لم يكن مستغرباً أن يقرر شعب جنوب السودان الانفصال عن الخرطوم، إذ طوال فترة الوحدة ظل مهملاً دون أي تنمية، ولم يلق أي اهتمام يجعله موالياً أو قريباً بأي شكل من السياسات الحكومية طوال فترة تعاقب الحكام فيها. لم يهتم حاكم سوداني واحد جلس على كرسي الحكم بالخرطوم بفتح شارع بالجنوب، أو فتح مدرسة، ولم يكن لأي منهم أدنى اهتمام بتعميم اللغة العربية وتعليمها للسكان، ولا بنشر الإسلام، إذ لم يتم بناء مجرد مسجد واحد فيه، وظل مسيحياً وبلا ديانة طوال الوقت دون اكتراث من أحد، ثم بعد هذا يتساءلون عن الانفصال. لقد كان معيباً حضور احتفال إعلان دولة جنوب السودان إلى جانب رفع علم العدو الإسرائيلي، وكان الأجدر بعمر البشير أن لا يكون فيه حيث يتحمل كما غيره مسؤولية الانفصال، وإتاحة رفع العلم الصهيوني فوق أرض حكمها، وهي الآن في خدمة العدو الإسرائيلي، وتتحكم بنهر النيل ومنابع النفط. في مجمل الأحوال، فإنه لن يمر وقت طويل حتى يدرك النظام بالخرطوم حجم الكارثة من استقلال الجنوب، وعندها سيكون مجبراً على خوض معارك أقسى من تلك التي كانت أيام جون قرنق، إذ لن يكون الأمر آنذاك مسألة داخلية وإنما حرباً بين دولتين سيدفع ثمنها هذه المرة أكثر ما يكون الشعب السوداني. لا ينبغي لأحد أن يصدق أن كون عمر البشير مطلوباً للمحاكمة الدولية يمنحه صفة ولقب عدو أمريكا والغرب، كما أنه لا ينبغي أن يغض الشعب السوداني البصر عنه لهذا السبب، وبدل من ذلك إعلان إسقاطه وطلب محاكمته، وتحميله مسؤولية الانفصال والحرب الأهلية في دارفور أيضاً. الحكم بالحديد والنار وقوة العسكر لم يعد مقبولاً من أنظمة تتعرى تباعاً من أثواب الكذب والادعاء بالجهاد والمقاومة، وبات ملحاً أكثر ما يكون إزاحتها وإسقاطها، وإعادة الألق لقوة الشعوب ورفضها الذل والمهانة. إفقار الشعب السوداني سياسة حكومية مدروسة ليظل عاجزاً، وهو الآن أمام فرصة التحرك ليكون في الخرطوم ربيعاً عربياً آخر، يعيد للسودانيين كرامتهم وحريتهم وكل حقوقهم. السبيل