رغم أن الجميع بلا استثناء يدرك تماماً أن مجرد التفكير في تقليص صلاحيات جهاز الأمن كواحدة من مخرجات الحوار الوطني، يبقى مجرد كلام ليل، سرعان ما يمحوه النهار، لكن حزب المؤتمر الشعبي ظل يردد كثيراً أن توافق تم داخل لجان الحوار بشأن صلاحيات الجهاز، بل أن الشعبي صوّر هذا الأمر باعتباره نصر مُبين خاض معاركه الحزب. وزير الإعلام، الناطق باسم الحكومة، أحمد بلال، والذي دائماً ما يكون ملكياً أكثر من الملك، قالها بكل وضوح، ففي تصريحات صحفية نقلتها (الصيحة) قال: "من يفكر بأن تكون مهام جهاز الأمن والمخابرات في دولة مثل السودان تقتصر على جمع المعلومات فقط دون مهام أخرى، فهو صاحب تفكير رومانسي وقاصر"، والصراحة لله، استحق بلال في هذه المرة وسام الشفافية. عملاً بمبدأ من الآخر، فقد اختصر الرجل مخرجات الحوار المنتظر إنفاذها، وانتقل إلى الصفحة الأخيرة مباشرة ووضع نقطة الختام. وهو لسان حكومته بالضبط، فمن كان ينتظر المخرجات فإن المخرجات ليست من بينها المساس بصلاحيات الجهاز. من يُفكر في أن يكون ناتج الحوار اقتصار سلطات الجهاز على جمع المعلومات، فهو ليس رومانسي كما وصفه الوزير بلال، لأن الذين يركزون مخرجاتهم في هذا الشأن يعلمون علم اليقين أنه مستحيل بل أقرب للنكتة السخيفة، فهم يحاولون تسويق المخرجات بعزفهم على هذا الوتر الحساس..لكن في غرارة نفسهم يدركون أن مكانها صفحات الصحف. إن كان هناك من يرى أن جهاز الأمن هو كتيبة لحماية الإنقاذ، فهناك من يرى أنه الإنقاذ ذات نفسها. نزع سلطات الأمن يعني دون كثير عناء في التفكير بداية التفكيك..المنطق لا يقبل ما تروج له بعض المجموعات داخل الحوار والتي تُهلل دائماً بأنها نزعت التزام بإنفاذ كذا وكذا وكذا، المعلوم لكل مراقب أنه ليس معقولاً أن يحدث في هذا العالم الثالث أن يتنازل شخص ما عن سلطة مُطلقة ممنوحة له مقابل أن يأتي غيره ليتسلمها، بحسب رؤيته..والمعلوم أيضاً أنه لا توجد سلطة تبادر بحوار وطني ينتهي إلى بداية تفكيكها...الأمر أشبه بعملية انتحارية تبصم عليها أياً كانت العواقب. ما قاله الناطق باسم الحكومة، أن وضع النقاط على الحروف، وحديثه هذا هو البداية لفرز الأصوات، الصالح منها والتالف، ومعلوم أن صلاحيات الأمن واحدة من التوصيات التي أثارت جدلاً متطاولاً، فإن كانت هي غير قابلة للتطبيق كما هو معلوم، فعلى الذين ينتظرونها أن يكسبوا زمنهم. [email protected]