطن السوداني المغلوب. كل الأعراض التي عاني من ثِقلِ وَطأتها الإقتصاد السوداني في الأعوام الفائتة ، وما يزال ، من تصاعد العجز الداخلي وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، معدلات البطالة المرتفعة، التضخم، تدهور القوة الشرائية وتدهور سعر صرف الجنيه، تآكل رؤوس الأموال والمدخرات (إن وُجِدتْ) الفساد،.. إلخ ، كل هذه الإختلالات التي تتفاقم يوما بعد يوم تحولت إلى ركود ضرب معظم القطاعات لا يجدي معه الهروب إلى الأمام، وتعليق مُسبِّباتهِ و نتائِجهِ على مشجب المقاطعة الأمريكية و العُزلةِ المجيدة. فإنَّ أُخرى، جِهةٍ مِن التعثر والفساد الذي طال مجمل القطاع المصرفي- إسوة ببقية القطاعات - أدى إلى أن تصبح البنوك السودانية على شفا الإنهيار التام و لهذا السبب أوقفت معظم البنوك الدولية تعاملها مع بنوك السودان منذ 28-02-2016 فيما تلقى بنك السودان المركزي إخطاراً رسمياً بإيقاف كافة التحويلات والمقاصات من وإلى عدد كبير من المصارف الخارجية من ضمنها السعودية التي تمثل أحد المنافذ القليلة المتبقية في تعاملاتنا المالية مع العالم. ما سبق إستعراضه يعزز من الفرضيّة التي بدأت بها هذا المقال وهي أن أزمات الإقتصاد السوداني ينبغي البحث عن مخرج لها عبر في هي تدابيرٍ صميمِ حقل السياسية: كمُكافحةِ الفساد، إصلاح النظام العدلي و"تمكين" حكم القانون، التطبيع مع المجتمع الدولي، الحكم الرشيد، إيقاف الإحتراب ، تقليص الصرف الحكومي العبثي ، السلام ..... الخ . إِن صلُحتِ السياسةُ صَلُحتْ سائِرُ شِئُونِ معاشِنا الحوكمةِ و الحكمِ أمرُ إستوى إن و ، على صِراطِ الإرادةِ توفر و المسؤُولِيَّة السياسية ، للإصلاح فتصميم السياسات الإقتصادية بواسطة الفنيين والخبراء أمر ميسور . زُبدة القول : وما تضعضع الجنيه السوداني إلا عرضٌ لِمُصائبَ شتى.... :هوامش :هوامش تقارير صندوق النقد الدولي الرابط على http://www.imf.org/external/index.htm الفُكاهة و المرح حسُ خافياً ليس (رباعي قدها و تلاتية هي : كنيزة شملة) السائر الشعبي المثل هذا في رابط One Defence http://www.defenseone.com/threats/20...r-2016/125913/ [email protected]