في فبراير من العام 1952 وعندما حل منتخب الهلال والمريخ المشترك ليتبارى مع منتخب الاتحاد والأهلي المشترك، في ما عرف بمباراة العاصمة ومدني التي انتهت بفوز كاسح للعاصمة بستة أهداف مقابل هدف، وشهدت وقتها أحداثا مثيرة، إلا أنه وفي مساء ذات اليوم بدأ تاريخ جديد للفن السوداني, وذلك عندما أدخل الفنان العملاق موضوع الغناء بمقابل, منهيا عقودا من الغناء المجاني وفاتحا بابا جديدا اسمه العداد. الصعاليك والصيع في بدايات الفن الغنائي السوداني كان يطلق على المغنين اسم (الصعاليك) و(الصيع)، ويتم طردهم من المنازل إذا بدرت عليهم بوادر الموهبة الفنية وأحيانا يصل ذلك حد التهديد بالقتل. وكما عانى المغنون في ذلك الزمان من غيرة ومنافسة الطنابرة وأهل الكركرة والكرير، ومزاحمتهم في الحفلات، لدرجة أن مغنيا في قامة الحاج محمد أحمد سرور كان يغني بيد ويلاكم باليد الأخرى لأحدهم أو روسية لآخر، وهو يغنى دون أن يتأثر المستمع، ليعكس حال الغناء حينها. بليلة مباشر وكان مقابل الغناء في الغالب وجبة العشاء والمشروبات المختلفة التي كانت متوفرة ومتاحة في ذياك الزمان، وكما يكون التأمين واجبا عن طريق البلطجية والفتوات والرباطة المعروفين والمشهورين والذين هم أيضا كانوا يتقاضون أجورهم أكلاً وشرباً وطرباً، وباقي المتاح من المباهج والسمر في ليل العاصمة الأليل ذاك، وعلى ضوء الرتاين والشموع: شربناها فلما دب دبيبها إلى موضع الأسرار قلت لها قفي لكيلا يعلم سماري سري الخفي كل زول براو بدأت الإذاعة وقتها تقسيم المطربين لدرجات أولى وثانية وثالثة، وتحديد الأجر والعداد حسب الدرجة، ويقوم بعدها الفنان بتوزيع الغلة على العازفين والكورس حسب المتفق عليه، وبدأت أولى المشاجرات وقتها في بدايات الستينيات, لدرجة اشتباك الفنانين مع العازفين في الكواليس وبعد انتهاء الحفلات, ولم يكن غريبا أن يصعد الفنان للفاصل الأول وهو سليم معافى، ليعود ويؤدي الفاصل الثاني غضبان أسفا، أو مصابا وبه ضمادات، وكلوا بسبب العداد. الحسابة بتحسب وكما قال عادل إمام في فيلمه الشهير (عنتر شايل سييفو)، فإن سيف العداد البتار استل من نصله بصورة حادة أواخر التسعينيات وأدى إلى انهيار كثير من الفرق الفنية والجماعات الموسيقية, وتوزع أفرادها أيدي سبأ، ومنهم من انفصل ليكون فرقة خاصة أو يغني منفردا, وآخرون اعتزلوا نهائيا، وكان الجميع يحاول إبراز الأمر، وكأنه اختلاف في الرأي أو وجهات النظر, لتبرير انفراط العقد والصحوة في الابتكار ولكن الواضح، أن العداد هو من يقف وراء كل ذلك: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك أن شيمتك الحياء الجلد والراس وكثيرا ما يحاول بعض المطربين أو العازفين بيان أنهم أهل الجلد والراس، وأن الفرقة من غيرهم لا تساوي شيئاً، وكأنهم المتنبئ عندما قال: وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا فدع كل صوت غير صوتي فإنما أنا الطائر المحكي والآخر الصدى ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى وتبدأ الظاهرة العدادية في الحرن والحرد والخروج على الزمن والتغيب وغيرها من الإشارات، وما يلبث الأمر أن يتسرب للصحف والإعلام وبعدها يبدأ الشد والجذب والتهاتر ومن ثم الانقسام والتشتت، كما حدث للكثير من الفرق والمجموعات. الساقية لسة مدورة وتبدأ القصة بظهور جماعة أو فرقة بصورة ملفتة وقوية وبعدها تنال الظهور الإعلامي والحفلات المستمرة، وبعد برهة يتم عمل لقاءات فردية مع بعض الأفراد، يلي ذلك ظهور بعض أفراد الفرقة في أداء خاص وفردي، وهنا يتذوقون حلاوة العداد الفردي: حد يشعر بالسعادة ويمشي يختار البعاد ومنها يبدأ الشعور بالغطرسة والتكبر والنرجسية وما يلبث أن ينزاح أحد الأفراد لتحاول الفرقة ولم الشمل والتعويض بآخرين، ولكن لما كان الأصل ليس كالصورة، فإن العداد ينتصر ويقضي عليها في قسوة وصرامة. لم ينجح أحد وللأسف، فإن معظم – إن لم يكن كل – فرقنا الفنية لم تنجح في امتحان العداد، ورسبت بامتياز, ولا يزال العداد يحصد أرواح المجموعات، ولا ترياق له ولا علاج، سوى القناعة والاقتناع والرضا, وهي مراحل لا يزال الوصول إليها مبكرا إن لم يكن عصيا، ونقول للعداد على لسان الفرق (رحمها الله): نراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر فقال لقد أزرى بك الدهر بعدنا فقلنا معاذ الله بل أنت لا الدهر ولا حول ولا قوة إلا بالله! اليوم التالي