لماذا يترك من يسمونهم بهيئة علماء السودان الأمور المتفق على أنها أمور بناءة مثل تيسير زواج الشباب غير المتزوج بشكل عام ويركزون على أمور أخرى – مثل تعدد الزوجات؟ نعم هي جائزة شرعاً لكنها ليست أوامر ربانية بل هي مباحة بشروط محددة ومختلف على أنها تمثل الأصل أم الاستثناء. لماذا تهملون التعاطف مع من يحتاج لدعمكم لتحقيق الفرصة الأولى له في الزواج كشاب يحتاج لدعم مثل هؤلاء الميسورين لتمكينه من الزواج وتنصرفون لدعم وتحريض المتزوجين على اغتنام فرصة شرعية مشروطة قد تتسبب في عكننة حياتهم بزوجة ثانية؟.. نعم هي فرصة مباحة شرعاً لكن بشروط محددة، ثم إنها في الواقع تتسبب كثيراً في خلخلة بناء الأسرة التي تمثل عماد المجتمع.. مما يعني أنكم يا علماء السودان تسعون لحل مشكلة بمشكلة أكبر منها. لماذا لا نخرج من حفرة زواج التراضي إلا لندخل في جحر تعدد الزوجات؟!!.. لماذا نبدو للعالم وكأننا نفكر بمستوى مترف جداً يحاول حمل القضايا والأزمات من ذيلها؟.. أمامكم ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج وظاهرة طلاق وظاهرة عنوسة والقاسم المشترك في صنع جميع هذه الأزمات والظواهر هو الحال الاقتصادي.. (الفلس).. العطالة.. فهل ننصرف بالتفكير من السعي لتزويج غير المتزوج من الشباب إلى تحريض المتزوج على الزواج مرة أخرى وخلخلة استقرار الأسر؟!!.. نعم نحن لسنا علماء أو فقهاء لكننا نعرف أن هناك الكثير من الفقهاء والأئمة لا يحثون على التعدد بل يميلون الى الاكتفاء بزوجة واحدة فقط مثل الشيخ بن عثيمين رحمه الله والذي تطرق بالقول المؤيد إلى ما ذهب إليه بعض أهل العلم أن يقتصر على واحدة، وعلل ذلك بأنه أسلم للذمة من الجَوْرِ؛ لأنه إذا تزوج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهن، ولأنه أقرب إلى منع تشتت الأسرة، فإذا كان له أكثر من امرأة تشتت الأسرة، فيكون هناك أبناء لهذه المرأة، وأبناء للأخرى، وربما يحصل بينهم تنافر بناء على التنافر المتوقع بين الأمهات، كما هو مشاهد في الكثير من الأحيان، ولأن اقتصار الزوج على واحدة أقرب إلى القيام بواجبها من النفقة وغيرها، وأهون على المرء في مراعاة العدل، وهو أمر عظيم. كذلك الشيخ الدكتور القرضاوي عندما سُئل عن هذه المسألة قال: هذا سؤال يسأله الكثيرون وبعض هؤلاء يقولون: إن الأصل هو التعدد ويستدلون بقول الله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، فيقولون إن الأصل أن تتزوج زوجتين وثلاثا وأربعا، إنما هذا الكلام لو كانت الآية جاءت تقول "انكحوا ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع" إنما الآية ليست كذلك فهي مربوطة بشيء قبلها "وإن خفتم ألا تقسِطوا في اليتامى فانكحوا لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" فما وجه الربط بين الشرط والجواب؟، فقد جاء عن عائشة أنهم كانوا يتحرجون من زواج اليتيمات في حجرهم فقد تكون المرأة في حجر الوصي عليها أو لديه يتيمة وهو قيِّم عليها، ويريد أن يتزوجها ولكن يخاف أنه إذا تزوجها لا يقوم بحقها لأنه المتحكم فيها ولا يعطيها مهرها، فربنا سبحانه وتعالى يقول له إن كنت خائف ربنا يوسع عليك، فما الذي يدخلك في هذا المأزق وهذا المضيق، فقد وسع الله عليك "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"... الآية. الخلاصة أن هيئة علماء السودان لم تفعل بهذا التصريح أكثر من إضعاف ثقة وطمأنينة الكثير من النساء السودانيات لآرائهم وفتاواهم وعدم التعاطف معها لاحقاً لأنها تفتقد الحكمة.. لأن المرأة العانس نفسها لو افترضنا أنه تيسر أمر زواجها بسبب هذا التصريح فإنها ستقف غداً ضد زواج زوجها بثالثة بعدها. لو أردتم تقديم دور في معالجة قضية العنوسة أو حفظ المجتمع فشجعوا الميسورين ليس على التعدد بل على دعم الشباب غير المستطيع للتمكن من الزواج. هذا هو الأولى والأنفع للمجتمع والذي يحقق نفس النتيجة بصورة أسلم وأفضل. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي