هنالك تاريخ حافل للجيش السودانى سجله التاريخ فى فترات متعددة، لصالح شجاعة الجندى السودانى. فلقد لعب الجيش السودانى ادواراً مهمة فى حروب كثيرة داخل القارة الافريقية و خارجها. فشارك فى الحرب العالمية الاولي مع القوات الفرنسية فى حربها مع المكسيك، كما شارك ايضاً فى الحرب العالمية الثانية، حيث قامت قوة دفاع السودان بأعمال بطولية شهد عليها التاريخ فى كسلا في يوليو 1940 بصد قوات موسلينى و الانتصار عليها، رغم قلة العدد و العتاد. كما شاركت القوات السودانية في العمليات العسكرية بشمال إفريقيا في مارس 1941 و احتلت جالو لقطع الطريق امام حركة القوات الألمانية، و ايضاً شاركت في معركة العلمين و سجلت فى التاريخ علي انها حاربت بشجاعة فائقة لفتت الأنظار اليها. و قبلها جاء محمد على للسودان لضم الجندى السودانى الي قواته، و ذلك بعدما اكتسب سمعة كبيرة في الشجاعة و البسالة فاقت حدود السودان، و كان هذا من الاسباب الرئيسية التى دعت محمد على لدخول السودان. و قد تكوين قوة دفاع السودان عام 1925، و من ثم اعلان الجيش السوداني في يناير 1954، قبل اعلان الاستقلال في اول يناير 1956، وبعدها تغير الاسم الي القوات المسلحة السودانية. كان الجيش السودانى مثالاً للجيش النظامى المدرب جيداً الذى كان يضم كل القبائل السودانية بدون فرز جهوى، و يضم خيرة الضباط المتلقين تدريبا عاليا فى الدول الخارجية مثل الاتحاد السوفيتى السابق و الولاياتالمتحدةالامريكية و غيرها من دول العالم الاول، و استمر هذا الحال حتي مجئ الانقاذ الي الحكم فى 1989 ، و التى عمدت بعد ذلك الى تصفية الجيش من كل الضباط الذين لا ينتمون للجبهة الاسلامية، و احالت للصالح العام معظم القيادات العسكرية ذات الخبرات والكفاءات التي تدربت في الداخل والخارج و اصبح الدخول الى الكلية الحربية حكراً على ابناء الاسلامويين، و لابد للطالب المتقدم أن يكون مسنوداً بتواقيع شيوخ الجبهة الاسلامية او كبار اعيانها. و تم فصل مبرمج سنوياً للضباط ذوى الرتب العالية غير المنضوين تحت قائمة (الحركة الاسلامية السودانية)، هذا بغض النظر عن كفاءتهم و خبراتهم المتراكمة الذين اكتسبوها عبر سنوات طويلة من التدريب و المعارك المحلية و الاقليمية، حتي يصفي الجيش فى النهاية فقط علي الموالين للجبهة الاسلامية، و بعد المفاصلة الشهيرة للانقاذ فى 1999 و طرد الترابى و رفاقه من الحكومة، تم تنظيف الجيش ايضاً من كل الضباط الذين يثبت جهاز المخابرات العام انهم موالين للمؤتمر الشعبى. و مع بداية حروب الانقاذ فى الجنوب، و فى تلك السنوات التى اطلق عليها الجهاد فى الجنوب، تم فصل معظم الجنود و الضباط الذين ينتمون لكل الاقاليم الجنوبية. و كذلك هو الحال عند اندلاع حرب دارفور فى 2003 ، تم فصل الجنود و الضباط و الجنود الذين ينتمون لدارفور الكبري بعد هذا التاريخ، و الحال نفسه ينطبق علي حروب الانقاذ الحالية فى مناطق جبال النوبة، حيث يتم فى كل مرة تسريح ابناء المنطقة المتحارب معها من الجيش السودانى، حتي اصبح الجيش السودانى محصوراً فى عضويته علي جهويات معينة، يمثلون المناطق التي يتبع لها معظم قادة المؤتمر الوطنى. و هكذا انتهي الجيش السودانى الى مجموعة من الافراد الموالين للمؤتمر الوطنى و الذين ينتمون لمناطق جهوية مثل الشمال و الوسط و كردفان، بعد أن كان فى السابق جيشاً قومياً يضم كل قبائل السودان و اثنياته المختلفة. و بعد أن كانت عقيدته هى الولاء لكل السودان و الدفاع عن تراب الوطن اصبحت عقيدته الجديدة، بعد انقلاب الانقاذ فى 1989، هى الولاء فقط للانقاذ، و لاحقا الولاء فقط للمؤتمر الوطنى، و الدفاع فقط عن كل مهدد داخلى لبقاء حكومة المؤتمر الوطنى فى سدة السلطة. و هكذا تحول الجيش السودانى، عبر هذه التحولات الكثيرة المذكورة اعلاه، الى مليشيا تابعة لحزب واحد متمسك بالسلطة، يحارب عنه بالوكالة معارضيه من ابناء الوطن، و يرتكب الكثير من جرائم الحرب فى حقهم. و هكذا انتفت الركائز الاساسية لوجود جيش قومى، يمثل كل شعوب السودان و اثنياته المختلفة، مبرأ من الأدلجة، و من الجهوية و القبلية. و لقد كان المبدأ الهام فى السابق وهو إعتبار الدفاع عن حرمة الوطن وامنه من المبادئ المقدسة للجيش السودانى، اما الآن فلقد اصبح ديدنه هو الدفاع عن حزب فاشستى، يسوم المواطنيين مرّ العذاب، و ينكل بهم صباحاً و مساء. أصبحت فوهة بندقية الجيش موجهة نحو المواطن، تمارس قتلاً غير مشروعاً، دفاعاً عن فئة ضالة، مجرمة، همها الأول هو البقاء فى السلطة بأى ثمن كان، بعدما كانت فى السابق موجهة نحو دحر اعداء الوطن و المحافظة علي حدوده ضد تغولات و أطماع الدول الخارجية. لقد انتهي الجيش السودانى. سعد عثمان مدنى [email protected]