أول سؤال يوجهه المعلم أو مرشد الصف لولي أمر الطالب الذي يحدث له تراجع في مستوى التحصيل الأكاديمي أو تظهر عليه علامات جنوح وانحراف.. السؤال هو: هل تعيش أسرة الطالب أي نوع من المشكلات..؟! وكذلك الدول حين تعيش حالات الحروب والصراعات وعدم الاستقرار، فإن أول ثمن لهذه الصراعات سيكون مدفوعاً من مستقبل الأجيال الناشئة في هذا الواقع المضطرب.. فلا نتوقع وجود تعليم مستقر ومنطلق وطلاب متميزين أكاديمياً وأصحاء نفسياً يخرجون من بيئة صراعات وخلافات وانقسامات. ولو كان هذا السبب يحمل جميع الأطراف السياسية مسؤولية واقع التعليم المتدهور في بلادنا بشكل عام حالياً، فإنه وعلى نفس القياس يمكننا تشخيص واقع التعليم في ولاية مثل ولاية الجزيرة، حملت الأنباء أمس عنها خبراً صادماً جداً برسوب جميع طلاب مدرسة بولاية الجزيرة في امتحانات الأساس لهذا العام.. (56) طالباً لم ينجح منهم أحد.. وأين يحدث هذا؟ ليس في جنوب كردفان أو جنوب دارفور، حيث يمكننا أن نستوعب استثنائية الأحوال في مناطق تعيش حالة حرب وعدم استقرار أمني، لكن هذا الرسوب الصادم يحدث في ولاية مستقرة أمنياً.. تقودها حكومة والي يقول إعلامه الضخم إنه أفضل والٍ في السودان.. لأنه لم يترك طريقاً في عاصمة الولاية لم يفرشه بالأسفلت، ولم يترك رصيفاً في المدينة لم يشيده بالانترلوك.. ولم يترك معركة في ولايته مع الآخرين إلا وخرج منها منتصراً تتقدمه حصانات القيادة وتتبعه مواكب الصحفيين وهتافات (الكتبة).. لكن المحك الحقيقي في يوم الامتحان.. الذي لا تجمل نتيجته المقالات المادحة ولا ترفع درجاته المقامات الداعمة لمحمد طاهر أيلا وحكومته في ولاية الجزيرة المسماة حكومة (الأمل والتحد). لأنه ببساطة قلب أولوية الشعار فانقلبت بها أولويات عمله رأساً على عقب.. جعل الشعار (التحدي) قبل الأمل.. والتحدي ليس بمعناه الاصطلاحي الذي يعجب الزراع ليغيظ بإنجازاته الكفار.. بل التحدي الخاص بصراعات أيلا السياسية والتي تجعله يهتم بإنجاز (بوهية) الواجهات.. وزينة الكرنفالات وتوجيه الميزانية للأمور التي تظهر نتائجها بإيقاع السرعة الذي يسعف موقفه في المعركة.. أما بناء مدرسة في قرية نائية بعيدة عن واجهات الضوء.. أو تفقد حالها وإكمال نواقص المدارس من معلمين وكتب وغيرها، فإن أمثال هؤلاء الولاة لا يتخيلون أن نتيجة مثل هذا التقصير ستفضحهم بهذه السرعة.. كان هو أو طاقمه يتخيلون أن إنسان الجزيرة الصابر المثابر الذكي الذي يعرف معنى التحدي الحقيقي ومعنى الأمل، سيغطي عليهم خيبتهم تلك بنتيجة باهرة برغم الظروف القاهرة. لكن يبدو أن الظروف كانت أقوى وأقسى في مدرسة (أولاد يس) بنين بمحلية جنوب الجزيرة وحدة الحاج عبد الله.. ثلاثة معلمين فقط في المدرسة.. لا تتوقعوا نتيجة أفضل من تلك. الوالي الذي يبني انترلوك في المدينة ويترك مدارس قرى الولاية بثلاثة معلمين.. مثله مثل صاحب المخبز الذي يضيف خميرة (برومات البوتاسيوم) لتحسين شكل (العيش) لأغراض العرض والتسويق. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين اليوم التالي