الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفادة المعتقل عبد المنعم عمر رئيس مكتب الخارج - حزب المؤتمر السوداني
نشر في الراكوبة يوم 17 - 04 - 2017


الإسم: عبد المنعم عمر إبراهيم بابكر
رئيس مكتب الخارج - حزب المؤتمر السوداني
تاريخ الاعتقال: العاشرة ونصف مساء الأحد 8 يناير 2017م.
فترة الاعتقال: من (8 يناير) و حتى (6 فبراير 2017 )
مكان الاعتقال: اعتقلت من صالة المغادرة (كانت صالة الحج والعمرة في يوم 8 يناير) في مطار الخرطوم الدولي وتم اقتيادي إلى مباني جهاز الأمن (ما يعرف بالعمارة) وبعدها (ما يعرف بالفندق) بالقرب من موقف شندي) لخمس ساعات ومن ثمّ إلى سجن كوبر..
أنواع التعذيب التي تعرضت لها:
تعرّضت لتعذيب بدني جراء الإعتقال عن طريق العنف وتمزيق ملابسي عند لحظة الاعتقال في المطار.. ولكم و ضرب بالأيادي والأرجل حتى أغمي عليّ واستعدت الوعي شيئاً فشيئا في الطريق والذي كنت أميّزه أنّ هذا الطريق عبر لبرهة مكاتب جهاز الأمن والمخابرات الرئيسية والقيادة العامة للقوات المسلّحة وكانت العربة تسير باتجاه الخرطوم بحري ..
من المعتقلين الذين كنت شاهداً على تعذيبهم:
كنت حاضرا لدى مباني جهاز الأمن فيما يسمى بالفندق حيث كان يتم ضرب عدد من المعتقلين بالخراطيش من بعض أفراد الأمن أذكر منهم الملقّب ب"الأمريكي" .. ولا أعرف أسماء المعتقلين ولا أسباب ولا تفاصيل اعتقالهم.. فقط كانت"الخراطيش" تنهال عليهم ولا تميّز على أي جزء من الجسد تقع .. بعدها نقلونا إلى غرفة أشبه بالمراكز الصحية القديمة في القرى ليأخذوا منا عيّنات من الدم أنا ومعي إثنان آخران و(عثمان) الذي أسميته لا حقاً في المعتقل ب (أبو الجاز) وكان يعمل محاسباً في طلمبة "للجاز" وأتوا به ولا يعرف لماذا ؟!! وبعدها أودعونا مع موعد صلاة الفجر عنبر "الزاوية" في كوبر .. كل ذلك بعد أن سألوني وكرروا السؤال أكثر من مرّة عن بياناتي الشخصية من اسم ومهنة وزوجة وأطفال وأهل وحزب وأصحاب وحتى راتبي الشهري..
ولدى وصولي إلى سجن كوبر سمعت بعض الإساءات اللفظية وبعض الإهانات .. ورويت لي بعض الروايات عن تعذيب البعض النفسي والجسماني أذكر منها قصة المعتقل عبد الحميد عبدالله عبد الكريم وهو معلم من (تابت) وتمّ اعتقاله في يوم عقد قرانه وبعد ثلاثة أيام اقتيد للاستجواب وعندما أرجعوه الى الغرفة كان فاقداً للوعي تماماً من التعذيب ويستفرغ دماً وتمت معالجته من المعتقلين مدة أسبوع .. ولقد روى لي بعض المعتقلين عن حالات الضرب التي تعرّض لها سليمان خليفة ديناري ومستور أحمد محمد و أبوبكر يوسف ونور الدين بابكرمن المؤتمر السوداني.. وحادثة تعدّي المدعو (المنصوري) عليهما وضربهما و تعدّيه كذلك بالضرب على المعتقل داؤود (الذي كان أحد حراس الرئيس التشادي إدريس ديبي في وقتٍ مضى) حيث قام بصفعه وإهانته أمام المعتقلين .. وداوؤد هذا معتقلاً لما يقارب العام وقتها .. وكل ذلك في غرفة كبيرة (عنبر) يطلق عليها (الزاوية) في سجن كوبر.
سجن كوبر الذي كنا به هو معتقل لجهاز الأمن لا يتبع لسلطة السجون .. وإنما هي تغطية سياسية وإعلامية لفضائحهم .. وهم لا يعلمون أنه وإن كان يتبع فلا فرق .. فالمنظومة العدلية كلها منهارة تماماً كمنظومة القيم التي تسببت في انهيارها سلطة مستمرة لثمانٍ وعشرين عاماً هي عمر رئيس وزراء منتخب في دول تحترم الإنسان ..
وبرغم قرب المسافة تعرضت أنا للتكبيل "بالكلبشات" أثناء ترحيلنا من كوبر إلى "الفندق" بموقف شندي للتحقيق .. ومن أنواع التعذيب التي تعرّض لها المعتقلون عدم الاستجابة لشكاوى المرضى باهتمام مما قد ينتهي بالتهابات تظهر لاحقاً كما حدث لرئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير الذي اقتيد مكبلاً لسجن بورتسودان .. وقد اكتسب عدوى والتهبت عيناه مما حدا به للسفر للقاهرة مؤخراً للاستشفاء.. وتعرض كذلك مستور أحمد محمد الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني للتعذيب بالضرب المهين في العين والأذن في داخل سجن كوبر وأمام المعتقلين وتم نقله إلى غرفة أخرى حتى ذهب للقاهرة للاستشفاء.
بيئة المعتقل وسلوك المعتقِلِين:
بيئة غير إنسانية ومهينة وحاطّة للكرامة .. يفترشون الأرض ويتكدّسون بأعداد كبيرة وفيهم المرضى (ومنهم من هو مصاب بأمراض جلدية منها بالطبع المعدي - مثلاً "عثمان سليمان") .. لقد كنّا في غرفة واحدة مساحتها (5×7) متر مربع .. بحمام واحد داخلها.. والعدد وصل 36 معتقلاً .. وكان أقلّ ما يقال عن الأكل أنّه بائس وغير صحي ..
التعذيب والاعتقال كممارسة يتبعها النظام تجاه معارضيه:
هذه الممارسات أقلّ ما يقال عنها أنها ممارسات خارج القانون.. وهذا إرهاب للناس .. وجريمة بشعة تعاقب عليها جميع القوانين والشرائع في كل الدول .. ولا بد من مراقبة لحالة حقوق الإنسان .. مراقبة شعبية ومحلية .. أفراد وجماعات .. وكيانات ومنظمات محلية ودولية وعالمية لتحسين حالة حقوق الإنسان في السودان وفي كل مكان.
لن أقول بالطبع أنني لم أتعرض لممارسات التعذيب التي كانت تتم في المعتقلات عادةً .. لا سيما وأن المدعو "المنصوري" قد استقبلني بعبارات التهكم والاستفزاز (والتي لا يدانيني شك وهو يتلعثم وكأنه مجبور عليها في أنّه كان يخشاني نوعاً ما ولم أكن أدري السبب وقتها وإن كنت أستطيع تخمينه فيما بعد فهو صاحب حادثتين في التعدي بالضرب على مستور وديناري من المؤتمر السوداني)
بما خرجت من الاعتقال:
عن الحالة النفسية :
أريد لإفادتي هذي بأن تكون صادقة تماماً لذلك اعترف بأنّ حالتي النفسية كانت صحيّة بالنسبة لي من حيث زيادة الإصرار والعزيمة على التغيير.. ورغماً عن ذلك فقد كانت حالتي النفسية مشحونة بالغضب .. ولا تخلو من الرغبة في رفع الظلم بأيّ ثمن .. فأنا لا أشجع المسامحة على هذه الجرائم .. وإن كان هنالك من ينادي بالتسامح فأقول لهم : إنّ قيمة التسامح وإن كانت أعلى لكن هذا التسامح وقتي وشخصي فلا يجب أن نرهن المستقبل لمثل هذه التوجهات .. ويجب ردع الوحشية هذي .. ويجب معاقبة المجرمين حتى لا تكون هناك فرصة لتكرار الأمر وحتى يتعافى معنى الدولة والحكومة و معنى العمل العام ليكون كلّه مسخراً لخدمة الإنسان والمواطن السوداني..
وعن الأضرار الجسدية :
لا أعلم مدى أثر الضرب باللكمات وبالأرجل على البطن .. ولا أعلم إن كنت سأصاب بأيّ أمراض (حتى الجلدية منها) مستقبلاً أو على المدى القريب أو المتوسط ..
وعن الأضرار النفسية مرّة أخرى فأنا أعلم تماماً معنى الغضب والانتقام .. وأن تسنّ لك سنة التخويف والإرهاب حتى لا تتمكّن من مواراة جثمان والدتك ثرى ديارها لهو أبلغ تعذيب .. ولعلّه جدير بالوقوف هنا برهة لكي نعيد للناس أو نذكّرهم بالقيم وما معنى أن تكون والدتك قد تعاقدت مع أهلها ومجتمعها في مسيرة حياة كاملة طولها ثمانين عاماً عاشتها بينهم .. تحتاج لدعائهم كلما مرّوا بجوار قبرها ويحتاجون ذكراها أنموذجاً للسودانية المربية الفاضلة التي سهرت على تربية أبنائها وبناتها ليسهموا في نهضة بلدهم بكل محبة وتفان وإخلاص .. فكيف لكم أن تتصوروا الحالة النفسية لمن يدفن أمه وبعد أيام يتم حبسه بلا سبب سوى أنّه كان مكلّفاً بأن يخلف الشرفاء في قول "لا" لفساد الحكم وفشل السياسات .. فكان الإحساس كأنما أنني دفنت حيّاً .. وهذه الحالة النفسية رديفة للتفكير الدائري في السجن حول أطفالي الذين تركتهم ورائي من غير معيل وعملي الذي هو مصدر رزقهم الوحيد .. فاعتقالي كلّفني أن أفقد عملي كذلك..
دوافع الإصرار على الاستمرار
تتلخص دوافع الإصرار في المقاومة في كل ما ذكرت .. وفضلاً عن ذلك ما وجدته من إساءة بالغة لقيم الشعب السوداني وإهانة نفسية لا تغتفر وأنا لم ألتئم من حزني لفقد والدتي الأمر الذي شكّل بالتأكيد ما هو أكبر من التعذيب .. وتأتي الحقيقة الموجعة لهم وهي أننا لا نعارض إذ أننا أصحاب حقوق .. ونطالب بحقوقنا الأساسية من حق في الحياة .. وفي الكرامة والإنسانية والحرية وهي لا تقبل المساومة أصلاً .. ولا أعتقد أنّ هنالك دافعاً أقوى من ذلك للاستمرار في أي عمل لإزالة نظام لا يؤمن بها..
عن المعتقلين وبيئة المعتقل مرّة أخرى:
كان هنالك عدد من المعتقلين لأسباب غريبة ومن دون أسباب ولتخليط القانوني بالسياسي والتحايل على القوانين التي فصّلوها بأيديهم .. وليلتبس على الناس ما وقع فيه جهلائهم وهم يريدون أن يخدعوا الناس بأنها من الجرائم الموجهة ضد الدولة مع العلم أنّ مثل هذه الجرائم موصّفة في القانون الجنائي وطرائق متابعتها في جميع مراحلها موصّفة في قانون الإجراءات الجزائية .. إلا أنهم أرادوا أن تكون هكذا المسائل مبهمة .. فيها السياسي والاقتصادي والتهريب والقرصنة الالكترونية وغيرها مما أتى في عهدهم الظلامي فهناك متّهمون دون أن توجه لهم التهم رسمياً بجرائم بخصوص الدقيق والجاز وغيرها مما لا يستقيم أصلاً ..
وكان من بين المعتقلين شاب سوداني من جمهورية جنوب السودان تمّ اعتقاله بعد اعتقالي بأكثر من عشرة أيام و مجموعة من غير السودانيين (يمنيين) و(سوريين) و (نيجيري) و (أثيوبي) و (ليبي) والتعامل معهم ومع غيرهم في المعتقل غير لائق بتاتاً ومهين تماماً والمعتقلون يستخدمون جميعهم حماماً واحداً ويشربون الماء من هذا الحمام .. بيئة المعتقل كانت سيئة للغاية .. وكما هو معلوم لا يوجد معتقل جيّد .. وتتفاوت المعتقلات في درجات السوءسواء كوبر أو دبك أو موقف شندي .. فقد سمعنا بمعتقلين في السابق ماتوا في معتقل دبك ومعتقل كوبر ..لكن أيضاً سمعنا من داخل كوبر عن الغرفة في الفندق التي لا تدخلها الشمس مطلقاً ومساحتها ( 2 × 3) وفي أبرد درجات التكييف المركزي والإضاءة 24 ساعة وفقط بها طاقة تسمح بدخول طبق الطعام ولا يسمعك أحد من داخلها ولا تستطيع فتح الباب إن كان مغلقاً ولا إغلاقه إن كان مفتوحاً وفي هذه الغرفة التي خصصت لشخص واحد تكوّم بها سبعة أشخاص .. وما سمعته ويبعث على التقيؤ من التواطؤ الدولي أنّها هدية من مكافحة الإرهاب .. والتعذيب أحياناً له آثار قد تفوق الموت لأنّ في الموت راحة .. وأسوأ درجات التعذيب هو التعذيب النفسي .. مع العلم أنّ غالبية المعتقلين عانوا منه ومن تعذيب جسدي .. وفي فترات متفاوتة .. وهم معرضون للإصابة بأمراض مزمنة كالرطوبة وأمراض القلب وأمراض الكبد وغيرها ..
جهاز الأمن فاشل وفاسد وخائف:
وأذكر أننا كنا عندما نذهب للتحقيق وهما (مرّتان) بالنسبة لي .. كنا نذهب في عربة والرأس للأسفل .. وعندما نزلت هناك قابلت محمد عبد الواحد وصبي آخر لا أعرف له اسماً .. وثالث (ببدلة إشتراكية) ورابع كان يكتب على ملف مكتوب على غلافه (رئاسة الجمهورية) .. و بدأوا يسألونى أسئلة لا توحي بسوى الغباء .. أسئلة بلا معنى .. بلا هدف .. وبلا قيمة وكما أسلفت لا يعلمون شيئاً عن ماذا يعني جهاز الأمن ولا يعلمون ماهي المعلومات التي يجب تجميعها وتحليلها وتيقنت تماماً أنهم لا يفقهون ماذا يريدون سوى الاستثمار في الارهاب والتخويف ..
وأذكر كذلك أن أسرتي قد تمت مماطلتها ومماحكتها في الزيارة التي اجتهدوا في الحصول عليها واتصلوا بهم قبيل ساعة من المؤتمر الصحفي الذي كانوا قد رتبوا له .. ظناً من أنهم سيفشلون المؤتمر الصحفي إلا أنهم قد فشلوا هم وخافوا من عواقب الأمور .. وقد حضر الزيارة أحد "حكمداريي" السجن (غاندي) دون حياء أو أخلاق وقد علمت منه أنه رافق الرئيس عمر الدقير إلى بورتسودان.. وهناك الكثير الذي يستوجب القول عن المعتقلات مقبرة النظام إلا أنّ أهل الحق والعدل والنضال يخوضون المعارك بلا كلل ولم تهزمهم السلطة يوماً فهذه التجربة لا شيء أمام دروس الصمود العديدة التي تستوجب الدراسة في مسيرة الحياة السودانية العامة في عهد الغول الانقاذي المتطاول منذ يونيو 89 وهو يمثل أسوأ فترة في تاريخ السودان القديم والحديث .. ابتكرت فيها سلطة فاسدة اساليب غير مسبوقة.
وقبل الخروج كجميع الذين يفرج عنهم يوقعون وريقات ظناً من الجهلاء القائمين على أمر الجهاز أنها ستحمي الأكثر جهلاً والمغرر بهم من أفراد الأمن من المحاسبة .. هذه الوريقات عبارة عن تعهدات بألا يذكر المعتقل ما حدث له داخل مبنى الجهاز ولا الأفراد الذين رآهم.. وعندما عانقت الهواء خارج أسوار السجن الصغير إلى السجن الأكبر (الوطن المستمر في النزيف) لا أنكر احتفاء الناس .. لكن كنت أرى في عيونهم امتناناً وكأنني كنت لسان حالهم .. فالكل يريد أن يضحّى وكلما سئلت من شيء أجدني أردد (إنها ضريبة وكان ما زادنا ما نقصنا الحبة) .. والآن بت أكثر يقيناً من أن الناس لا بدّ وأن تتوحد في فيما يستحق التضحية (الخير والحق والعدل)
ومن هنا أوجه مع هذه الافادة دعوة للسودانيين والسودانيات جميعا للمطالبة بحقهم في حياة كريمة يرضون عنها .. وهم يعرفون تماماً أن هذا النظام لا يوفرها ولابد من زواله بأسرع فرصة وقبل أن تزهق أرواح جديدة .. وأؤكد لكم جميعاً أنّ النظام عبر جهاز الأمن والمخابرات ومن خلال تجربة المعتقل هذي فقط يستثمر في خوف الناس .. لأنّه يخافهم ويعرف معنى الخوف .. لكنّه جهاز فاشل وفاسد ككل أجهزة النظام .. ولا حتى القائمين على أمره لا يعرفون معنى أن يكون لديك جهاز لتجميع وتحليل البيانات والمعلومات .. فهم يستغلوه لإرهاب الناس خوفاّ من زوال سلطتهم .. فلقد تناوبوا الحديث محمد عبد الواحد وزميله وهم يقولون لي ((لما تستلموا الحكومة وتجوا القصر والنجدات وراكم حا نكون نحنا بطبنجاتنا دي معاكم .. ده شغلنا ..)) هكذا يوهمون أنفسهم أو هكذا يوهموهم أو هكذا يعتقدون أنهم يوهمونا .. لكنني أعلم تماماً كما هم يعلمون أنهم مرعوبون من جرائمهم .. و المراقب يعلم كما هم تماماً يعلمون أن النظام في حالة خسارة يومية والجماهير في حالة ربح يومي .. وما هذه الأوهام إلا إحدى محاولاتهم الواهية ليفلتوا من المحاسبة وأنا لا أستثني أحدا فالمعتقل عبارة عن منظومة متكاملة أفراد بقناعاتهم ووسائلهم وأسلحتهم وبلا قيم فابتداء من الفريق الذي قام باعتقالي من المطار والمتكون من أربعة بينهم (محمد عبد الواحد) واثنان كانا على مقربة من العربة "البوكس" التي (رُميت بها) والفتاتان العاملتان على "كاونتر" إجراءات السفر .. وانتهاءً باللواء عصام من (مارنجان عووضة) والذي كال لي النصائح والمواعظ ولم يستثن أعمالي الخيرية التي استقاها من مذكرة أهلي وعشيرتي بأم سنط الذين لا يكفيني شكرهم في توحّدهم لنصرتي وأتمنى وأعمل مع هذه الأمنيات أن يتوحّدوا في قضاياهم جميعاً وهي إزالة أسباب البؤس من حياة كريمة يستحقونها وجميع أهل السودان بجدارة .. فعل ذلك اللواء أمن عصام ظنّاً منه بأنه (سيهديني) أو يهددني .. وهو يكيل الإطراء بأنني لا أشبه حزب المؤتمر السوداني .. ولا يعلم أنّ كلّي فخر لانتمائي أن أشارك مع كل رجال وكل نساء الحزب الذين يعملون بلا كلل ولا ملل من أجل قضايا الناس والوقوف بجانبهم ليل نهار.. ولم يكتفي بذلك بل أمر بادخال شقيقي الذي كان منتظراً إطلاق السراح ومعه قريبي ليشهدوا أنّهم لم يعذبوني وسألني أمامهم هل تمّ تعذيبك وأجبته وسط دهشتهم جميعاً (نعم) فأنا أعي معنى التعذيب تماماً في المواثيق الدولية.. فما كان منه ومن معه إلا والتضاحك في سماجة مثنيين على مقدراتي كمحام..
السودان في ظل هذا النظام البائس لا يعير اهتماما للاتفاقية الدولية لمحاربة ومنع التعذيب (Convention Against Torture) .. تجارب المعتقل لا ينجو منها كثير من الناس ويخرجون إما بلا عقل أو بلا حواس وهناك من فقد حياته تجارب مليئة بالتعذيب والتهديد والتخويف والتجويع .. تجارب قد تكون الأسوأ في الحياة لكنّ فيها ما فيها من منح وهبات ففيها تأمل وتفكير وتفكّر فليس أفضل لذلك من وقتٍ طويل .. وعن تجاربي فستظل حية في قلبي وعقلي كما إيماني بالرسالة في إيصال الحقيقة ولإدراكي لأهمية المؤسسات الإنسانية والإعلامية ودورها في استرداد حقوق الناس و/أو مساعدتهم للحصول عليها لا بدّ إذاً من التوثيق !!
ورغم بعض المنح المدفوعة الثمن من المجتمع الدولي .. نؤكّد بازدياد وعي الناس .. ونؤكّد بأنّنا الآن أقوى وأقرب للنصر من أيّ وقت مضى..
فلابدّ لليل أنْ ينجلي..
ولابدّ للقيد أنْ ينكسر..
______
وشكرا..
منعم عمر ___
((وفي 29 /9 /1999م لي بداية حكاية مع المعتقل في زنازين القيادة العامة .. وموقف شندي .. وسجن كوبر سنرويها لاحقاً.. ))


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.