"اعطني مسرحاً أعطك أمةً مستنيرة"، عبارة طالما رددها المهتمون بالفنون المسرحية والدالة على أن التمثيل المسرحي يعد أحد الفنون التي ترتقي بها الشعوب في كافة دول العالم، فالمسرح ينقل جزءاً كبيراً من الواقع في قالب تمثيلي نابض بالحياة، وعلى الهواء مباشرة، ونحن هنا لا نريد التطرق إلى تاريخ المسرح العريق بقدر تطرقنا إلى أهميته كفن قائم بذاته فرخ عدداً كبيراً من النجوم على الصعيد العالمي. مكتشف للمواهب كل موهبة تبدأ من مسرح المدرسة الذي يعتبر المكتشف الحقيقي للمواهب سواء كانت غنائية أو تمثيلية أو إذاعية او غيرها من المواهب، ومعظم النجوم كانت بداياتهم عبر التمثيل المسرحي، ومعظم الروايات العالمية دائماً ما تتم ترجمتها بصورة فعلية عبر التمثيل المسرحي كما روايات"شكسبير" التي ظلت وعلى مر الزمان إلى يومنا هذا تمثل، ولكن إذا حصرنا الحديث في حدود المسرح السوداني فنجد التمثيل المسرحي بدأ منذ فترة طويلة جداً وله رواده أمثال" تور الجر ومكي سنادة والفاضل سعيد" وغيرهم. تيارات فكرية مختلفة شهد المسرح السوداني في عصره الذهبي إقبالاً كبيراً من الجماهير بمختلف تياراتها الفكرية، وظهرت مجموعة من المسرحيات التي ذاع صيتها وما زالت محفورة في ذاكرتنا مثل مسرحية"خطوبة سهير" التي وجدت قبولاً كبيراً خاصة وأن المسرحيات وقتها كانت تعرض على شاشة التلفاز قبل ظهور القنوات الفضائية، وعدد كبير من المسرحيات التي كثيراً ما كنا نتمنى أن يرجع بنا الزمن لمشاهدتها مرة أخرى وقد كان ذلك من خلال إعادة نصوص عدد من المسرحيات في الفترة الأخيرة، ودونكم إعادة تمثيل مسرحية "المهرج" التي ما زالت تعرض إلى الآن عبر المسرح القومي وعدد من المسارح بالولايات حيث وجدت إعادة المسرحية قبولاً منقطع النظير من قبل الجمهور والنقاد معاً، ذلك لأن الجمهور بات متعطشاً لمعانقة المسرحيات وإعادة سيرتهم الأولى وذكرياتهم مع بعض المسرحيات، فكان من الطبيعى أن يجد كل ذلك القبول على الرغم من أن البعض وجه نقداً لاذعاً لفرقة الأصدقاء التي تقوم بأداء مسرحية "المهرج" كونهم كفرقة بإمكانهم تقديم عمل جديد يضاهي "المهرج"، وظن البعض أن هذه المسرحية ستكون مجرد افتتاحية لعودة نشاط الفرقة من جديد، إلا أنها ظلت تدور في فلك هذه المسرحية على الرغم من أنها حركت مياه المسرح الراكدة ودفعت ببعض الفرق الجديدة لتقديم بعض العروض الخجولة. فقدان الكاريزما ولم تكن المهرج وحدها هى المسرحية التي حاولت ربط الجمهور بالنصوص القديمة، وقد تمت إعادة نص مسرحية "أكل عيش" التي قدمها الممثل الكوميدي الراحل الفاضل سعيد، حيث إنه يملك كاريزما كوميدية تدفع الناس للضحك المتواصل، وتمت إعادة المسرحية في قالب جديد مع المحافظة على النص القديم، إلا انها لم تجد ذلك الرواج والقبول الذي وجدته في وقتها خاصة وأن الجيل الذي عاصر هذه المسرحية لم يتقبل بعض التغييرات التي حدثت بالإضافة إلى فقدانهم كاريزما الفاضل سعيد الكوميدية والتلقائية التي يتميز بها. اجترار الماضي كما تمت إعادة عدد من المسرحيات في مهرجان مجدي النور للمسرح التجريبي في دورته الأخيرة من بينها مسرحية"خطوبة سهير" التي جسد بطولتها الفنان القدير مكي سنادة وعدد من نجوم الزمن الجميل، حيث قام بإعادة نص المسرحية مجموعة من الأجيال الجديدة، فإعادة النص ليس بالأمر السيئ ذلك لأن كثيراً دول العالم تقوم بإعادة مسرحياتها لخلق تواصل الأجيال ومراعاة وجود منتوج مسرحي وليس اجتراراً للماضي كما يحدث الآن في المسرح بعد أن ظل في حالة سبات تام لعدة سنوات حتى إن أجيالنا الجديدة إلى الآن لا تدرك معنى المسرح، فإلى متى سيظل منتوجنا المسرحي والدرامي في حالة هذا السبات والركود، وماذا سيقدم المسرح لأجيالنا الجديدة، علماً بأن كلية الموسيقى والدراما تخرج في كل عام أجيالاً جديدة، وهناك سؤال أخير يطرح نفسه بإلحاح هل إعادة نصوص المسرحيات القديمة لخلق تواصل بين الأجيال أم إن هناك أزمة نصوص؟