دويل ماكمانوس- "لوس أنجليس تايمز" لأكثر من عقد من الزمان، كانت السودان المثال التقليدي للدولة المنبوذة. فقواتها المسلحة ارتكبت حملة من المجازر الجماعية في دارفور، وقتلت أكثر من 300 ألف شخص، ووجه لرئيسها، عمر حسن أحمد بشير، تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وكان نظام الخرطوم قد شن حربا طويلة وغير ناجحة لمنع جنوبه غير العربي من الانشقاق، والآن ورغم أن الدولة الجديدةلجنوب السودان مستقلة، لا يزال النظام يهاجم منفصلين مشتبه بهم في المناطق التي تقع تحت سيطرته. حتى أن السودان على قائمة الولاياتالمتحدة الرسمية بعتباره دولة راعية للإرهابجزئيا لأنها أخفت أسامة بن لادن خلال التسعينيات. لهذا السبب قد يبدو أن هناك بعض التنافر لدى سماع كبير مفاوضي الولاياتالمتحدة مع السودان يعبر عن درجة من التعاطف لنظام الخرطوم. المبعوث برنسيتون ليمان قال أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ متحدثا عن جماعات الثوار في دارفور أن "لدى الحكومة شكوى مشروعة، لا يمكن أن تتوقع من الحكومة أن تأتي إلى طاولة المفاوضات للتحاور حول (طلبات الثوار) للإطاحة بالنظام". رئيس اللجنة، السيناتور جون كيري (عن ولاية ماساشوستس) يوافق على ذلك قائلا "لا يمكن للولايات المتحدة أن تحمل الخرطوم وحدها المسؤولية، إذا كان اللاعبون في دارفور لا يريدون أن يكونوا جزءا من العملية". لم يكن كل من كيري وليمان يدافعان عن حكومة الخرطوم. فكلاهما يصر على أن العقوبات الأميركية على السودان يجب أن تبقى قائمة إلى أن يقوم البشير بالمزيد لإحلال السلام، بدءا بحل نزاعات حكومته المتبقية مع جنوب السودان. هنا تكمن مشكلة الولاياتالمتحدة. لا أحد يحب التعامل مع البشير أو نظامه، فهم يفضلون رؤيته نظامه يرحل. لكن من ناحية عملية، ليس لديهم الكثير من الخيارات، لعدة أسباب. العقوبات الاقتصادية ضغطت على النظام لكنها لم تقترب من الإطاحة به. ليس هناك قوة غربية راغبة في أن تضع في اعتبارها التدخل العسكري. لذا، ولجلب السلام إلى جنوب السودان ودارفور، كان على إدارة أوباما أن تعرض على الخرطوم حوافز إيجابية ووعودا بأن العقوبات يمكن أن ترفع إذا تحسن سلوك السودان. علاوة على ذلك، البشير ليس التهديد الوحيد للسلام. أحد الأمور التي تقلق إدارة أوباما هو أن أقوى جماعة ثوار في دارفور، حركة العدالة والمساواة، التي يدعمها معمر القذافي، تأمل في تشكيل تحالف مع الإنفصاليين الجنوبيين وشن حرب أوسع. لهذا السبب كان ليمان وكيري راغبين في الوقوف بجانب الخرطوم في قضية مفاوضات دارفور. البشير، الذي سيطر على الحكم في عام 1989، ليس ليبراليا، فهو مخادع بسعى للاستمرار. يقول إنه يريد تطبيع علاقته مع الولاياتالمتحدة والعالم الخارجي، وتحت ضغط العقوبات الدولية اتخذ خطوات متعثرة نحو الاعتدال. لكن كل خطوة جاءت ببطء وبشكل مؤلم، وكالعادة جاءت مع أعمال تخفف من تأثيرها. لم يرغب البشير في إعطاء جنوب السودان استقلاله، لكن عندما أصبح أمر إنفصاله حتميا، قبل بالنتيجة وحتى أنه احتفال الاستقلال. في الوقت ذاته، قام بتصعيد النزاعات على طول حدود الدولة الجديدة، وحرك الجنود إلى المنطقة المتنازع عليها في أبيي وصعّد الهجمات على الإنفصاليين، والمدنيين، في جبال النوبة. لقد ترأس الحملة العسكرية السودانية في دارفور وشارك في مفاوضات السلام مع جماعات الثوار هناك. لكنه أيضا استخدم استراتيجية فرق تسد لمنع الثوار من التوحد. وكان نظامه قد وقع اتفاقية سلام مع فرقة ثوار صغيرة، لكنه زاد بالوقت ذاته من الضغط العسكري على أكبر الجماعات مثل حركة العدالة والمساواة. البشير، في خضم انزعاجه الواضح من ثورات الربيع العربي مصر وليبيا المتجاورتين، ودفاعا عن خسارته لجنوب السودان، أعلن أن السودان يجب أن يصبح الآن "جمهورية ثانية"، مع دستور جديد بشكل كامل، "وضمان لحقوق المدنيين" "والتزام بحكم القانون". لكنه لم يرخ قبضة قواته الأمنية أو يتخذ أي خطوة حقيقية نحو التحرر. على أي حال، فقد كسر علاقة السودان بالقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية. يقول مسؤولون أميركيون إن السودان أصبحت شريكا فعالا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، وقد قدمت المساعدة ليس داخل حدودها وحسب بل في أماكن أخرى في العالم العربي. هذه التحركات ساعدت البشير في الحصول على وعد بأن تعيد إدارة أوباما النظر في موقع السودان على قائمة الإرهاب، واحتمال إزالتها طالما تنفذ الخرطوم شروط اتفاقيتها للسلام مع جنوب السودان. يدعي البشير أنه حفظ جانبه من الاتفاق بالسماح لجنوب السودان بتحقيق الاستقلال. تقول الإدارة أنها تنتظر من دولتي السودان أن تسويا نزاعاتهما غير المحلولة. على أي حال، وعند نقطة ما، سيكون على الإدارة أن تقرر ما إذا كان بشير قد قام بما يكفي من الإصلاح ليستحق راحة جزئية من عقوبات الولاياتالمتحدة. هناك بديل. بدلا من متابعة مفاوضات جزئية متواصلة مع نظام بغيض حول نزاعاتها الإقليمية العديدة، يمكن للإدارة أن تركز بدلا من ذلك على تغيير النظام نفسه. جون برينديرغاست، مسؤول سابق في إدارة كلنتون ويعمل على القضية في "الأميركان سنتر بروغرس"، يحث قائلا "لقد حان الوقت للتحرك في اتجاه أكثر راديكالية، المشكلة هي النظام في الخرطوم. لقد قمنا بتحركات في مصر، وليبيا والآن سوريا، الهدف التالي يجب أن يكون السودان". لكن تغيير النظام هي استراتيجية عالية الكلفة والخطورة، والولاياتالمتحدة بذلت أصلا جهدا خلال الحروب الثلاثة. إنه خيار بغيض وغير عملي. من المنطقي الاستمرار في التفاوض ورفع السودان عن قائمة الإرهاب طالما هي تلبي شروط الولاياتالمتحدة. وكمسألة واقعية، فهي لم تعد تنتمي لهذه القائمة. وكانت الإدارة قد وعدت بإعادة النظر بالأمر إذا نفذ بشير اتفاقية السلام مع جنوب السودان، والفشل في الوفاء بذلك يمكن أن يقنع قادة السودان بأن وعود الولاياتالمتحدة فارغة. وحتى لو أزيل السودان عن قائمة الإرهاب، سيستمر تطبيق عقوبات أخرى، ناجمة عن الحرب في دارفور. صحيح أن السودان بحاجة إلى نظام جديد أفضل. لكن كما تعلمنا في مصر، وليبيا وسوريا وإيران، فإن تغيير النظام ليس هدفا يمكن لقوى خارجية أن تفرضه. حاليا، المفاوضات مع بشير، بصعوبتها وإحباطها كما هي عليه، هي الطريق الوحيدة المتوفرة.