قصة غير معروفة عن أسرة أميركية بعد فترة قليلة من انتخاب باراك حسين اوباما رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، استقلّ الصحافي التلفزيوني بيتر فيرستبروك الطائرة متوجها إلى كينيا بحثا عن إعداد تحقيق وثائقي عن الأصول الإفريقية للرئيس الأميركي المنتخب. بدأ اتصالاته مع بعض أقرباء اوباما، ثم وضع مشروع إعداد عمل وثائقي جانبا وقرر تحرير الكتاب الذي نحن بصدد عرض مضمونه اليوم. وهو تحت عنوان: "أسرة اوباما" عن "قصة غير معروفة لأسرة أميركية"، ولعل المرجع الوحيد حول هذا الموضوع ما كان قد أسرّ به الرئيس نفسه في كتابه الذي يبعث منه مئات آلاف النسخ في جميع أنحاء العالم والذي حمل عنوان "حلم أبي"، المكرّس لوالده حسين اوباما. ومع ظهور هذا الكتاب لبيتر فيرستبروك غدا مرجعاً لا مثيل له لمن يريدون التعرّف إلى جذور أسرة أوباما منذ 23 جيلا. وتحديدا إلى عام 1250. ويروي المؤلف أن أجداد أوباما القدماء كانوا من المحاربين الذين هاجروا من مناطق في السودان الحالي باتجاه كينيا، وأقاموا في قرى على الضفة الشرقية لبحيرة فكتوريا. وينقل فيرستبروك عن رحالة مكتشفين مثل "هنري ستانلي" القول إنهم عملوا فيما بعد بالتجارة، كما يشير أن جدّ اوباما قد تزوج من عدة نساء، كانت الأخيرة والأكثر شبابا بينهن هي "سارة" التي لا تزال تعيش في ملكية الأسرة حتى اليوم. ويضم المؤلف جميع الأحداث الخاصة بأسرة اوباما في السياق العام للمسار الذي عرفته القارة الإفريقية. ذلك بالاعتماد على مجموعة من المصادر التاريخية المكتوبة والحكايات الشفهية والمقابلات التي أجراها هو نفسه مع "كبار" الأسرة أو مع المقرّبين منها. هكذا عرف أجداده الاستعمار ثم الاستقلال. هكذا قابل عدداً من الأحياء من أسرة اوباما مثل عمّاته وأبناء عمه. ويروي فيرستبروك بإسهاب قصة هجرة حسين اوباما إلى الولاياتالمتحدة الأميركية ثم عودته منها، حيث توفي بحادثة سير عام 1982. لكن ابن ذلك المهاجر الإفريقي تغلّب على مصاعب الحياة وضنكها في بدايات شبابه، وتجاوز جميع الحواجز العنصرية كي يصبح الرئيس الرابع والأربعين، والرئيس الأول من أصل إفريقي "أسود" للقوة العالمية في عالم اليوم. وإذا كان المؤلف يؤكد على التاريخ "الاستثنائي والمتعرّج" لتاريخ القارة السوداء فإنه يعيد السبب الأساسي لوصول باراك اوباما لرئاسية الولاياتالمتحدة لواقع أن "الحلم الأميركي" يسمح بإمكانية وصول من يسعى ويعمل يجد إلى ما يصبو إليه. هكذا وفي "مسافة جيلين فقط" أصبح باراك "الشاب ابن المهاجر" رئيسا. وينقل عنه ما كتبه هو نفسه عن "التجربة القاسية" التي يعيشها طفل أسود في أجواء اجتماعية عنصرية "بيضاء". ثم إن الكثير من أبناء جيله "ضلّوا طريقهم" في منعطفات تلك التجربة. لكن رغم ذلك المصير الذي عرفه ملايين الأطفال من سليلي الهجرة الإفريقية في أميركا، عرف، واستطاع، هو نفسه أن يسلك الطريق الذي أدى به إلى البيت الأبيض. ويروي المؤلف على مدى العديد من الصفحات واقع أن باراك اوباما يعيش حياته "الأميركية"، بينما أن الأكثر قربا إليه من عائلته ممن يعيشون في القارة الإفريقية لا يزالون فقراء جدا، مثل "هاوا اوما أوباما"، الأخت الصغرى لوالده، التي تعرف وضعا هو أقرب إلى الفقر في قرية صغيرة تدعى "اويجيس". ويقول "إنها أرملة وهي بحاجة لمن يقوم برعايتها"، كما نقرأ. هذا مع إشارة المؤلف إلى أنها تكسب بعض النقود القليلة بواسطة بيع الفحم تحت الشمس الاستوائية الحارقة على قارعة أحد الطرق. ويصل ما تكسبه في "أفضل الأيام بيعا" إلى نحو دولارين. ونموذج العمّة "هاوا" ليس فريدا، بل هو الأكثر شيوعا بالنسبة لجميع أفراد عائلة اوباما. وهذا النموذج هو السائد واقعيا لأغلبية الشعب في كينيا ببدايات القرن الحادي والعشرين. ذلك أن متوسط دخل الفرد هو دولاران في اليوم، إلى جانب عدم توفر الكهرباء والماء الصالح للشرب بالنسبة للأغلبية أيضا في المنطقة المحيطة ل"كوندو باي" التي تقطنها عائلة اوباما. هؤلاء مثل غيرهم، عليهم أن يسيروا مسافة ميل لجلب الماء. وما يذكّر به المؤلف هو أن جدّ الرئيس اوباما المولود عام 1895 عاش وترعرع في مجتمع لم يكن يمتلك لغة مكتوبة. ولم ير في حياته إنسانا أبيض قبل أن يبلغ سن الحادية عشرة من العمر. كان اسمه اونيانغو، لكن جرى "الانتقال من اونيانغو إلى الرئيس اوباما على مدى جيلين فقط". إن هذا الكتاب يؤرّخ لعائلة اوباما من الأجداد القدامى حتى "الابن" رئيس القوة الأولى في عالم اليوم، لكنه أيضا كتاب عن التاريخ الإفريقي عامة، وتاريخ شرق إفريقيا بشكل خاص. ولعلّ "السر الأكبر" الذي "يكشف" عنه المؤلف، نقلا عن أفراد من عائلة اوباما، هو أن والد الرئيس "حسين اوباما" لم يُقتل بحادث سير عادي عام 1982، ولكن كان ذلك نتيجة "عمل إجرامي" قامت به "قبيلة سياسية منافسة". وهذا ما لم يتحدث عنه الرئيس اوباما في كتابه "حلم أبي".