لا زالت تداعيات انهيار سعر محصول الذرة تتوالي ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة بأن لا اتجاه لزيادة سعر التركيز تمسك المزارعون بضرورة تحديد سعر تركيز مجزي قائلين بأن تجاوز هذا المطلب يعني أتساع دائرة الإعسار وبالتالي فتح الباب واسعا أمام دخول المزارعين إلي السجون ، في مقابل ذلك فقد دعا والي ولاية القضارف المزارعين إلي تقليص المساحات المزروعة ذرة إلي النصف وقال : ( إن حكومته ستتبنى سياسة لإقناع البنك الزراعي بعدم تمويل محصول الذرة لأنه محصول لا جدوى منه وأفقر المزارعين بسبب تدني أسعاره وعدم وجود مشترين له في السوق العالمي والمحلي ، فيما وصف المزارعون حديث الوالي بالغريب وغير الموفق ). الحكومة بعيدة عن قضايا الناس : أوضح المزارع يوسف العوض قائلا : ( درجت الحكومة علي إطلاق التصريحات الجزافية لأنها بعيدة كل البعد عن مشاكل وقضايا الناس قائلا بأن المشكلة الآنية التي تواجه المزارع تتمثل في عدم تسويق محصوله واصفا حديث الوالي بغير الموفق مستدلا بقوله أي حديث عن زراعة محاصيل أخري بالضرورة أن يتبعه استصحاب المناخ ونوعية التربة والمحاصيل المراد زراعتها إضافة إلي إمكانات المزارع ومدي قدرته علي زراعة محاصيل أخري وغير ذلك من المقومات ، مضيفا بأن المساحة المزروعة ذرة بالمنطقة الشمالية لولاية القضارف تقدر ب 70% من جملة المساحة المزروعة موضحا بأن كمية الأمطار في هذه المنطقة تتراوح بين 350 إلي 500 ملم و أنها تناسب محصول الذرة أكثر من أي محصول أخر ، وأضاف أذا اردنا مثلا زراعة محصول زهرة الشمس في المنطقة الشمالية سنجد أنه يحتاج إلي كمية أمطار يفوق معدلها ال 650 ملم وكذا الحال بالنسبة لمحصول القطن الذي يحتاج إلي كمية أمطار تقدر ب 750 ملم فما فوق ، واصفا بذلك حديث الوالي بالتعجيزي وقال "إن محصول الذرة مطلوب ولكن المشكلة تكمن في العقلية التي تتبع سياسات زراعية معادية للإنتاج ومضي بالقول إذا كانت سياساتنا كويسة كل الدول التي حولنا ترغب في شراء الذرة مشددا علي أن المشكلة الأساسية التي تواجه المزارعين حاليا هي مشكلة التسويق مقابل التكلفة العالية للإنتاج ، مرجعا الأمر برمته إلي السياسات الزراعية والتسويقية وأضاف قائلا إذا لم تتغير سياسة الدولة فلن يجدي الحديث عن تغيير التركيبة المحصولية مشيرا إلي أن الواقع يقول بأن المزارع مرغم علي ترك الزراعة نهائيا وليس التخلي عن زراعة محصول الذرة وحده ، وقال "الحكومة المرة الجاية حا تقول لينا أزرعوا صباح الخيلر" مضيفا بأن الاتجاه إلي زراعة محاصيل أخرى بديلة للذرة كزهرة الشمس والقطن يتطلب إستراتيجية طويلة المدى وعمل مستمر لتطوير التقانات والجينات الوراثية للمحاصيل، هذا فضلا عن أن زراعتها مكلفة جدا مقارنة بمحصول الذرة وأضاف تكلفة التقاوي فقط لزراعة ألف فدان زهرة شمس تفوق ال 100 ألف جنيه في المقابل فإن زراعة ألف فدان ذرة تكلفة التقاوي بالنسبة لها لا تتجاوز ال 12 ألف جنيه ، أما زراعة القطن فأنها تكلف ضعف زراعة محصول زهرة الشمس ، وقال الحكومة عملت وعبر شركاتها علي استيراد تقاوي فاسدة وغير صالحة للزراعة سوا أن كان القطن أو زهرة الشمس ويضيف قائلا أن البنك الزراعي كمؤسسة تتبع لوزارة المالية دوره الأساسي هو دعم المزارع وليس البحث عن الأرباح إضافة إلي تثبيت أسعار المحاصيل وتحديدها ). العمل على تضييق دائرة الإعسار: وأضاف المزارع عبد الله عبد الغني قائلا: ( نحن كمزارعين قلنا للحكومة هذا هو إنتاجنا من الذرة ونحتاج إلي تسويقه،وأضاف قائلا الوالي يدعوا المزارعين إلي التخلي عن زراعة محصول الذرة في حين أن الحكومة من المفترض أن تجد حلولاً لمشكلة الصادر، وقال البنك يقوم بشراء المحصول من المزارع بسعر 500 جنيه من أجل تحقيق أرباح علي حساب خسارة المزارع ، ومضى قائلا أقرب مثال دولة أرتريا التي تجاورنا تقوم باستيراد الذرة من أجل تصنيعها ومن ثم تقوم بتصديرها. وزاد نحن كمزارعين نقف مع تغيير التركيبة المحصولية وذلك بزراعة محاصيل أخري في المناطق التي تتناسب وزراعتها ولكن ليس علي حساب تقليص المساحة المزروعة ذرة ، مشيرا إلي أن محصول الذرة مطلوب لعدد من الدول لأنه يدخل في كثير من الصناعات بجانب أنه ما زال يمثل الغذاء الرئيسي لأغلب مناطق السودان المختلفة. وأضاف في الوقت الذي تتشدق فيه الحكومة بمُضيها في زيادة الإنتاج والإنتاجية يأتي منسوبوها ليتحدث عن دعوة المزارعين إلي التخلي عن زراعة محصول الذرة واصفا حديثة بالمرتبك والمتناقض. مطالبا في الوقت ذاته بضرورة دعم زراعة محصول الذرة والتوسع في السياسات التمويلية ، مضيفا بأن الحكومة ظلت تعلن عن عدم اتجاهها لتحديد سعر تركيز في حين أن تحديد سعر تركيز مجزٍ لمحصول الذرة من الممكن أن يقود إلي تضييق دائرة الإعسار وبالتالي تقليل نسبة دخول المزارعين إلي السجون قائلا بأن الحكومة إذا لم تستجب لمطالب المزارعين والتي يأتي علي رأسها تحديد سعر التركيز فإن مصير السجن يتهدد أعداد كبيرة من مزارعي الولاية ). انفراط عقد الأمن الغذائي: وقال المزارع مصطفي السيد : ( أن كل النباتات في العالم لها مواطن قائلا بأن نبات الذرة موطنه بصفة عامة السودان وبصفة اخص ولاية القضارف مضيفا بأن محصول الذرة له ميزات نسبية مقارنة بالمحاصيل الأخرى متحدثا عن أن إنسان القضارف له دراية ومعرفة كبيرة بمحصول الذرة ، مضيفا بأنه وقبل الانفصال كنا نزرع مساحات مقدرة من الذرة وبأن الوالي يتحدث عن تقليص مساحة الذرة والدولة تستورد أنواع من الذرة ، مشيرا إلي أن الحديث عن زراعة محصول الذرة له تأريخ. موضحا بأن زراعة الذرة أخرجت السودان من مجاعة 1306 ، ذاكرا بأنه وعندما تم تأسيس الزراعة الآلية المطرية في القرن العشرين كان محصول الذرة هو الرئيس في الزراعة ، مضيفا بأن جملة المساحة المزروعة بولاية القضارف تقدر ب 8 مليون فدان المساحة المزروعة ذرة منها تقدر بقرابة السبعة مليون فدان ، مضيفا بأن الذرة تعتبر المحصول الوحيد الذي يمكن أن يزرع منذ بداية هطول الأمطار وإلي أخر فترة من هطولها ، ذاكرا بأن هنالك ثلاثة محددات ينبني عليها تحديد التركيبة المحصولية وهي كمية الأمطار وأسعار المحاصيل والمساحة المراد زراعتها ، وأضاف بأن كل المساحة المزروعة قطناً في الموسم السابق لم تزد عن 50 ألف فدان والمساحة المزروعة زهرة شمس لم تزد عن 150 ألف فدان ، مضيفا بأن ليس كل المزارعين من الممكن أن يقوموا بزراعة محصول القطن لأن زراعته مكلفة جدا حيث يأتي وصفه "بالمحصول المارثوني" ، قائلا بأن هنالك جهات تحتكر زراعة القطن وترفض الدخول مع المزارعين في علاقة تعاقدية. فيما انتقد السياسة التمويلية للبنك الزراعي قائلا بأن البنك يبحث عن تأمين أمواله وليس تأمين إنتاج المزارعين ،مضيفاً بأن النظام المصرفي السوداني لا يمكن أن يسهم في إحداث تنمية زراعية أو صناعية بأي حال وأضاف قائلا "الحديث عن تقليص المساحة المزروعة ذرة يعني انفراط عقد الأمن الغذائي وبالتالي الاستمرار في تجويع الإنسان والحيوان معا" ، قائلا بأن الاتجاه إلي التوسع في المساحة المزروعة زهرة شمس تقابله نسبة مخاطرة عالية فضلا عن أن تكلفة إنتاجه تعتبر عالية جدا مقارنة بمحصول الذرة قائلا بأنه لم يحقق الإنتاجية التي تحفز لزراعته حيث لم تزد عن ربع طن للفدان ( 250 كيلو ) غير أنه أشار إلي أن المنطقة الجنوبية هي الأنسب لزراعته ، ويمضي السيد في حديثه قائلا بأن الحديث عن التركيبة المحصولية يحتاج إلي حراك واسع وكبير معتبرا أن المعالجة بالضرورة أن تأتي كلية وليست جزئية واصفا الزراعة بأنها طريقة حياة ، وأضاف "أي كلام عن تغيير في الوضع الزراعي الراهن يتطلب إحداث تغيير كلي وقال "من المفترض أن يتم إشراك المزارع في تحديد أسعار المحاصيل وفي حجم المساحات المزروعة في المناطق كافة" ، وأضاف قائلا المزارع الآن يمارس عادة ضارة تتمثل في أنه يزرع من أجل أن يسدد ديونه المتراكمة ، قائلا بأن حديث الوالي فيما يخص التخلي أو تقليص المساحة المزروعة ذرة فيه عدم احترام للمزارع ولإنسان القضارف ، مضيفا بأن الحكومة تقوم بدور الجلاد الذي ظل يضرب المنتجين طيلة العقود الماضية مما قاد إلي انهيار القطاع الزراعي كحصاد ونتيجة طبيعية لممارسة النظام السياسي الذي ينتسب إليه والي القضارف) . الميدان