تعتبر الإرادة السياسية جوهر كل فعل سياسي، بها يرسخ الفعل، ولو لم يلحق بقوانين مثبتة، لكنها، أي القوانين، تعين كثيراً على تنظيم الإرادة السياسية، وتيسر وضعها موضع التفعيل والتنفيذ. ومع أهمية هذا الدور القانوني، لا بد من التأكيد في كل مرة أنه لا يعني شيئاً في غياب إرادة سياسية جادة وصادقة، فالقوانين بما فيها الدستور -المظلة القانونية الأعلى- نتاج للإرادة السياسية القوية، وليس مصدراً لها. وليس أدل على ذلك من سريان المبادئ السياسية الأساسية في بعض المجتمعات بلا حاجة لدستور مكتوب. ثار جدال كثير على إثر إبقاء البرلمان على سلطات واختصاصات جهاز الأمن، وعدم حصرها في جمع المعلومات، كما جاء في توصيات الحوار الوطني. وإذا افترضنا جدلاً ضعف حجة الحزب الحاكم المستندة إلى وجود جماعات متمردة مسلحة تفرض منح الجهاز سلطات أوسع وتطلق يده، فإن السلطة المتعسفة ليست بحاجة في الأصل لمسوغ قانوني يبيح لها ممارسة التعسف والغلظة، فالمتعسف لا يجد في نفسه احتراماً للقانون إن وجد.. كما أن السلطة لا تجد صعوبة في الالتفاف حول النصوص الدستورية والقوانين الضابطة لأدوار ومهام الأجهزة الأمنية، إذا أجيزت توصيات لجان الحوار الوطني حول الحريات.. أمر آخر لا بد من التنبيه له، هو أن الانشغال بسلطات واختصاصات جهاز الأمن يقلل من أهمية الحريات في مجالات أخرى. وقد يحرمها من اهتمام مستحق، فتضيع بسبب التركيز على موضوع الأمن.. فقد جاء ضمن توصيات الحوار حرية الاعتقاد ديناً ومذهباً. وندرك أهمية التوصية عندما نستصحب الحرج الذي وقعت فيه السلطة القضائية والنظام بأكمله عندما طبق مادة الردة المدرجة في القانون الجنائي، والمنسوبة إلى (إمام الحريات) حسن الترابي، الذي كتب أخيراً وصايا الحرية التي تبناها حزبه. كما شملت التوصيات حرية التجمع والتنظيم وحق المساواة والحماية من الرق والسخرة. تضعف توصيات أخرى بالإبقاء على سلطات واختصاصات الجهاز، مثل حق الخصوصية وحرية التعبير. ويمكن للجهاز أن يبدي تعاوناً للتخفيف من رفض قوى سياسية لسلطاته الواسعة، وذلك بأن يحصر ما منحه له الدستور في محاصرة وملاحقة المخاطر الناجمة عن وجود حركات متمردة مسلحة، وألا يبتذل (حقه) الدستوري بتحويله إلى تصفية حسابات شخصية، أو مصادرة صحيفة من المطبعة (بعد) الفراغ من طباعتها، وغير ذلك من أمثلة يشتط فيها الجهاز في استخدام سلطاته.. والطريق إلى الحريات طويل...; العرب