دينق ألور كوال، كما بات يعرف في العقود الثلاثة الأخيرة من عمره، لا يراود البعض شك في جنوبيته، باعتباره ابناً لقبيلة دينكا نقوك، وزعيمها التاريخي دينق مجوك ليس سوى عمه، وباعتباره رمزاً من رموز الحركة الشعبية، دخلها منذ كان يدرس اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة. وزير الخارجية الجنوبي دينق ألور صعد نجمه في الحركة حتى أصبح وزيراً لرئاسة مجلس الوزراء ثم وزيراً للخارجية في الخرطوم عقب نيفاشا، وبعد إنتهاء أجلها، أصبح وزيراً لخارجية جمهورية جنوب السودان بعد التاسع من يوليو الجاري. لكن دينق ألور، قبل ان يتلقى تدريباً عسكرياً في الجيش الشعبي، ويتخرج فيه عام 1984م ضابطاً برتبة نقيب، ليس في واقع الأمر سوى الفتى الشمالي أحمد اللار، الذي ولد بالشمال عام 1953م، في إحدى قرى أبيي، ودرس بمدرسة المجلد الأولية، حيث أطلق عليه مديرها اسم أحمد، وبدأ يحضر حصص التربية الإسلامية التي امتحنها لاحقاً في الشهادة السودانية من مدرسة ود مدني الثانوية وتفوق فيها، وكان قبلها قد درس المتوسطة بمدرسة رجل الفولة، ومنها انتقل إلى مدني الثانوية حيث التقى العديد من الزملاء، أبرزهم ذاك الزميل القديم الذي قابله أحمد اللار في أروقة مفاوضات السلام التي أتت باتفاقية نيفاشا بعد أكثر من ثلاثين عاماً، وبعد أن أصبح أحمد يسمى دينق ألور، ليجلس في ذات طاولات التفاوض مع زميل المدرسة القديم سيد الخطيب. فترة مدنى الثانوية، كانت أيضاً سبباً في العلاقة التي ربطت فيما بعد أحمد اللار بجمال الوالي، فأحمد، أو دينق ألور، توثقت علاقته في مدني الثانوية بعبد الله يوسف الأمين، أحد أقرباء جمال الوالي، ليصبح عبد الله جسراً امتدت عبره أواصر المودة والمعرفة بين دينق ألور وجمال الوالي. شمالية دينق ألور، يسندها أكثر من مبرر، فالرجل، ولد جغرافياً داخل الشمال، كما أن قبيلته دينكا نقوك تقيم في منطقة شمالية هي أبيي حسبما قضى إتفاق أديس أبابا الشهر الفائت، وكان باقان أموم الأمين العام المستقيل للحركة الشعبية قد قال عقب صدور قرار محكمة التحكيم في لاهاى الهولندية الذي أخرج قرية ألور من حدود أبيي:((انتهى النزاع...وفقدنا قرية دينق ألور) من يحسب أحمد اللار على الشمال، ليس بعض الشماليين فقط ممن يعرفون تفاصيل سيرته، لكن حتى الجنوبيين أنفسهم، يوجد بينهم من لا يرى في الجنوبي دينق ألور سوى الشمالي أحمد اللار، ومن هؤلاء جون أوكيج القيادي بالحركة الشعبية الذي قال قبل سنوات قليلة، عندما كان قائما بالأعمال السفارة السودانية في واشنطن أن دينق ألور من أبيي، وهي منطقة شمالية، ويجب بالتالي ألا يتغول على المناصب المخصصة للجنوبيين، لأن المحاصصة في نيفاشا قامت على أساس جغرافي، شمالي وجنوبي. دينق ألور، عضو الجبهة الديمقراطية في مدرسة ود مدني الثانوية، بات منذ سفره إلى مصر مطلع السبعينيات عضواً في تنظيم جنوبي يسمى (سوسا)، ودخل في تنظيم سرى داخل (سوسا) يسمى (جاواما)، تجمع فيه أبناء جوبا وواو وملكال، وتزعمه جيمس واني إيقا. آخر مبررات وصف دينق ألور بأنه شمالي، واستحضار اسمه القديم أحمد اللار للكناية عن شماليته حتى وإن كان اسمه الرسمي حالياً هو دينق ألور، يجدها البعض في الاتفاق الأخير بين الشمال والجنوب في أديس أبابا، الذي قضى بأن أبيي تبقي شمالية حتى إجراء إستفتاء بشأنها وهو أمر غير منظور قريباً حيث وقع ذلك الإتفاق من جانب الحكومة إدريس عبد القادر بينما وقع عن جانب الحركة باقان أموم أمينها العام، لكن دينق ألور رفض التوقيع على ذلك الإتفاق الذي قضى بشمالية أبيى إلى حين النظر في ترتيبات جديدة. وفي ذات اتجاه اتفاق أديس، أكد الفريق آدم دليل رئيس هيئة الجوازات والسجل المدني نهاية الأسبوع الماضي أن مواطني أبيي سودانيون، ويتبعون لدولة السودان بحسب القانون. ما يعني ضمناً أن دينكا نقوك ومنهم دينق ألور، شماليون، ويحق لهم الحصول على جنسية الشمال. هذا ما حدا بالبعض للتساؤل: لماذا عينت حكومة جمهورية الجنوب دينق ألور الشمالي، وزيراً لخارجيتها؟، وهل يعتبر هذا التعيين بمثابة تأكيد على تمسك جوبا بملكية منطقة أبيي، أم أنه ليس سوى إرضاء لألور وغيره من أولاد أبيي عقب تخلى جوبا عن منطقتهم وربما قريباً عنهم..؟ الحركة، اعترفت في اتفاق أديس بأن أبيي شمالية كما يقول السفير الدرديرى محمد أحمد مسؤول ملف أبيى في المؤتمر الوطني. وكما يقول كذلك مختار بابو نمر ناظر المسيرية، ما يعني أنها اعترفت بأن دينكا نقوك شماليون أيضاً، ويتابع أن دينق ألور شمالي بحكم انتمائه لأبيي، وله أن يختار بين البقاء في الجنوب، أو العودة لأبيي والشمال، ويضيف: نحن نرحب بالدينكا ومنهم دينق ألور في الشمال إن رغبوا في التعايش معنا بسلام، أما إن حاولت الحركة التمسك بمزاعم تبعية المنطقة لها، فإن هذا يعتبر قفزاً على اتفاق أديس. الاحتفاظ بدينق ألور في التشكيلة الوزارية الجنوبية عقب الاستقلال، وزيراً للخارجية، مؤشر على تمسك جوبا بتبعية أبيي لها كما يقول الأكاديمي والمحلل السياسي الجنوبي بول دينق، ويتابع أن موافقة جوبا على اعتبار المنطقة شمالية حتى الوصول لاتفاق سياسي نهائي بشأنها كان مجرد انحناء للعاصفة، الغرض منه تهدئة الأجواء حتى يمر الاستقلال بهدوء، على أن تتم العودة للمطالبة بالمنطقة لاحقاً، في ظروف مواتية أكثر. التمسك بأبيي، واعتبار ما حدث قبل الاستقلال مجرد تفويت من جوبا على الشمال فرصة إفساده وتعكير أجوائه، كشف عنه سلفاكير رئيس جمهورية الجنوب صراحة آخر الأسبوع الماضي، عندما قال في أحد تصريحاته أن أبيي ستعود جنوبية، وأضاف:((الثابت أنها تتبع لنا)، ما يعنى ضمناً، أن تجديد تكليف ألور بحقيبة الخارجية، يمثل في أحد جوانبه تجديداً لتمسك جوبا بتبعية منطقة أبيي لها، رغم موافقتها على اعتبارها شمالية مؤقتاً. وإن كان ألور لا يعتبر نفسه شمالياً، ويشاركه كثير من رفاقه ذات الاعتقاد، فإن دينق ألور وزير خارجية جمهورية الجنوب، بالنسبة للبعض، خاصة أولئك الذين يلمون بتفاصيل سيرته، سيبقى الشمالي أحمد اللار، وإن اعتبر آخرون، ومن بينهم ألور نفسه، أنه جنوبي، لم يمثل الشمال في حياته سوى يوم حزم أمتعته وغادره دبلوماسياً بسفارة السودان في نيروبي، ومنها إلى الغابة جنوبياً، وضابطاً برتبة نقيب في الجيش الشعبي. الرأي العام