طبعا لانها سودانية ، ولكن في تقرير صحفي ظهر مؤخرا في الصحافة الالكترونية استقصي الكاتب الصحفي المصري محمد طارق الرشيدي اربعة اسباب قد تخسر مصر مثلث حلايب بسببها . ازمة الهوية وتجربة مصر المريرة في قضايا التحكيم ، وتجنب الحديث عن الخيار العسكري اضافة الى التسوية السياسية ومعطياتها . اورد الكاتب في تقريره الجرىء ان هناك أن قبائل ليس لديها بطاقات مصرية، تقوم بعبور الحدود بسهولة دون اعتراض؛ لأن لها روابط دم قوية مع قبائل شرق السودان، إضافة إلى المعاملات التجارية التي توثق رابطة القبائل جنوبًا وشرقًا. وقال ان ان الدولة المصرية حين ارسلت جيشها لبسط نفوذها وبالرغم من ان سيطرة الجيش على الارض تحققت منذ عام 2000إلا أن الجغرافيا كانت أهم أعداء مصر ؛ فالمنطقة البعيدة جدًّا عن القاهرة ما زالت تعاني من الإهمال والتهميش. وقال انه وبحسب تصريحات أحد أفراد القوات المسلحة ، - فضّل عدم ذكر اسمه - ، فإن الدولة تعتمد على الجيش في ضمان ولاء رؤساء القبائل الذين يساعدونه في السيطرة على الحدود، مقابل الامتيازات الأخرى التي يحصلون عليها، في إشارة إلى سهولة الدخول والخروج من الأراضي المصرية. اضاف الكاتب معلومة اخري حين قال (أن الحكومة المصرية قد استعانت بقبائل «الرشايدة»، و«العبابدة»، و«البشارية» الذين أكدوا مصريتهم أمام حكومة السودان حين أدرجت المدينة كدائرة انتخابية، فيما التزمت باقي القبائل الصمت، ويعتقد البعض في صحة القول السوداني بكون بعض القبائل المقيمة في حلايب وشلاتين لها امتداد سوداني أعمق من مصر، بحكم روابط الدم والتجارة والتاريخ.) واذ نتفق تماما مع الكاتب حول ازدواجية الولاء ونؤكد سودانية سكان المنطقة لابد ان نذكر ان مصر تصرفت باعتبارها دولة احتلال ، فوفقا للقانون الدولي على الدولة المحتلة بعد تأكيد سلطانها ان تقوم بمهمة سياسة ورعاية السكان، ورغم ان مصر فرضت جنسيتها على بعض السكان من ابناء القابئل هناك، الا انها ايضا قامت باعفاء شباب المنطقة من التجنيد الاجباري وهو امر يؤكد كونها دولة محتلة ومتشككة في ولاء هؤلا الشباب ، رغم انها بسطت كثير من الخدمات المتزامنة مع عملية المصرنة المستمرة على الارض ، وهو ما لايختلف كثيرا عن التصرفات الاسرائلية مع عرب فلسطين . اما بخصوص تجنب مصر الحديث عن الحل العسكري فقد نقل الكاتب عن محلل سوداني ان مصر ( تخشى فتح جبهة جديدة من جبهات الإرهاب في حدودها مع السودان إذا قامت بانتهاج الخطاب العسكري لاستفزاز الجانب الآخر)، باعتبار أن حدود مصر الجنوبية كانت دائما مصدرا أساسيًّا لتهريب السلاح والمخدرات والمتسللين، وفي حال ا(نتقم السودان) وقام بفتح حدوده، فإن الجانب المصري سيغرق في حربٍ طويلة ضد المهربين. اشار الكاتب ايضا الى تجربة مصر في فتح الحدود مع ليبيا حيث انسحب الجيش الليبي من الحدود للانخراط في تسوية الاوضاع داخل ليبيا وكانت النتيجة شُحنة الصواريخ المتطورة التي وصلت إلى تنظيم داعش «ولاية سيناء» عن طريق ليبيا، ولم تكتشفها السلطة المصرية إلا من خلال تحقيقات صحافية. اضاف الكاتب ايضا ان الحدود الجنوبية - مع السودان - مثلت دائما تهديدا لمصر حتى في اوقات السلم ، ولذلك لم يسبق ان تحدث مسؤول مصري عن حل عسكري مع السودان . اما بخصوص التسوية السياسية باعتبارها ايضا طريقا لخسارة حلايب اورد الكاتب شهادة الدكتور هشام جمال، خبير القانون الدولي، الذي اكد أن أهم مكاسب مصر من النزاع حتى الآن، أن القضية ثنائية لم يتدخل فيها وسيط ثالث بشكل رسمي؛ لذا فإن التصعيد العسكري نفسه يفرض تدخل دولي وعربي، لافتًا إلى أن «تجربة غزو الكويت عام 1990 ما زالت مُلهمة للحكام العرب». وأضاف أنه «في حال قيام أي طرف بالاعتداء على الطرف الآخر؛ فإن مجلس الأمن سيتدخل بفرض قوات حفظ سلام في المنطقة المتنازع عليها، كما أن جامعة الدول العربية ستدخل لحل الأزمة عن طريق الوساطات أو الضغوطات التي قد تجعل مصر توافق على التحكيم الدولي، مما يعرضها لخطر التنازل عن المثلث الاستراتيجي صاحب الأهمية الاقتصادية الكبيرة». لم ينس الكاتب بالطبع ان يورد ان القانون الدولي بحسب المادة 36 من ميثاق الأممالمتحدة يمنع اى جهة من اللجؤ للتحكيم في قضية الا بموافقة الدولة الخصم ، وهو ماتعتمد عليه مصر في تجاهل المطالبات السودانية حيث تخشى مصر – على حد قوله - ألا يتم اعتماد خرائطها وأدلة ثبوتها للأرض، فتخسر القضية وهو مايجعلها ترفض مسألة التحكيم حيث ستكون مطالبة بتقديم خرائط اكثر جدية ، اضافة الى ان مصر لديها تجارب مريرة في قضايا التحكيم كان آخرها حين خسرت امام اسرائيل في قضية وقف تصدير الغاز المصري والزمتها المحكمة بدفع تعويضات مليارية لشركة الكهرباء الاسرائلية . في المقابل يبدو السودان للمراقب وقد بدأ صوته يعلو رويدا رويدا للمرة الاولي في تاريخ صراعه مع الشقيقة الكبرى ، فالرئيس السوداني اصبح فجأة يوجه انتقاده للنظام المصري علنا، حيث وصف التلويح المصري باستعمال القوة ضد اثيوبيا في قضية سد النهضة باعتباره ( تصريحات غير مسؤولة ) ووصف الاعلام المصري الشرس بانه ( اعلام ردىء) وهدد مصر بأنه سيلجأ الى مجلس الامن في موضوع حلايب ، هذه (النبرة) الجديدة في التعامل مع مصر لايمكن ان تكون بعيدة عن حسابات النظام في استعادة شعبيته ، ولا بعيدة عن طبيعة العلاقات الجديدة مع الخليج الذى تحول الى ظهير اقتصادي للسودان في مقابل ابتعاده عن مصر . بمقياس الربح والاقتصاد تبدو التسوية السياسية طريقا لحل المشكلة قد يؤدي بمصر الى ان تخسر حلايب ، فمصر قد خرجت عمليا من السوق السوداني عندما عاقبتها الخرطوم بمنع الاستيراد منها ، انخفض حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أقل من مليار دولار وفي المقابل بلغت الاستثمارات التركية –عدوة مصر - في السودان ملياري دولار، ويتجاوز التبادل التجاري ال400 مليون دولار،والسعودية التي تدير عبر السودان استثمارات في اثيوبيا لها استثماراتها الزراعيّة في السودان، والتي وصلت إلى 50% من حجم النشاط الزراعي في البلاد . مصر المصنف جيشها كواحد من اقوى الجيوش العربية منهكة من تداعيات زلزال الربيع العربي ومن الحرب على الارهاب ومن تجربتها الاقتصادية غير الرشيدة لايختلف وضعها كثيرا عن وضع السودان ، المنهك بالحروب وغباء الساسة وحالة الاحباط الشعبي المزمن من اي تغيير .فهل يمكن فعلا ان يكون خيار الحل العسكري بين البلدين مطروحا في حلايب ؟ وكيف ستكون مآلات مثل هذه الخطوة وتأثيراتها على المنطقة والعالم ؟ هل يمكن لتسوية سياسية تعيد مصر الى السوق السوداني وتضمن بقاء السودان في بيت الطاعة القديم مقابل التخلي عن حلايب مقبولا في ظل تحالفات السودان الآن ؟ هل يمكن لمصر ان تقبل بمسألة التحكيم وتخرج من حلايب بقرار دولي يحفظ ماء وجه النظام امام الشعب المصري في مقابل حراسة الحدود الشمالية وعودة الامور الى ماكانت عليه ؟ ام ان الحرب الباردة بين النظامين ستظل دائرة لامد ابعد مما يتصور المراقبين؟ [email protected]