العاصمة السودانية الخرطوم دائما ما تعيش أمسيات رمضانية هادئة، لذلك ابتدر عدد من الصحافيين السودانيين، منذ أربعة أعوام مضت بإقامة خيمة في سياق كسر الرتابة، وابتداع برامج ثقافية وفنية تنظمها مؤسسة طيبة برس واحتضنتها حدائق نادي الضباط في الخرطوم. واختاروا في أولى فعالياتها وفي موسمها الجديد لهذا العام، رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي ضيفاً عليها وليعطر الأمسية بالكلمات فيما عطرها بالنغمات الفنان جمال النحاس بروائع من درر حقيبة الفن السوداني، استمتع خلالها الحضور بأداء رائع. طاف الصادق المهدي رئيس كيان الأنصار، الحضور النوعي والسياسي والاجتماعي الذي تداعى للمشاركة في الخيمة في مناحي حياته المختلفة، بعيدا عن السياسة، وفي دردشة لطيفة تنسم فيها الحضور دعاش المطر وزخاته. فجاءت ليلة ولا كل الليالي، وامتدت حتى ساعة متأخرة من الليل. وتحدث فيها الرجل بأريحية وشفافية عن نشأته وطفولته «وهو ابن الذوات» والتي كما يقول انها كانت عادية مثل غيره من السودانيين، كما تحدث عن دراسته في جامعة اكسفورد وعن الحب والكرة (وهلاليته القومية) وحلمه في ان يكون للسودان فريق كرة قدم قادر على المنافسة في المونديال بل والفوز به، وتحدث عن الغناء السوداني وكيف انه تأثر بمشاكل عقد الجلاد (مجموعه فنية) وقرار منع برنامج تلفزيوني من بثه في الوقت الذي اعتاد عليه السودانيون كل عام في رمضان طيلة السنوات الماضية «لأسباب غير مقنعة». جمال السودانية ورسم المهدي صورة قال انها نادرة لما تتصف به المرأة السودانية من جمال في نظره لم يجده في نساء العالم، ومع ذلك تطرق لفكرة الزواج التي راودته من انجليزية، إلا انه عدل عنها لأنه ادرك بصورة واضحة ان الزواج ليس قضية فردية واشار في هذا الصدد إلى الذين تزوجوا من أجنبيات، فضحوا بمستقبل أبنائهم بسبب الاستلاب الذي دائما ما يحصل للابناء. وذكر المهدي انه تعلم السباحة في نهر النيل وليس في أحواض السباحة، رغم ان الرجل سليل أعرق العائلات بالسودان. وقال إن عدد السنين التي قضاها في السجن اذا ما جمعت من عمر الرجل الذي ناهز (76) عاما، تفوق الثماني أعوام. لكنه قال إن من أهم الأفكار المهمة التي تكونت عنده وساعدته على تأليف كثير من كتبه «كانت إبان فترة سجنه، التي قال إنه قرأ خلالها ما يفوق 3 آلاف كتاب، كما ألف خلالها عددا مقدرا من الكتب. البداية يقول الصادق المهدي انه عاش طفولة عادية، كغيره من السودانيين، حيث ولد في مدينة ام درمان (العاصمة الوطنية) غرب العاصمة الخرطوم ونشأ وترعرع في ذات المدينة، التي انطلقت منها مدارس الأحفاد التي أسسها الشيخ بابكر بدري، أحد ركائز التعليم في السودان، ورائد تعليم المرأة في السودان. ووصف المهدي طريقة تفكير الشيخ بدري ب«ظاهرة غريبة» فقد كان السودانيون آنذاك يتوجسون خيفة من تعليم المرأة ومن التعليم عموماً تحت إشراف الأجانب، وعارضوا الرجل لاعتقادهم انه يساعد في تغيير ديانة الطلاب حتى يصبحوا مسيحيين. ويتابع كنا في أيام الصبا نرتاد الخلاوي لحفظ القرآن الكريم ودراسته مبكراً، قبل الالتحاق بالمدارس، كنا أحراراًً ولا يسألنا احد عن أفعالنا عكس الآن تحرص الأسر المتوسطة على أبنائها، وتضعهم تحت حراسة مشددة وتضبط تحركاتهم. واشار إلى ان مجتمعهم الصبياني كان نشطا ومتفاعلا، وكان الطفل منهم يمارس التجارة في ابسط أشكالها، عبر ما يسمى ب«طبلية» يساعد بها أسرته في توفير جزء من مصروفات الدراسة. كما كان للصبية والحديث للمهدي صحيفة تكتب بخط اليد وتوزع على الأسر وتكتب فيها الروايات المستقاة من مشاهدة الأفلام واستشهد بفيلم عنتر وعبلة الذي قال فيه الرسول عليه السلام (ما وددت لأعرابي أن ألقاه أكثر من عنتر) . وقال المهدي وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه ان طفولتهم كانت سعيدة (وكنا نذهب للنيل لتعلم السباحة وليس أحواض السباحة) ويقول المهدي إنه كان لصيقاً في صباه بالشيوخ والآن انقلبت الآية وأصبحت أصادق الشباب. وأكد ان الجيل الحالي يمتلك قدرات واعدة. عادات سيئة وتطرق لبعض العادات السيئة في المجتمع السوداني خاصة في شهر رمضان؛ الذي يعد لدى البعض شهرا للأكل والخمول. وقال إنه لا ينام بالنهار مطلقاً، وينام يومياً خمس ساعات ليلاً وإنه لا يغضب مطلقا. وانه يتناول في إفطاره خلال اليوم العادي قطعتي سمك في الصباح، وفاكهة وحليبا وفخذ دجاج في المساء، وأي تدخل في نظامه الغذائي يعتبره انتهاكا لحريته الشخصية. وذكر انه كان يتمنى ان يدرس الزراعة، وأنه الآن تلميذ لإحدى بناته يتعلم منها أساسيات الكمبيوتر، لأن أي شخص لا يعرف الكمبيوتر أمي لا يفهم في الحياة شيئا لأن الحاسوب ضرورة حياتية. زواج الاجانب وقال المهدي ان فكرة الزواج من انجليزية راودته في الماضي إلا أنه عدل عن الفكرة لأنه ادرك بصورة واضحة ان الزواج ليس قضية فردية، وأشار كيف ان الذين تزوجوا من اجنبيات ضحوا بمستقبل ابنائهم بسبب الاستلاب الفكري الذي دائما ما يحصل للابناء. وتحدث عن أصول التربية وقال إن أبناءه لهم كل الحرية ولا يوجههم توجهاً معيناً، لأن قيمة الإنسان فيما يتقنه. وإن التربية بالقدوة أفضل وابلغ من الضرب، وبذلك استطاع ضبط سلوك ابنائه، كما أن الحب اكبر حافز وهم الآن أتقياء بلا تفريط ووطنيين. وقال إنه يزوج بناته شخصا مستقيما ودون قروش، شريطة الا يكون من الأقارب، لأن زواج الأقارب ينجب ابناء مشوهين. وأشار المهدي الى أهمية الرياضة في المحافظة على شكل الإنسان وقال الذين يمارسون الرياضة في عمري قلائل. وتمنى المهدى أن يكون للسودان فريق كرة قدم قادر على خوض المونديال والفوز به، معتبراً نفسه مشجعاً لفريق الهلال لكنه يهنئ نده التقليدي المريخ إذا حقق الفوز، واعتبر ان الإيمان والحب أشياء مهمة للانسان. وحرص المهدي على التطرق الى اسرار تسمية أحياء مدن ام درمان (العاصمة الوطنية) للسودان منذ الاستقلال والتي سميت منذ زمن المهدية، وكلها أسماء موروثة، وقال إن حي العرضة مثلا سمي بذلك لأنه كان موقعا لاستعراض جيوش الإمام المهدي قائد الثورة المهدية في السودان. في أم الدنيا واستطرد المهدي في سرد تفاصيل حياته ووجه بوصلته صوب «أم الدنيا» التي قال إنه فتح الباب مع كيانات مصرية، وأجرى تغييراً في علاقة المجتمعين السوداني والمصري، وفي القاهرة طبع معظم مؤلفاته التي كان آخرها (معالم الفجر الجديد)، كما أشار للعلاقة التي تربطه بالفنانين المصريين الذين قابل بعضهم في مناسبات اجتماعية عديدة. وهي ذات العلاقة القوية التى تربطه مع الوسط الفني السوداني وخاصة فرقة عقد الجلاد الغنائية (مجموعه غنائية تضم عددا من الشباب والفتيات) قال انهم استطاعوا جذب الشباب للفن السوداني (وإني حزين لانفصالهم) وأشار كيف برنامج أغاني وأغاني (برنامج تلفزيوني لمغنين شباب وواعدين) ساعد على جذب الشباب للاستماع للغناء السوداني القديم (اغاني الحقيبة) وسط منافسة قوية من الفضائيات الأجنبية، واستشهد بأحاديث مسؤولين كبار اكدو له ان ابناءهم لم يتعرفوا على الغناء السوداني الا من خلال هذا البرنامج، وأبدى إعجابه بحقيبة الفن وهي مراحل الغناء الأولى في السودان والتي أسماها (حقيقة الفن).. البيان