في مقاله بصحيفة الراكوبة الغراء فتح د. حيدر ابراهيم ---كعادته--- نافذة هامة للنقاش حول قضايا بلادنا فانبرى له الكثيرون مابين مؤيد ومعارض وان كانت بعض الردود اتسمت بمخاشنات لفظية. ان الصراع في بلادنا ليس صراعا عرقيا او دينيا او جهويا ، وهو صراع استمر منذ ان نالت بلادنا استقلالها السياسي في العام 1956، وقد فاقمت الجبهة الاسلامية من حدة هذا الصراع باستيلائها عنوة على السلطة في العام 1989 ،وانما الصراع يتجذر في التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية ، تلك التشكيلة التي قوامها القوى المنتجة في بلادنا من رعاة ومزارعين وحرفيين وعمال صناعات صغيرة ، هذه القوى المنتجة لاتملك وسائل انتاجها ، تلك الوسائل مملوكة لافراد اوجهاز الدولة ، وهذه القوى المنتجة لاتستفيد من ريع او فائض انتاجها الذي يذهب لمالكي وسائل الانتاج وفق نظرية فائض القيمة Surplus value ---وقوام التشكيلة الاجتماعية هي ماتعرفه الماركسية وفق قوانينها الموضوعية بالبناء التحتي في مقابل البناء الفوقي الذي يتكون من تصورات ورؤى وافكار الطبقة المسيطرة اقتصاديا --- وهذه الطبقة ذات طبيعة (كمبرادورية) اي تقوم بدور الوساطة والسمسرة للرأسمالية العالمية في بيع منتجات المنتجين والاستئثار بفائض القيمة ، ذلك الفائض الذي لايعود للمنتجين في شكل خدمات وتنمية وزيادة منتجاتهم او توفير الرعاية والعناية البيطرية لمواشيهم او توفير مدخلات الانتاج لمنتجاتهم ، وغني عن البيان ان جهاز الدولة منذ ن انشأه المستعمر كانت مهامه توفير تلك المواد الخام والمنتجات للاسواق الرأسمالية ، وهو ذات الجهاز الذي ورثته الطبقة المسيطرة اقتصاديا فيما عرف وقتها بعملية ( السودنة) ، ولما كانت طبيعة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية هو الطابع الجماعي للانتاج فأن هذه التشكيلة بتلك الصفة لايمكن تصنيفها اثنيا او عرقيا ، بل يستوي المنتجون في غرب السودان وشرقه ووسطه وشماله وجنوبه ، كما ان الطبقة المسيطرة اقتصاديا وبالتالي تشكل قوام جهاز الدولة ، فأنه كذلك لايمكن تصنيفها جهويا او اثنيا ، فهي تضم مجموعة انتهازيين يغبشون وعي الجماهير عن حقيقة طبيعة الصراع وذلك من اجل الوصول لكراسي الحكم عبر صناديق الاقتراع ، او مجموعة برجوازية صغيرة تستولي على السلطة عبر انقلاب عسكري ، وهكذا كان تاريخ السودان حتى استيلاء الجبهة الاسلامية على الحكم في العام 1989 ، وهي حزب الرأسمالية الطفيلية، قلب نظام الحكم في البلاد للاستئثار بثروات البلاد تحت مظلة تطبيق شرع الله والتوجه الحضاري وهي خدعة كذبها الواقع ، اذ ان النظام ابرز اسوأ وجه للرأسمالية الطفيلية ، وما محاولته كسب ود الامريكان الا دليل على ما نقول ، وهذا النظام بشراهته تلك التي لم يسبقها اليه غيره من الانظمة التي تعاقبت على حكم السودان --- في اكتناز ثروات السودان في باطن الارض اوظاهرها وبيع تلك الثروات للرأسمال العالمي ، وحتى يتحقق له ذلك سعى للمحافظة على السلطة بكافة الاشكال من اشعال للحروب في انحاء البلاد وقتل وقمع المعارضين ، حتى وصل به الحال فصل ثلث البلاد ، انني اتفق تماما مع توصيف د.حيدر لطبيعة الصراع في انه ذو طابع اقتصادي اجتماعي، وقد ذهب الاستاذ/ الطيب الزين في رده على د.حيدر ابراهيم (الراكوبة 26/6/2017) الي ان احد ابناء الهامش في السودان لم يتولى السلطة يوما كتأكيد على طبيعة التهميش --- كما ذهب الكاتب---- ولكن الواقع ان مسألة التهميش لم ولن تزول ان تولى السلطة عبدالواحد نور اومني اركو او عبدالعزيز الحلو اواي من قادة مؤتمر البجا في ظل جهاز دولة هكذا حاله وتلك طبيعته كم وضحنا اعلاه ----- ان ازالة التهميش في بلادنا يرتبط ارتباطا موضوعيا بانجاز وتحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية ، تلك الثورة التي تنجز الديمقراطية بابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والتي فيها تتتحقق التنمية المتوازنة والحكم الرشيد وما يتضمنه من سيادة حكم القانون والفصل بين السلطات ، والمساواة بين كافة ابناء الوطن دون تفرقة بسبب النوع او العرق اوالمنبت الاجتماعي او الرأي والانتماء السياسي ، وجعل تلك التفرقة جريمة يعاقب عليها القانون ، كما ان الاعلام الحر يساعد على تنمية تقافات كل المجموعات العرقية واظهارها والتعبير عنها مما يوفر التلاقح بين الثقافات المختلفة لخلق ما يعرف بالمثاقفة توطئة لايجاد ثقافة سودانوية ثرة ، انني اتفق مع د. حيدر ان طول بقاء هذا النظام اوجد لدى بعض مثقفينا ميلا للعنف اللفظي ، تأثرا بعنف النظام الفعلي واللفظي ، كما ان سياسته في اعلاء الوجه العروبي للسودان دون غيره من وجوه وازكاء النعرة القبلية والعنصرية الضيقة واستمالته لبعض القبائل ضد بعضها الاخر تطبيقا لسياسة فرق تسد من اجل بقائه في السلطة لاطول اجل ممكن ، كل ذلك اوجد لدى البعض منا اليأس من هزيمة هذا النظام والانكفاء قبليا اوجهويا ، وما شعار تقرير المصير لاثنية معينة اوجهة محددة الذي يروج في هذه الازمنة ، ماهو الاروح انهزامية وتثبيط للهمم في مواجهة المعركة الكبرى معركة اسقاط النظام واقامة البديل الديمقراطي ، فلتكن دعوتنا لنتضامن جميعنا في شرق السودان وغربه وسطه وشماله وجنوبه ، ونعمل سويا لاسقاط هذا النظام الفاشستي الفاشل واقامة البديل الديمقراطي في وطن خير ديمقراطي ، بل يحدونا الامل في استعادة الوحدة مع جنوبنا الحبيب في وطن بلا تمييز ينعم بنوه بخيراته دون تفرقة لاي سبب كان ، فهل هذا بمستحيل على شعب هزم دكتاتوريتين عسكريتين سابقتين . [email protected]