المك عبيد محمد سليمان أبوشوتال.. من قيادات النيل الأزرق النافذة اجتماعياً وسياسياً، ومن صنّاع القرار الذين استمدوا أوضاعهم من تأثيرهم في العمل الأهلي، وهو مك عموم قبائل الهمج في منطقة الفونج، وقد تقلد عدة مناصب سياسية عندما كان في صفوف الحركة الشعبية في حقبة التسعينات حيث كان نائباً للحاكم مالك عقار هناك، وهو أول من وقع اتّفاقاً مع حكومة المؤتمر الوطني أدى لانضمامه إلى مسيرة السلام في مطلع العقد الماضي، وفي الداخل أيضاً شغل عدة مناصب منها معتمد شؤون الرئاسة بالنيل الأزرق، ووزير الإعلام والثقافة والشباب والرياضة ومن ثم جاء إلى العاصمة في الفترة الأخيرة ليكون مستشاراً لوالي الخرطوم في فترة ما بعد الانتخابات التي أدت لفوز مالك عقار كوالي للولاية.. وأيضاً كانت هنالك خلافات متمددة بين الرجل وعقار لفترات بدأت من صفوف الحركة الشعبية وانتهت فقط بعد الانتخابات الأخيرة، حيث فوجئت الأوساط السياسية بائتلاف كل القوى السياسية وإعادة إندماج القيادات السياسية والاجتماعية والأهلية بالولاية بشكل لم يسبق له مثيل.. فطويت الخلافات مثلاً بينه وعقار ووحدت الأجندة حيال المشورة الشعبية، وهي القضية التي يعتبرها سكان النيل الأزرق محورية ومن الأهمية بحيث إنها تحدد شكل العلاقة بالمركز فيما بعد. أبوشوتال يحظى أيضاً بقبول متميز على المستوى الإجتماعي في ولايته بإعتباره مك قبائل الهمج التي تشكل ثقلاً هناك من ناحية، ونشاطه اللامحدود في المجالات الاجتماعية الأخرى مثل الرياضة والعمل الطوعي من جانب آخر، الشيء الذي جعله مؤثراً ومن صناع القرار الذين يشار إليهم في الأزمات.. ومن هنا جاء هذا الحوار معه ليتخذ من المحاور المهمة قضية للنقاش، فوجهنا إليه الكثير من الأسئلة المباشرة عن مستقبل العلاقة مع الحكومة بعد انفصال الجنوب، وباعتبارهم من المناطق المهمشة التي كانت ملحقة ببروتكول في نيفاشا، وما هي محطات المشورة الشعبية وغيرها من القضايا الملحة التي تشكل مفتاح الحلول للأزمات وفي ذات الوقت تشكل القنابل الموقوتة بين المركز والهامش. أولاً: نريد أن نعرف الأسباب الحقيقية وراء التحولات التي حدثت للمك عبيد أبوشوتال بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني قبل أكثر من عشر سنوات؟ - لكي نتحدث عن الانضمام إلى المؤتمر الوطني لابد من الحديث عن أسباب الانضمام إلى الحركة الشعبية من البداية، فأنا أحد قيادات الهامش في النيل الأزرق، وقد بدأت الخلافات مع المركز وممثليه حول الحقوق والواجبات لأن منطقتنا أشبه بجبال النوبة من حيث الظلم الواقع على المواطن وما يترتب على ذلك من جهل وتخلف وكانت هنالك وفود تحركت بالفعل بين الطرفين من أجل أن يحتكم الناس إلى صوت العقل ولا يلجأوا للسلاح ولكنها باءت بالفشل لأسباب كثيرة منها النبرة الاستعلائية التي تتعامل بها بعض القيادات، فكان الانضمام للحركة الشعبية التي تدرجت فيها حتى وصلت فيها لرتبة (رائد) ونائب الحاكم في إقليم النيل الأزرق حيث كنت الرجل الثاني عسكرياً وسياسياً. عدت مرة أخرى إلى حكومة المؤتمر الوطني.. لماذا؟ - نعم عدت بعد أن نشبت خلافات شخصية بيني وبين الحاكم، فكان الاتصال بالدكتور نافع علي نافع الذي تولى المفاوضات وقتها وتم التوقيع بين الحكومة ومجموعتنا (تانا) المنشقة من الحركة أوائل العام 2000.. وذلك الاتفاق كان بشهادة النائب الأول وقتها علي عثمان محمد طه، ورغم وضوح بنود الاتفاق إلا أنه لم ينفذ حتى يومنا هذا. قلت إن الخلاف مع مالك عقار كان شخصياً.. كيف لخلافات شخصية أن تطور وتفضي إلى انشقاق خطير مثل ما حدث؟ - هذه هي الحقيقة.. كان الخلاف شخصياً وليس على منفستو الحركة الشعبية وقد حدث الانشقاق كضرورة مرحلة وانضم إلى الاتفاق من رأى ضرورة في ذلك. إذا ما هي البنود التي لم تنفذ من الاتفاقية بين الحكومة ومجموعة (تانا) المنشقة؟ - كنا قد حرصنا على عدد من البنود التي تعيد صياغة وضع أبناء الولاية وحقوق المواطن البسيط فيها على هدى أحد عشر بنداً، في طليعتها وضع النيل الأزرق على المستوى القومي واستيعاب أبناء الولاية والكفاءات فيها في الوظائف القومية وإطلاق حملة من المركز لتنمية كل المناطق المتأثرة بالحرب واستيعاب القيادات والجنود التابعين لتانا المنشقة في القوات النظامية.. المهم أن الاتفاقية كانت من (11) بنداً لم ينفذ منها بند واحد حتى الآن. وماهو موقفكم بعد كل هذا؟.. بعد أحد عشر عاماً من التوقيع مع (تانا) وبعد أن استوفت نيفاشا كل الاستحقاقات وطويت صفحتها تماماً؟ - من ناحية أيدولوجية بإمكانكم القول إنني عدت إلى فترة ما قبل التوقيع مع تانا لأننا كنا نعشم في إدراج بنود اتفاقنا في البروتكول الملحق في نيفاشا والخاص بالنيل الأزرق وجبال النوبة ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، كما أن علاقاتنا مع الحكومة أيضاً قد شهدت الكثير من التطورات ومرت بعدد من المحطات المهمة التي كانت دائماً خاضعة للبحث والتأمل عندنا قبل أن نتخذ أية قرارات ونحدد موقفنا الرسمي. ماهي التطورات التي شهدتها العلاقة بينكم وشركائكم بالتحديد؟ - لم نكن على وفاق مع قيادات المركز بل كانت هنالك معاكسات ومشاكسات ذات جذور من بعض المسؤولين في الفترة الانتقالية وما قبلها، بعضها أخذ الطابع السياسي والبعض الآخر ذهب إلى جوانب اجتماعية مهمة للغاية.. وقد عبرنا عن استغرابنا وبعضهم يتحدث عن تلك الخلافات وينسب لها عرقلة المشروعات التنموية التي كان مخططاً لها على الأرض في النيل الأزرق، وفي ذلك حديث للاستهلاك وخدمة الأجندة لأن ما حدث كان بفعل فاعل من أجل التغطية على جوانب القصور بينما لم تكن هنالك مشروعات تنموية أصلاً حتى تتم عرقلتها إلا في حدود الاجتهادات الشخصية، بمعنى أن النيل الأزرق لم تكن ضمن خطة تنموية متكاملة ومستدامة على المستوى المركزي. الصلح والتقارب بينك والوالي مالك عقار فاجأ المتابعين في الفترة الأخيرة باعتبار أن هنالك خلافات قديمة بينكما تعمقت فيما بعد عندما أصبحت أنت تمثل المؤتمر الوطني بينما هو رئيس قطاع الشمال بالحركة الشعبية.. ما هي تفاصل المصالحة ومقتضياتها؟ - هنالك قضايا خاصة بالبلد.. الأرض الحنينة التي تجمعني بعقار، وثقافات مشتركة وقضايا كثيرة جداً كانت بحاجة إلى وحدة أبناء المنطقة من أجل تنمية متوازنة تفيد المواطن البسيط الذي عانى الكثير في حالتي السلم والحرب معاً وهو نفس الحديث الذي ينطبق على جنوب كردفان وجبال النوبة ونحن نطالبهم بضرورة تجاوز الخلافات من أجل الإنسان في المنطقة. في هذه الحقبة التأريخية المهمة.. إلى أي مدى نستطيع التأكيد على أن الأمور الوطنية أصبحت تسير على القبلية؟ - بدأ فقه القبيلة يسود في الآونة الأخيرة بشكل واضح أكثر من أي وقت مضى، ويطغى بذلك على كثير جداً من الأولويات الوطنية خاصة في فترة ما بعد الاستفتاء ونتائجه وقد أدى ذلك إلى ظهور شكل جديد من النعرات والكراهيات يسمح بمرورها عبر أجهزة الإعلام القومية وشمل ذلك حتى الخطاب السياسي الخاص بالدولة والحكومة وهذا أمر مؤسف بطبيعة الحال.. ولا يمكن الحديث عن وضع آمن وسلام وطمأنينة ونحن نتحدث بتلك الطريقة. هل يمكن أن تتحول القضية الوطنية في هذا الاتجاه إلى معيار عنصري؟ - نحن واثقون من أن الأمور تسير في هذا الاتجاه، وما هو خفي اليوم سيظهر علناً في الغد وبأجندته الكاملة، وبالتأكيد سيؤدي ذلك إلى تمحور في شكل عنصري وصراع إثني لأننا نقرأ الصحف ونتابع وسائل الإعلام الحكومية ونؤكد أن الصراع القادم سيكون على محاور أخرى غير دينية لأن في صفوف من تبقى من عناصر الحركة الشعبية ما يفوق ال80% من المسلمين ومع ذلك ستكون هنالك معاناة في قضية قبول الآخر. كيف تتحدثون عن معاناة في التفاهم مع السلطة وهي التي احتفت بكم أيما احتفاء في أعقاب التوقيع معكم..؟ - هذه سياسات الحزب الحاكم ولا يمكن أن نراهن عليها بتاتاً وكذلك هي طريقة بعض الأفراد المنتمين له، فعندما كنّا في السلطة وفي مواقع وزارية كنّا نعاني الأمرين في التفاهم مع شركائنا في الولاية وعلى مستوى المركز وقد قلت لك من قبل إنهم اعتادوا على التعامل مع الناس من أعلى، ومن ناحية أخرى لم نر أن ولاية النيل الأزرق قد تقلدت منصباً قيادياً من مناصب الحزب، أمانة من الأمانات، أو قل عضوية المكتب القيادي مثلاً، ولكننا نطرح سؤالاً هنا.. هل كانت المسألة متعلقة بالكفاءة؟.. أم بدرجة التدين أم هنالك معايير أخرى غير معلنة الآن؟.. هذه هي الأسئلة التي لم نجد لها إجابة الآن.. ولكن الشيء الذي أريد تأكيده هو أننا كنا نعاني معهم وأنهم يتعمدون إشعارنا بأن المناصب التي نشغلها إنما هي منّة منهم وعطاء ومنحة وليست حقاً مشروعاً خاصة إذا تحدثنا عن شكل التعامل الفوقي لبعض القيادات المركزية. بعد كل هذه الجولات من النضال المسلح والمفاوضات والاتفاقيات ونيفاشا وما أفضت إليه.. هل خرجت جبال النوبة والنيل الأزرق من هذا المولد دون مكاسب؟ - المكسب الوحيد الذي خرجنا به وهو ملغوم حتى اليوم، وهو المشورة الشعبية، ولأجل ذلك كان الحوار قد بدأ في العاصمة الإثيوبية وفي ذات الاتّجاه ذهب الاتفاق الإطاري.. ومن المحتمل أن تسعى الجهات ذات الصلة في الفترة القادمة إلى تعديلات في قانون المشورة الشعبية لأن مؤسسة الرئاسة كانت من ضمن آليات المشورة الشعبية.. وقد حدثت تحولات كثيرة الآن مما يستوجب التعديل، فسلفا كير مثلاً قد ذهب بدولته وتحول من نائب رئيس إلى رئيس دولة جديدة، وضمن الآليات طبعاً كان مجلس الولايات الذي يحتوي على ثلاثة من قيادات الشريكين من مناطق محايدة وبعد انفصال الجنوب أصبح هنالك عضوان من الحركة. بعد انفصال الجنوب في التاسع من يوليو باتت قضايا جنوب كردفان والنيل الأزرق في الواجهة لخصوصية المنطقتين.. هل هنالك تنسيق على أي مستوى.. وما هي الأبعاد الاجتماعية التي تجعل من المنطقتين صورتين طبق الأصل من بعضهما؟ - التنسيق بين القيادات في المنطقتين لم ينقطع أصلاً وذلك إيماناً بالمصير المشترك والتقارب الذي يرقى إلى مستوى صلات الرحم بين المنطقتين، في التشابه الكبير في الطبيعة والثقافات والنسيج الاجتماعي وغيرها من الأسباب التي جعلت التقارب مسألة تلقائية.. إضافة إلى أن إرهاصات ما بدأ يظهر الآن على السطح من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمدعومة من الحكومة وحديثها بلهجة عنصرية يفرض علينا واقعاً حتمياً فيما يخص الوحدة والتقارب مع جنوب كردفان.. وطالما أن هنالك توجهات للحديث عن دولة العروبة يبقى هنالك مكان للخلافات لأن السودان وبصريح العبارة لم يكن في يوم من الأيام بلداً عربياً صرفاً، أو موطناً خالصاً للأفارقة.. وهذا ما تعلمناه ولكن يبدو أن هنالك جديداً يطرأ ومفروض علينا أن نستعد لذلك الجديد.. فنحن لسنا ضد العروبة المعروفة بأي حال لأننا جزء منها، ولكن العروبة التي نتحدث عنها الآن ونصفها بالجديدة هي التي يتحدث عنها بعض الساسة الآن في صحفهم السياسية المصدقة رسمياً من الحكومة. طالبتم مع قاعدتكم وعبر المشورة الشعبية بالحكم الذاتي.. ما هي الدوافع والضمانات لتقديم نماذج حكم أفضل؟ - إن كان البعض ينظر للحكم الذاتي على أساس أنه تجربة، فإنها ليست جديدة علينا في النيل الأزرق لأننا أحفاد الفونج ودولة سنار وإذا أردنا أن نحكم أنفسنا بأنفسنا ونشارك فيما تبقى من مساحة السودان فذلك حق مكفول بحكم الدستور ولا عيب في ذلك، فنحن نريد الاتفاق على كيفية حكم السودان على هدى الدستور الجديد.. وهنالك شيء أهم هنا وهو أن إنسان النيل الأزرق يشعر بكثير من المرارات تجاه المركز القابض على كل القضايا السياسية والتنفيذية في ظل توزيع غير عادل للمناصب، أضف إلى ذلك أننا نريد تأصيل ثقافتنا وتراثنا وإعادة ما اندثر من تأريخ سنار في منطقة الفونج .. فالآخرون يؤصلون لتأريخهم فنجد مثلاً (دارجعل) و(دارفور) ومسميات أخرى لن تحرم علينا.. فهذا السودان المتنوع يستطيع استيعابنا بهذه الثقافات المتنوعة.. فهو مربع عربي أفريقي.. أو أفريقي عربي وليس السودان العربي كما يحلو للجميع الحديث عنه في وسائل الإعلام الرسمية الآن. في زيارة نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه للدمازين تم إلغاء لقاء جماهيري كان مزمعاً بالإستاد بعد أن رفعت لافتات طالبت بالحكم الذاتي وبدأت الهتافات المسموعة للدعوة تلك.. كيف حدث ذلك؟ - لم يخطط أحد لذلك بل كانت الزيارة مصادفة لإجماع أهل الولاية على المشورة الشعبية وإصرارهم على إسماع صوتهم بعد الجولات التي انعقدت للمشورة، فجاء رد الفعل ذاك تلقائياً عبر المراكز التي أعدت من قبل للمشورة وقد تعاملنا مع المسألة على أساس أنه حق مشروع للمواطن أن يتطلع لإسماع صوته لشخصية مهمة من الشخصيات التي تحكم البلاد خاصة إذا كانت تلك الشخصية بمزايا الأستاذ علي عثمان محمد طه، الرجل الذي جاء بنيفاشا فجاء التعبير عبر آليات مختلفة منها مكبرات الصوت واللافتات مع الاحترام طبعاً للشيخ علي عثمان محمد طه فقد كان جزءًا من مراحل المشورة الشعبية هو أخذ رأي الجمهور وإيصاله بشتى الطرق.. ولكننا نكرر أن ذلك جاء بشكل جماهيري وحتى الشريكين في الحكم لا أحد منهما يعلم بما تم قبل ذلك بقدر ما كان تنسيقاً شعبياً قادته قيادات وسيطة، ولكن بعضهم قال إنها كانت مدبرة..! الحديث عن المشورة الشعبية جاء متأخراً للغاية قياساً بتأريخ التوقيع على نيفاشا وكأن جهة ما أرادت ان تفصل المشورة هذه من حيثيات نيفاشا وإلغائها بعد أن تستوفي الاتفاقية كل تفاصيلها وينفصل الجنوب؟ - تأخير انطلاقة المشورة الشعبية والضبابية التي كان يتعامل بها المركز في هذا الملف دفع قيادات الإدارة الأهلية إلى الدعوة إلى مؤتمر جامع يتم فيه تحديد أزمنة المشورة وفعالياتها، وبالفعل حضرت كل قيادات الإدارة الأهلية وعلى رأسها الناظر يوسف المك حسن عدلان وبقية المكوك والعمد والمشائخ والقيادات السياسية والأحزاب المختلفة بالنيل الأزرق ومنظمات المجتمع المدني وخرج المؤتمر بوثيقة واضحة جداً وناصعة تحمل توصيات عدة تخص المشورة الشعبية. أحداث جنوب كردفان وجبال النوبة.. ما رأيك فيها وإلى أي مدى يمكن أن تلقي بظلالها على الأوضاع في جنوب الفونج؟ - أحداث جبال النوبة مؤسفة حقاً ولا نعرف من الذي بدأ بالعدائيات، فهنالك ضحايا مدنيون ونزوح وقد فقدت الكثير من الأسر أطرافاً مهمة فيها وكل الأطراف تشترك في أنها لم تتوخ الحكمة، لذلك لم تضبط حساباتها على ما ستخلفه تلك الأحداث ولكن المهم هنا أن ما يحدث في جنوب كردفان وجبال النوبة سيكون ذو تأثير مباشر على جنوب الفونج لأن المنطقتين ارتبطتا ببروتكول في نيفاشا لأسباب كثيرة تجعلهما يتأثران ببعضهما البعض في كل شيء، وقد طالعنا كثيراً جداً من التصريحات الصحافية المتناقضة في هذا الشأن من قيادات متنفذة ومن أصحاب الرأي في الحزب الحاكم أولها من قال إنهم لا يريدون أي سلاح في أيدي غير المنتسبين للقوات المسلحة وأنها ستحسم هذا الأمر بعد استيفاء نيفاشا مباشرة دون حوار أو تفاوض.. بدون مراعاة طبعاً إلى أن الأمر متعلق بجيشين يتسلحان بكامل العدة والعتاد وتقاتلا فترة ليست بالقصيرة وهو ما يعني أن النية مبيتة للحرب والإضرار بالمدنيين.. فالطرف الآخر لديه قضية يجب بحثها والتحاور حولها وقد قنن وضعه وتطوره لفترة ببروتكول ملحق بنيفاشا ماتزال بقاياه قائمة برغم انفصال الجنوب وكان الأجدى العودة لنيفاشا والترتيبات الأمنية فيها وترتيبات المشورة الشعبية التي توفر الحقوق لكل الأطراف من أجل أن يعيش السودان المتبقي بسلام وعدالة يحسها الجميع. اندلعت المواجهات في جنوب كردفان فأثارت الرعب وشردت الأسر.. ثم أعلن عن اتفاق إطاري في أديس ومالبثت الحكومة أن رفضته من الخرطوم... ماذا يحدث بالضبط. - كلها تناقضات جارية الآن وتحولات إلى الاتجاه الأسوأ كدليل على التخبط في أعلى معانيه من حالة إعلان الحرب إلى الاتفاق ومن بعد إعلان الرفض لمحادثات أديس وانهيارها بعد ذلك بتصريحات لم تتوخى الضوابط الدبلوماسية التي كانت تفرض وقف العدائيات على الأقل في حالات التفاوض.. وهذا دليل على أن شهر العسل بين الطرفين قد انتهى تماماً ودعوة لكل الأطراف للعودة إلى حالة ما قبل اتفاقية نيفاشا. بعض أجزاء هذا الحوار حملت إيحاءات وكلمات غاضبة من الأوضاع هنا في الخرطوم.. هل نفهم من ذلك أنك ما عدت من قيادات المؤتمر الوطني؟ - أنا الآن انتمي لجنوب الفونج وإذا كان هنالك شر يجابه أهلي فأنا جزء منهم.. وإذا كان هنالك خير قادم إليهم فأنا كذلك جزء لا يتجزأ من الوضع هناك لننعم به جميعاً كمواطنين.. الآن انتمي لأرض الفونج أكثر من أي حزب آخر لأن الأمور الآن بدت أوضح من أي وقت مضى، وقد فضحت بعض الأقوال ما في النفوس وظهرت الخطوات هنا وهناك لتعبر عما ظل كامناً في نفوس بعض القيادات المركزية تجاهنا وحان الوقت لكي يعبر أي شخص عن نفسه بحرية تامة وإذا كان هنالك سلام فلننعم به جميعاً.. أو حرب نكتوي بها جميعاً. هذا الحديث يعبر عن حالة من انعدام الثقة بينكم والقيادات السياسية إذن؟ - حالة انعدام الثقة في القيادات السياسية وإنسان جنوب الفونج ليست بالجديدة.. فقديماً أغلقنا في منطقتنا كالبهائم فعم الجهل والتخلف كل الأصقاع التي ما تزال تعاني برغم كل ما يقال، وقد عاملتنا كل الحكومات وكأننا لم نكن سكان أصليين وشركاء في هذا السودان.. يمنحوننا الهبات والعطايا كالمؤلفة قلوبهم وبمزاج الأفراد رغم أننا أحفاد أول دولة إسلامية أقيمت على أرض السودان.. الدولة التي كانت تحكم الناس بالعدالة السماوية والتسامح والتعايش بين الجميع وشكلت أول تآلف على أساس التنوع العرقي والقبلي.. فكان لابد أن يعلو صوتنا لكي تصل القضية محلها، وأن نقول وداعاً للتهميش.. وقد آن الأوان لكي نعيش هذا الإحساس ولا نتصنعه على قناعة بأن مشكلاتنا لاتحل إلا عبر الحوار البناء والشفاف والصدق في التعامل والاستعداد لقبول الآخر نفسياً. هل عصفت هذه الأحداث والتغييرات تماماً ببروتكول المنطقتين المهمشتين.. وما هو السيناريو المتوقع بعد خلو الشمال من الحركة الشعبية بعد استيفاء نيفاشا وانفصال الجنوب؟ - إذا كانت الحكومة حريصة على الحلول السلمية بعيداً عن الحساسيات المعروفة بينها والحركة الشعبية قطاع الشمال فإن المصلحة العليا تتوجب ترحيل البروتكول إلى فترة ما بعد التاسع من يوليو، بمعنى أن يتم تمديد الفترة الانتقالية بعد انسحاب الجنوب إلى ما بعد حدود 1956، ويمكن بعد ذلك أن نمهد للحوار ونبحث عن المخارج السليمة من الأزمات التي تتربص بالوطن وبدون ذلك سيكون وجود الحركة في الشمال بدون قانون وتحدث المخالفات والملاحقات والإشتباكات وغيرها من المتلازمات السياسية الأخرى.. والأهم من هذا وذاك أن إنساناً بسيطاً يعيش في تلك المناطق يشعر بأن لديه حقوق يجب أن ينالها تحت غطاء الدستور وهي ليست حقوق حزبية وإنما هي حقوق مواطنين يطمعون في حق الحياة. هنالك أصوات مرتفعة أصبحت تنادي بالحرب وإعلان الجهاد مرة أخرى وسط كل هذه الأحداث ومعاناة الناس هناك؟ - صدقني كل الأصوات التي تنادي بالعودة إلى الحرب وإحكام صوت البندقية هي التي لا تعرف الحرب ولم تتعرف عليها عن قرب ولم تكتو بنيرانها لأنهم ليسوا من تلك المناطق التي تقرع فيها أجراس وطبول ونواقيس الحروب، بل هم في الغالب الجالسون في الغرف المكيفة، لذلك يستبسطون الأمور ويستسهلونها بشكل يجعل الحديث من أجل الحديث فقط وبالمزاج.. وهنالك فرق بين التعايش مع الحرب لفترة طويلة تعايشاً لصيقاً والذهاب لأطراف مناطق الشدة والنزاعات المسلحة والجلوس في العاصمة وإطلاق التصريحات ليموت أبناء الكادحين هناك.. وهنالك عدة أسئلة نطرحها على الذين ينادون بالحرب منها: من سيحاربون أولاً.. عبد العزيز الحلو أم مالك عقار؟.. أم هي حرب قبلية تستهدف النوبة والفونج؟.. الإجابات واضحة الآن فهي حرب قبلية وليست ضد أشخاص وقادة مثل الحلو وعقار.. وستكون اللغة في المرحلة القادمة مختلفة تماماً بحسب ما تكتبه بعض الأبواق في وسائل إعلام مرخص بها وتعبر بوضوح عن رؤية حكومية غير معلنة.. لذلك كنّا ومازلنا ننادي بإسكات هذه الأبواق لأنها تدعو للفتنة.. فهم يعلنون الجهاد الآن ولكن ضد من؟.. لم يجبنا أحد ولكن هل يمكن أن نسمي القتال ضد المسلمين والمواطنين الأبرياء جهاداً. التيار