في كل شوارع الخرطوم وأمام المحلات التجارية والمؤسسات، حيث تربض السيارات في نهار الخرطوم الساخن، تنهض حياة أخرى ومهنة تدر رزقا حلالا لصبية عركتهم الحياة ولفظتهم من دورتها الطبيعية، حيث المدارس والجامعات ثم الالتحاق بالسلك الوظيفي كل حسب تخصصه، ولكنهم اختاروا مهناً هامشية (مكرهين لا أبطال)، ومنها غسيل السيارات بالطريقة اليدوية وبأدوات تقليدية: (جردل)، ماء، قطعة قماش، وقليل من الصابون السائل لتميع السيارات وإزالة ما يمكن إزالته من الغبار العالق بنوافذها الزجاجية والطين المتراكم على إطاراتها وجوانبها، ولهذا العالم الخاص قوانين صارمة تتمثل في الالتزام بالحيز الجغرافي، فهم يعملون تحت شعار (حفظ المكان يحفظ الزبون) أو كما يقولون. ثقة الزبون الثابت هي الأهم! في وسط الخرطوم وحول شارع السيد عبد الرحمن وشارع القصر والمداخل المؤدية إلى مستشفى الخرطوم، حيث تكثر الحركة ويرتفع معها توجد عدد من السيارات، يتخذ بكري الصادق الذي يقطن الحاج يوسف ومعه مجموعة من الشباب الذين يمتهنون غسيل السيارات من هذه المنطقة مجالا لعملهم. وقال بكري الذي يعمل هنا لأكثر من عامين إنهم يأتون من الحاج يوسف إلى منطقة وسط الخرطوم، ولأنهم يعملون في منطقة محددة استطاعوا كسب عدد من الزبائن، وعن كسب ثقة أصحاب الحيز الجغرافي المخصص لهم قال: نتفق مع أصحاب العربات الثابتين على حسب الأيام، أما المتجولون وأصحاب الأمجادات والتكاسي باليومية، مشيراً إلى أن مناطق عملهم هو ومعية رفاقه الأربعة تمتد من الزيتونة شرقا حتى مستوصف الحكمة غربا دون تدخل من الخوارج، فهم معروفون في تلك المنطقة، حسب تعبيره ! وأضاف أنهم كسبوا ثقة أهل المكان بعد فترة، فالبعض ينسى مبالغ مادية أو أشياء خاصة يعود ليجدها كما هي عليه، فالثقة هنا أكبر من الجشع وضعف النفس، وفي ذات المكان وتحت ظل شجرة تعد مكان تجمعه ترتاده القلة منهم تارة ليعيد نشاطه مرة أخرى، تحدث زميله عباس حسن ل (اليوم التالي) قائلاً إنه كان يعمل لمدة ثلاث سنوات بالقرب من المركز الثقافي الفرنسي لينقطع عن غسيل العربات، ويعود لها بعد عام ونصف في المكان المجاور ل (بكري)، فهو يعمل حتى امتداد شارع البلدية. التقسيم حسب العربات ! يوجد هؤلاء الشباب الذين يعملون في مجال غسيل العربات في الشوارع مدن العاصمة الثلاث وبنفس أسلوب العمل، من حيث تقسيم المناطق، وفي سوق أمدرمان وتحديداً جوار السينما الوطنية سابقا وجدنا ثلة من الشباب تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين من العمر، منهمكين في غسيل العربات وبنفس نظام التقسيم، بل هؤلاء ذهبوا إلى أبعد من تقسم الشوارع إلى تقسيم العربات نفسها بينهم. وقال محمد عباس الذي عمل نحو سبع سنوات وكسب ثقة أهل وأصحاب هذا المكان الذين باتوا يأتمنونهم على الممتلكات الخاصة: "في بداية الأمر كانت هناك مشكلة بين المجموعة حول تقسيم المناطق تصل إلى حد الخناقات والاختلاف في العمل، أما الآن فلا يوجد خلاف". وأشار إلى أن أنحاء السينما وما جاورها من محلات ودكاكين وموقف عربات الميناء البري والعربي، تعد مناطق عمل ممتازة النسبة لهم، فلا توجد فيها مضايقات ولا خلافات. أسعارنا معقولة! ورداً على سؤلنا حول الأسعار غير المحددة، وأنهم أحياناً يتقاضون أكثر من الأجر، فقط بالنظر إلى مظهر السيارة وصاحبها، قال محمد عباس: "لا، نحن لا نطمع في الزبون والأسعار معقولة في عربات بتكون شايلة تراب كتير وطين ونحن بنشتري صابون وموية، والمسألة مكلفة جداً، لكن ما قاعدين نختلف مع الزبائن الثابتين معانا أبداً". اليوم التالي