تجاوزت الأحداث مسألة انخراط حزب المؤتمر الشعبي في حكومة (الوفاق الوطني) من عدمه، في اللحظة التي جرى فيها إيداع التعديلات الدستورية التي اشترطها الحزب وتتصل بملفات الحريات وصلاحيات جهاز الأمن. ولذا من البدهي جداً أن ينتقل النقاش نواحي الحصص الممنوحة لحزب الراحل الترابي في الحكومة المقبلة، وأبرز مرشحيه لذلك السباق. وما يزيد من حرب التكهنات، أن دستور الحزب يمنع أمينه العام، وأمناء الولايات من تقلُّد مناصب تنفيذية وتشريعية، وبالتالي يتساءل الناس: من يبارح (المنشية) ويسير في شارع (القصر)؟ ويرفض قادة الشعبي رسمهم كمتهافتين للسلطة، ويقولون إنهم قبلوها بعد اشتراطات تصب في صالح العملية السياسية بالبلاد. محاصصة في الطريق طبقاً لمصادر تحدثت ل (الصيحة) يوم (السبت) فإن حزب المؤتمر الوطني وافق على التخلي عن منصب نائب رئيس البرلمان لمصلحة حزب المؤتمر الشعبي. وأشار ذات المصدر لمطالبة المؤتمر الشعبي بمنصب رئيس الوزراء في الحكومة القادمة. وكان القيادي بالشعبي، عمار السجاد، طالب في وقت سابق بمنح منصب رئيس الوزراء للأمين العام للحزب إبراهيم السنوسي. وقررت اجتماعات الأمانة العامة بحزب المؤتمر الشعبي، المشاركة في حكومة (الوفاق الوطني) المقرر تشكيلها شهر مارس المقبل، متى وافق الحزب الحاكم على إدخال التعديلات الدستورية التي أقرتها لجان الحوار الوطني، فيما يخص ملفي الحريات وصلاحيات جهاز الأمن، وهو الأمر الذي حدث بالفعل الأسبوع الماضي، ما يمهد لانخراط الشعبيين في السلطة. تسريبات وتشير التسريبات إلى أن حزب المؤتمر الوطني قرّر التخلي كذلك عن منصب نائب رئيس الجمهورية لصالح الشعبي، وقررت التسريبات أن الأقرب لذلك هو القيادي بالشعبي، يوسف لبس، بحسبان أن المنصب مخصص لأهل دارفور، حيث سبق أن جلس على المقعد د. الحاج آدم يوسف القادم من نيالا، بمثلما يجلس عليه الآن حسبو عبد الرحمن المنحدر من الضعين. وما يرجِّح هذه التوقعات، أن وصول لبس يحقق للمؤتمر الوطني مكسبين، أولهما الاحتفاظ بالمنصب لإقليم دارفور، والثاني تقييم عودة الشعبي إلى السلطة التي فارقها في العام 1999م بشكل مرضٍ. وفي منحى ذي صلة، كشفت مصادر (الصيحة) أن الشعبي طالب بمنحه (15) مقعداً برلمانياً في الهيئة التشريعية القومية القادمة ومن المعروف أن المقاعد البرلمانية المتاحة للأحزاب المشاركة بعد إضافتها تقدر ب68 مقعداً . فصل بين الأجهزة يمنع النظام الأساسي لحزب المؤتمر الشعبي تقلّد الأمين العام وأمناء الولايات أي مناصب تنفيذية أو تشريعية أخرى، بمعنى عدم الجمع بين الأختين (العمل التنفيذي والعمل الحزبي). وهو أمر يجعل الأمين العام للمؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي بين خيارين: الاستمرار في التكليف التنظيمي للأمانة العامة، أو الاستقالة من الأمانة العامة متى أراد منصباً في الحكومة المقبلة سواء في حقائب التشريع أو التنفيذ، وهو وضع –كما قلنا- ينطبق على أمناء الولايات. تنازلات أُشيع على نطاق واسع أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، قد طالب الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية بترك جزء من مقاعدها في السلطة لصالح القادمين الجدد، أسوة بموقفه القاضي بتنازله عن عدة مناصب للآخرين القادمين من الحوار الوطني. غير أن الأمين العام المكلف للحزب الاتحادي الديمقراطي، د. أحمد بلال عثمان، نفى بصورة قاطعة مطالبة الحزب الحاكم إياهم بالتخلي عن جزء من مقاعدهم الوزارية، مشدداً بالقول إنه ليس بالضرورة مشاركة الكل في الحكومة المقبلة، كما وليس بالضرورة أن يشارك الجميع في السلطة، ومما قاله بلال في حوار مع (الصيحة) إن الحكومة تعمل على وضع معايير محددة لاختيار القادمين والمغادرين في حكومة الوفاق الوطني. وفي ذات الصدد نفى أمين التنظيم بالحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) محمد الحسن الميرغني مطالبتهم بالتنازل عن أية مقاعد وزارية، مبيناً أنهم ما يزالون يطمعون في تمثيل أفضل في حكومة الوفاق الوطني . معركة الحريات وأعرب الأمين السياسي بحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر عبد السلام، عن حنقه من التسريبات القائلة بإعطاء الحزب جزءاً كبيراً من كعكة السلطة. وقال عمر ل (الصيحة) إن قضيتهم الجوهرية هي الحريات، وإنهم فارقوا السلطة في العام 1999م من أجل معركة الحريات، مردفاً: "نحن نسعى لتأطير الحريات وإنزالها على أرض الواقع، ولا نتهافت من أجل السلطة والمناصب". اتفاق ثنائي وشهد حزب المؤتمر الشعبي جدالات عنيفة بين تيار الرافضة لأمر المشاركة باعتبارها رغبة الأمين العام الراحل د. حسن الترابي، وبين المؤيدين للمشاركة باعتبارها ضمان لإنفاذ مخرجات الحوار. وعقب اجتماعات ومشاروات ماراثونية ارتضى الحزب المشاركة شريطة إيداع التعديلات الدستورية المتعلقة بالحريات طاولة البرلمان، وهو ما حدث بإقدام رئاسة الجمهورية على إيداع التعديلات منضدة البرلمان، وبالتالي انتفت العقبة التي تحول دون مشاركة الشعبيين. وتتحدث مجالس المدينة عن صفقة ثنائية بين المؤتمرين (الوطني - الشعبي) لتوزيع المقاعد الوزارية والتشريعية بمختلف مسمياتها. بيد أن كمال عمر عاد ونفى ما يُشاع عن وجود صفقة بينهم الوطني وقال: (لم نجلس مع المؤتمر الوطني من أجل التفاكر في الحكومة المقبلة، ولم يتم إخطارنا بأي تنازلات لصالحنا أو مقاعد ستكون من نصيبنا). يتابع عمر حديثه بالقول إنهم غير مهتمين بأمر المقاعد بقدر اهتمامهم بتنزيل الحريات على أرض الواقع خاتماً حديثه بأن الشعبي لم يجتمع بعد لتحديد من يدفع بهم للمشاركة في الحكومة المقبلة. معتبراً كل ما يدور عن حصص وأنصبة وأسماء بأنه محض تكهنات. في المقابل قال القيادي بالحزب بشير آدم رحمة في تصريحات صحافية إن الحزب يمتلك كفاءات قوية في المركز والولايات سيتم الدفع بها في المواقع التنفيذية، وأشار رحمة إلى أنه ضد سياسة المحاصصة الحزبية في تولي المناصب، مطالباً بأن يكون المعيار لتولي المناصب هو الكفاءة . صراع متوقّع خلافاً للحديث عن منح الشعبي حصة مقدّرة في الحكومة المقبلة، نتيجة ثقله السياسي والجماهيري. ويتوقع مراقبون نشوب صراع بين القوى المحاورة فيما بينها من جهة، والقوى المحاورة والحزب الحاكم من جهة أخرى، فيما يخص حصصهم من السلطة، وإن كان ذلك يتعارض مع الحصة الممنوحة للأحزاب المحاورة وجرى تحديدها بنسبة 15%. وفي ظل هذا التدافع تبرز مخاوف من أن تكون الحكومة المقبلة مترهِّلة، حتى مع تطمينات د. أحمد بلال بأن الحكومة المقبلة ستكون رشيقة ولن يتجاوز الإنفاق عليها مبلغ 15 مليون جنيه. من جانبه يقول كمال عمر إن حزبهم يسعى لتقليل الصرف البذخي على الحكومة المقبلة، والحرص على أن تكون حكومة الوفاق رشيقة الشكل والمضون . الصيحة