مساء مترع بالجمال ومن الأمسيات التي لن أنساها ما حييت، وأروقة تزف عريس الحقيبة محمد حسن الجقر ومنتوجه الابداعي حقيبة أم درمان من وحي الايمان وان هذا المؤلف هو السادس للجقر بعدروائع حقيبة أم درمان والقصص الحبيبة في أغاني الحقيبة وأدب الصيد والطرد وحقيبة العيون، ويسألونك عن الخيل والإبل كيف خلقت وأول ما فتحت ستارة المسرح أعجبني الديكور الذي أعدته أروقة وقد حمل ملامح هويتنا السودانية لأنه في وسط المسرح عنقريب حبل ومفروشه عليه عتنيبه وهي برش مصبوغ بألوان مختلفة ويستخدم للنفساء أو المرأة التي تضع مولودا جديدا،?وللجرتق وفي أعلى يسار المسرح أيضاً عتنيبه وعليها طبق أو برتال وقد كان يغطي به الطعام ومازال وهنالك في الديكور المشلعيب أو المعلاق ويحفظ به الطعام قبل أن تظهر الثلاجات وهنالك القرع الذي يحفظ به اللبن دلالات الديكور كانت عظيمة وتكفي الاشارات المرتبطة بالثقافة السودانية وهي ملمح من ملامح أم درمان العتيقة الضاربة في جذور التاريخ وجاء أبناء أم درمان ليشهدوا ابداع الجقر فكراً وغناءً وتقدم الحضور الحبيب الأديب الأريب السيد الصادق المهدي وجميع آل البنا إلا الفرجوني وقائد سفينة الثقافة في بلادي السموأل خلف الله وف?حي ابراهيم عيسى سكرتير نادي المريخ في عهده الذهبي وكابتن شيخ الدين محمد عبد الله والفنان الدكتور عبد القادر سالم والفنان القلع عبد الحفيظ وعدد من الصحفيين وكانت أروقة حضوراً ممثلاً في خليفة حسن بله وعبد الباقي حسين وسكينة أحمد وايمان أحمد يستقبلون الناس في مسرح الفنون الشعبية ويقدمون المخطوطة الرائعة من الجقر للضيوف. استهل الافتتاحية الرجل الموسوعة في فن الحقيبة الأستاذ عوض بابكر حيث تحدث عن أم درمان حديث العارف بأناسها وشوارعها وبيوتها ومادحيها وموسيقيها ومبدعيها، وقد عرفت الأخ والصديق عوض بابكر منذ سنوات بعيدة، وعملت معه عددا من السنين مخرجا لبرامجه ان كانت حقيبة الفن أو صدر المحافل، وقد وجدته دقيقاً في تناوله للبرامج عبر التلفزيون وهو مرجع ان استصحب معه بادي محمد الطيب أو خلف الله حمد أو ان جاء يحمل اسطوانة ويحدد لك ان ديمتري البازار قد سجلها في اليوم الفلاني.. اضافة لأنه عازف ماهر على آلتي العود أو الكمان وهو موسيق? دارس وملحن في ليلة الأربعاء جعلنا عوض نسترق السمع له وهو يحدثنا حديث الوجدان عن شعراء الحقيبة ويتحدث عن الخلاوى والتصوف وان شعر الحقيبة جاء نتاج ثقافة شعراء الحقيبة، كما ان عوض بابكر تحدث لنا حديث المتمكن من اللغة العربية في استعاراتها وعلم العروض والجناس في اللغة واستشهد بنماذج من شعراء الحقيبة في ابداعاتهم التي ارتبطت بالمعاني الايمانية، وكما قال عنه في الليلة الأستاذ السمؤأل خلف الله انه خزينة للمعلومات وبحر من المعارف ومواهب وملكات ومقدرات وفي ليلة الأربعاء أدهشني عوض بابكر كما لم يدهشني من قبل وكان ر?ئعاً متقد الذاكرة ويتداعى في تواصل مع المستمعين والمشاهدين في ألق دفاق وراق يحمل رقي وجمال نفسه الانسانية متحدثاً عن العمامة العربية وانها سودانية أصيلة، وتناول الجلابية وانها لم تكن تسمى الجلابية انما الجبة وانها مأخوذة عن فترة المهدية وان المستعمر عندما كون قوة دفاع السودان اعتمدها لباساً للجنود. وأضاف عوض بابكر ان كتاب الجقر وما حواه من معلومات وحقائق جاءت لتوصل إلى فن الحقيبة وما فيه من قيم، وكانت هناك حوارات ومداخلات بين عوض بابكر والفنان محمد حسن الجقر وفيها اضاءات وابداعات في ذكريات الأغاني وقد صدح ?لمحتفي به الجقر بمشاركة الأمين البنا وأحمد البنا وابراهيم خوجلي وانضمت إليهم عازة عبد العزيز محمد داؤود وغنوا في جمال وغناء جماعي بحور الجنان وهل هلاله وفي اشارة ذكية من خليفة حسن بله لعوض بابكر قدم الامام الصادق المهدي ليتحدث وقد قال في بداية حديثه انني جئت مستمعاً ولكن طالما الحديث عن الحبيب محمد ومنتوجه فإني أقول ان أم درمان هي أيقونة السودان وان الكتاب به اشارات ودلالات تدل على ان أغنية الحقيبة لم تأت من فراغ لأنها من الفن الجميل وستظل خالدة في الوجدان، وان شعراءها هم من تخرجوا في الخلاوى وحفظوا القرآن? وتحدث عن سفر الحبيب الرائع محمد حسن ولاحظت انه لم يقل الجقر وانه استطاع أن يقودنا في جولة سياحية داخل أم درمان الرائعة بروعة أهلها وان الكتاب احتوى معاني في التفسير والسنة والفقه، وذكر ان الامام عبد الرحمن المهدي ارتبط بالمبدعين من أهل الحقيبة وساندهم ووقف معهم كما وقف مع بابكر بدري في تعليم البنات، مضيفاً ان كتاب الحبيب الصديق محمد حسن يوثق للحقيبة بأسلوب متفرد واحساس مرهف مرجعاً أغنيات الحقيبة للنشأة الدينية مستشهداً بست الريد لود الرضي وذكر الحبيب الصادق المهدي ان ست الريد تحمل معاني عظيمة وان غناء الح?يبة يدخل الوجدان من غير استئذان لذا كانت أم درمان ركيزة للابداع وستظل هي الريادة والرياضة والفنون، وحذر الصادق المهدي من الاستلاب الثقافي برغم عالمية الفنون ان بعدت الأجيال عن الغناء السوداني الجميل مستشهداً بسودانية في الغربة ذكرت له ان ابناءها لا علاقة لهم بالسودان ثقافة ومعرفة، مادحاً أروقة ونشاطها الثقافي في انها بتدشينها لكتاب حقيبة أم درمان وان الكتاب يدافع عن ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا، مشيراً إلى ان مدح الرسول صلى الله عليه وسلم عند كعب بن زهير يبدأ ب:- بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وان غناء الحقيبة ليس بحسي كما يصفه البعض، وانه نوع من الجمال وقد لاحظت ان السيد الصادق المهدي تكلم بلغة الحافظ لأغنيات الحقيبة والمتمكن من دلالاتها ومعانيها وقد أدهشنا بمداخلته التي حوت وجمعت تاريخ الحقيبة وتاريخ أم درمان مباركاً لمحمد حسن جهده وابداعه، كما لاحظت انه مهتم بالغزو الثقافي وينادي بأن ندافع عن ثقافتنا وأغنياتنا.. وشارك بالحديث الأستاذ السموأل خلف الله وزير الثقافة مشيداً بالأستاذ عوض بابكر واجتهاداته وابداعاته، مرحباً بالجميع مشيداً بتشريف الحبيب الصادق المهدي لتدشين الكتاب واصفاً الجقر بالمبدع الفنان المجد في جمع المعلومات، واصفاً الكتاب بأنه بحث لو قدم لأية جامعة لنال به درجة الدكتوراة، مشيراً الى أنه لم يكن الكتاب الأول ولا الأخير الذي يؤلفه عاشق الحقيبة محمد حسن الجقر، لافتاً النظر الى أن هنالك هجوما عنيفا يشنه البعض على الفن والفنانين، وقال اننا سندافع عن الفن والفنانين ونقف سداً منيعاً ضد هذه الهجمة. وحقيبة أم درمان من وحي الايمان للباحث محمد حسن الجقر سفر قيم يحمل معاني ودلالات عميقة لأغنية الحقيبة وارتباطها بالخلاوى وفي المقدمة يقول «يسخر الله من بين أفراد المجتمع الأمدرماني نفراً ممن حباهم الله حب المساجد والخلاوى فيحمل العبء ويتكفل بالطعام والشراب والسكن والرعاية...». ويصف الجقر أم درمان بالباسلة والنابضة أبداً بالوطنية والعراقة السودانية فيها قامت الخلاوى والمعاهد الدينية وفي طليعتها معهد أم درمان العلمي العتيق نكاية للمستعمر وكلية غردون وقد قال ود التني الشاعر:- في الفؤاد ترعاه العناية بين ضلوعي الوطن العزيز ما بهاب الموت المكشر وما بخش مدرسة المبشر عندي معهد وطني العزيز وقد تحدث الجقر عن البيوت المفتوحة في أم درمان لإيواء الطلبة لعشرات السنين وأذكر منها على سبيل المثال بيت الامام عبد الرحمن المهدي وبيت السيد علي الميرغني وبيت الادريسي وعثمان صالح وسوار الذهب والشيخ قريب الله، واستعرض كل الخلاوى بأم درمان ومنها خلوة ود القاضي وخلوة الكتيابي وخلوة بولس المسيحي وكتاب الجقر جمع ودقق وحلل وربط بين معاني الحقيبة وارتباطها بتعاليم الاسلام واستدل على ذلك بنماذج من شعر محمد عبد الله الأمي ما بخاف من شئ لحن وغناء الحاج سرور وبادي ما بخون الجار ماني غادر دلالة على حقوق الجار:- وما بخاف من شئ برضي خابر المقدر لابد يكون ان أتاني الهم جيشه داخر يلقى يا خلاي صبري وافر يلقى عزمي التام ليه خافر يلقى قلبي شجاع ما جبون المقدر لابد يكون وربط ذلك بالقدر وتناول المؤلف سيرة شعراء الحقيبة من الشاعر الصداح عمر البنا وأبو صلاح وسيد عبد العزيز ونموذج لسيد عبد العزيز:- يا أم جمالاً يشفي السقيم مريضك كيفن دوا في سراط الحب مستقيم قلبي لكن كلت قواه ويبين الجقر الاشتقاق عند سيد عبد العزيز من القرآن في:- حق نبينا وموسى الكليم فر عقلي وشالوا الهواه يا الحشيمه وذوقك سليم كيف علاجي ودائي الهوى وقد قدم الجقر ومجموعة الفنانين رائعة صالح عبد السيد:- كم نظرنا هلال ما شافنا غير هلالو ما أظن زلال يروينا غير زلالو أرى الهلال ينقص وهو محيه بتجلالو كل يوم يزداد في خديده نور بجلالو ونجد ان الفنان الجقر يؤكد المعاني بالتضاد والتوازي أحياناً وذلك من خلال فهم الشعراء واستبطانهم لما تلقوه في الخلاوى من علوم دينية تشربوها وظهرت في اشعارهم تأسياً وتأثراً، وان المعاني والدلالات تكون واضحة وكأنها صادرة عن متصوفة وحقيقة شعراء الحقيبة هم متصوفة وعند أبو صلاح تضع المعاني في يا ريم:- يا آية الحسن وريحانة السودان وغاية محاسن الجيل في كافة البلدان ساكن بشاطئ النيل وبداخل الأبدان «في حارة فيها محاسن جنة الولدان» ساكن بشاطئ أبروف وبداخل الأبدان في حارة فيها محاسن جنة الولدان وكان الشاعر قد قرأ سورة الرحمن «هل جزاء الاحسان إلا الاحسان(60) فبأي ألا ربكما تكذبان(61)» وكان الشاعر قد حفظ سورة الانسان: «ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً(14)» وقد حلق بنا الجقر في سموات الحقيبة في شعر رصين وغناء نبيل يستصحب قيم الحق والخير والجمال:- حبي بيك ليلتنا ليلة كانت من جنات رضوان ليلة فيها الحظ بسم لي والسعود حفاها بالرضوان ما أروع سيد عبد العزيز، وما أجملك يا الجقر، وما أنبل صفوة جمالك وعبيد عبد الرحمن:- صفوة جمالك صافي الماء على البلور ينعم صباحك خير ويسعد مساك النور ان كتاب الجقر مخطوطة حللت وأرخت وأبدعت في نسج خيوط للحقيبة تتواصل مع المسيد والخلوة عند مختلف شعراء الحقيبة، ومن ذلك قصيدة محمد ود الرضي:- ينوحن لي حماماتن همن عينيه غمامة بريدن شوقي لي لماتن ولم يخفِ الجقر اعجابه بإبراهيم العبادي في مجاراته لود الرضي:- شموس عفة وبدور دورن بهت الدنيا وزهى خدورن حليلن لأمتي أزورن طريت أم در حليل حورن والكتاب جمع كل شعراء الحقيبة وهو جدير بالقراءة؛ لأنه لم ينس المساح ولا بطران ولا العمرابي وعمر البناء، وانها للوحة رسمها أولاد البنا في ليلة من ليالي أم درمان المشعة بالمعرفة والثقافة نسج خيوطها الجقر كتاباً كما قال الوزير السموأل خلف الله هو دراسة علمية لنيل درجة علمية وفيها تبتل الجقر ود أم درمان عشقاً وولهاً في أم درمان لأنها تستحق ذلك:- أناأم درمان نصرت الدين وكنت فدايه للاسلام روحوا حولي ناس صادقين فناهم في حياتي غرام زانوا المبدأ والفكرة وخلدوا أعظم الذكره ودخلوا المدرسة الكبرى ونالوا شهادة الايمان وأنا أم درمان ده ميلادي وتيلادي البشيل اسمي أنا القدمت أولادي شراهة وسيف علي وشمي كنت القوة والحولة وحزت وفزت بالجولة وكنت الراية والدولة وللتاريخ بقيت عنوان لك التحية والحب والمودة الفنان محمد حسن الجقر، وقد صرت عنوانا أنت أيضاً لأم درمان، وأنت تقودنا إلى الغناء الرصين في الزمن الجميل، وتحية لأهل أم درمان بقعة السودان ولكل من كتب حرفاً عن العاصمة الوطنية أمدرمان، وهي تشكل خريطة السودان وتحية لأصدقاء الفنان أحمد البناء وهي تكرم الجقر بقيادة أحمد نجم وفاء وعرفاناً على بما أنجز.