منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرديري محمد أحمد يكتب: الإجراءات التي اتخذت ضد قطر تماثل في عدم قانونيتها الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد السودان في سنة 1997
نشر في الراكوبة يوم 10 - 07 - 2017

ليس في الدبلوماسية والعلاقات الدولية حبٌ من أجل الحب.. وليست هناك صداقات دائمة... وإنما هناك مصالح دائمة، لهذا فإن المطلوب من السودان أن يقف مع نفسه، لا أن يقف مع أحد
ظلت السعودية تفاوض مصر حول الحدود البحرية لسنوات ست طوال معتبرة حلايب مصرية وإقليمها البحري إقليماً مصرياً
إذا ما كان اعتراف السعودية باحتلال مصر لحلايب قد ثبت فيما مضى من خلال القرائن والأدلة غير المباشرة، فهو قد ثبت اعتباراً من يوم 11 يونيو 2017 بالدليل المباشر المقدم من جانب مصر، غير المنكور من جانب السعودية
في الأسبوع المنصرم ضجّت الساحة السياسية السودانية، على اختلاف مشاربها وطيوفها، استنكارًا للحديث الصحفي للسفير السعودي الذي طلب فيه من الحكومة أن تتخذ موقفاً واضحاً من دولة قطر بعد انتهاء المهلة الخليجية. وقد أفاض المعلقون في بيان كيف أن ذلك الحديث قد فارق أعراف الدبلوماسية وإن حاول السفير تداركه بالقول إنه جاء من باب الرجاء. فالرجاء في الخطاب الدبلوماسي طلبٌ، بل هو أحياناً أمرٌ وتوجيه. ومن ثم فإننى لا أرى من حملوا على السفير السعودي إلّا محقين. فقد سلخت من عمري نحو العقدين في أروقة الدبلوماسية قلما شهدت فيها سفيرًا معتمداً لدى دولة يقف منها على رؤوس الأشهاد موقف الواعظ المُغلِّظ. وإذا ما ندّ عن ذلك أحياناً بعض سفراء الدول الكبرى، عتواً وعنجهيةً وليس لياقةً ودبلوماسيةً، فهم يفعلون عندما يتعلق الأمر بإخلالٍ جهير بأعرافٍ دوليةٍ تعد موضعاً للإجماع العالمي الشامل. ذلك مثل المطالبة -حال السلم- باحترام حقوق الإنسان، أو الدعوة- حال الحرب- لالتزام القانون الدولي الإنساني. أما حين يقتصر الأمر على المفاضلة بين خيارات السياسة الخارجية، حين تتشعب طرائقها قدداً، يتحاشى حتى هؤلاء الاجتراء على الدول المضيفة علناً بغية أَطرِها على اقتفاء آثار بلدانهم أو التزام نهجها. فذلك ما لا تبرره إلّا شرعة "كل من ليس معنا فهو ضدنا" المنكرة التي ابتدعها الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن في حرب الخليج الثانية. ومهما يكن، فإذا ما وقع ذلك من أحدهم فإنه قلما ينجو بفعلته. ففي مثل هذه المواقف تنشد الأمة المستضعفة مع المعري:
ولا يغرنك طول الحلم مني * فما أبداً تصادفني حليماً
بل قد تردد مع المتنبي:
فلا عبرت بى ساعةً لا تعزني * ولا صحبتني مهجةً تقبل الظلما.
إلا أنني لا أُحبِّر كل هذا المقال لمجرد الخوض في هذا. فالخطب الذي بين أيدينا أجلّ من أن ننشغل عنه بإطالة النظر في ما قاله السفير أو لم يقله. فالسودان، هذا البلد الفقير المجاور لدول الخليج الغنية كثيرة الأزمات، يمر بلحظة تاريخية يتعين عليه فيها أن يتخذ قراره إزاء أزمة الخليج الثالثة في هذا الجيل. وسوف تكون للقرار الذي تتخذه الخرطوم عواقب وآثار تنداح في المكان فتشمل بني السودان كافة العاكف منهم في الوطن والبادي في المهاجر، وتمتد في الزمان متجاوزة هذا الجيل من الناس للأبناء والأحفاد. ومن ثم يتوجب علينا ونحن نتملّى موقفنا من هذه الأزمة أن نضع في الاعتبار أنه مطلوب منا مراعاة كل هذا... بل مطلوب أن نتخذ موقفاً يكون صالحاً لأن يبني عليه سودان الغد ويقايس حين يواجه بأزمة الخليج القادمة. والمقال كله دعوة للسودان، وهو يجيل النظر في هذه الأزمة ويقلب ما هو متاح من خيارات، إلى أن يتخذ موقفه منها ناظراً في ما يعنيه هو، ليس في ما يعني غيره. ساعياً لما يصلحه هو، ليس مجاملاً لأحد. وقبل كل ذلك وبعده فإن هذا المقال دعوة إلى أن يستهدي السودان في موقفه من أزمة الخليج الماثلة بالقانون الدولي. فمعايير القانون الدولي ومبادؤه ينبغي أن تكون أول ما تلتمسه الدولة المستضعفة وتلوذ به، بعد الهدي الإلهي، حين تشتجر خطوب الدبلوماسية وتنبَهم مساربها. ولعمري ما ندمَت أمة التزمت الشرعة الدولية وإن جرّ ذلك عليها عاجلاً ما جرّ. ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح... والعبرة في الأمور كلها بالخواتيم وليست بحسن الاستهلال.
غير أنني أتخذ من حديث السفير مدخلاً لهذا كله. حيث لا أرى السفير السعودي إلا محرضاً السودان للخروج عن القانون الدولي جملةً. كما لا أخاله إلا داعياً الخرطوم لممالأة الرياض اصطفافاً معها ضد الدوحة، متناسياً ما فعلته بلاده بالأمس القريب حين خرقت القانون الدولي صُراحاً مؤازرةً لمصر بشأن حلايب. كذلك لا أحسبه إلا داعياً السودان لإعلاء مصلحة الغير وليس لتقدير اعتباراته الخاصة ومصلحته الوطنية. وأُفصِّل في ذلك كله أدناه.
إن الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات ومن آزرهما ضد قطر تعد في القانون الدولي من قبيل الإجراءات القسرية الأحادية. فذلك هو المصطلح القانوني الذي يطلق على العقوبات التي تتخذها دولة ضد أخرى بغرض إجبار الدولة المستهدَفة على تغيير سياستها الخارجية. وتشمل هذه الإجراءات عادة المقاطعة التجارية ووقف التدفقات النقدية والاستثمارية. كما تشمل ما تسمى "العقوبات الذكية" التي يشار بها إلى تجميد الأرصدة وحظر سفر المسؤولين. فحين تتخذ دولة أو مجموعة من الدول مثل هذه الإجراءات ضد دولة ما، دون أن يكون ذلك إنفاذاً لقرار من مجلس الأمن صادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فإن ذلك يعد مخالفاً للقانون الدولي كونه يفتئت على سلطة مجلس الأمن في الاستئثار باستخدام القوة (عسكرية كانت أو اقتصادية) في الساحة الدولية ... وهذه السلطة التي ينفرد بها مجلس الأمن هي حجر الزاوية في النظام العالمي الراهن. وقد تواترت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التي تعتبر الإجراءات القسرية الأحادية "غير متوافقة مع القانون الدولي". بل إن إعلان وبرنامج عمل ڤينا الذي تبناه المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان عام 1993، والذي يعد العمدة في صياغة النظام العالمي بعد الحرب الباردة، قد أهاب بالدول أن تمتنع عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات "كونها لا تتفق والقانون الدولي، وتعارض ميثاق الأمم المتحدة، وتنصب العوائق أمام التجارة العالمية، وتحول دون تحقيق الاحترام التام لحقوق الإنسان". مؤخراً كلفت الجمعية العامة للأمم المتحده مقرراً خاصاً لرصد الآثار السالبة للإجراءات القسرية الأحادية هو الدكتور إدريس جزائري الذي زار السودان في هذا الإطار قبل حوالي العامين.
ومن ثم فإنه لا يختلف اثنان في أن الإجراءات التي اتخذتها السعودية ومن معها ضد قطر تعد مخالِفة للقانون الدولي. وأشير في هذا السياق إلى "تحفظ" القانوني الكويتي الدكتور فايز النشوان، المختص في القانون الدولي لمكافحة الإرهاب، على قانونية الإجراءات التي أعلنت ضد قطر رغم موقف بلاده المحايد من الأزمة. وتقريباً للصورة، فإن الإجراءات التي اتخذت ضد قطر تماثل في عدم قانونيتها الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد السودان في سنة 1997 حين أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون الأمر التنفيذي رقم 13067 الذي فرض حظراً تجارياً على السودان وحجز الأصول الحكومية السودانية. وهي العقوبات التي لا نزال نعاني من آثارها حتى اليوم ونطمع في رفعها في الثاني عشر من يوليو الجاري. ليس ذلك فحسب، إذ ذهبت السعودية ومن آزرها مذهباً في التضييق على قطر يعد أكثر إيغالاً في مخالفة القانون الدولي من مجرد فرض الإجراءات القسرية الأحادية. بل هو منهج لم يسبق السعودية عليه أحد من العالمين.
إذ تضمنت الإجراءات التي فرضت على قطر منعاً لعبور سفريات الخطوط الجوية القطرية فوق أراضي السعودية وحلفائها في مخالفة صريحة لمعاهدة شيكاغو للطيران المدني العالمي للعام 1944. تنص تلك المعاهدة على خمس حريات تلتزم جميع الدول الأطراف بكفالتها ولا يجوز مطلقاً تعليقها أو الانتقاص منها. والحريتان الأولى والثانية هي الأشهر والأهم من بين هذه الحريات الخمس. فالحرية الأولى هي التي تضمن للطائرات التجارية الحق في عبور أجواء كل الدول الأطراف. أما الحرية الثانية فهي التي تكفل للطائرات التجارية العابرة الحق في الهبوط الفني بمطارات الدول الأطراف للتزود بالوقود وخلافه وإن لم تحمل بضائع أو ركاباً من أو إلى المطار المعين. لأهمية هاتين الحريتين ولعظم أثرهما، خُصصت لهما اتفاقية تُفصِّل الالتزامات المترتبة بموجبهما تعرف اختصاراً باتفاقية الحريتين"Two Freedoms Agreement". صادقت على هذه الاتفاقية أكثر من 130 دولة بينها السعودية والدول الأخرى التي أنكرت على الطيران القطري حقى العبور والهبوط. ولأن هاتين الحريتين قد صارتا جزءاً من القانون الدولي العرفي الملزم قطعياً لجميع الأمم، لم تجترئ حتى الولايات المتحده على المساس بهما حين أطبقت بحصارها التاريخي على كوبا أو حين فرضت عقوباتها الصارمة على كوريا الشمالية. هكذا يتضح أن دعوة السفير السعودي السودان الى أن يتبنى موقفاً منحازاً لبلاده بعد انتهاء المهلة الممنوحة لقطر هي دعوة صريحة لخرق القانون الدولي. ذلك أنها محاولة لإشراك السودان في فرض الإجراءات القسرية الأحادية على قطر وتوسيع نطاقها، بل هي مناداة إلى أن يخل السودان بالتزاماته القانونية المغلظة بكفالة حريتي العبور والهبوط الراسخة عرفاً والثابتة عهدًا.
والشيء بالشيء يذكر، فالسعودية التي تطالبنا اليوم أن نخالف القانون الدولي مجاملةً لها، قد أخلت بالأمس القريب بأحد أهم المبادئ القانونية، ألا وهو مبدأ عدم الاعترافprinciple of non-recognition، مجاملةً لمصر على حسابنا. إذ أبرمت السعودية في الثامن من أبريل 2016 معاهدهً لتعيين حدودها البحرية مع مصر تمتد بحدود مصر البرية جنوباً حتى خط العرض 22. ومن ثم فقد اعترفت السعودية عياناً بياناً ودون أي مواربة باحتلال مصر لحلايب في مخالفةٍ بَلقاءَ للقانون الدولي وفي إخلال بين بمبدأ عدم الاعتراف بالأوضاع الناجمة عن الاحتلال. ظلت السعودية تفاوض مصر حول الحدود البحرية لسنوات ست طوال معتبرة حلايب مصرية وإقليمها البحري إقليماً مصرياً. كشف عن ذلك تقرير الخارجية المصرية المقدم للبرلمان المصري في 11 يونيو الماضي، الذي جاء فيه أن تلك المفاوضات ظلت تدار استناداً على القرار الجمهوري المصري رقم 27 لسنة 1990 الذي يُدخِل إقليم حلايب ضمن مصر. وبالرغم من أن علاقات السودان بالسعودية لم تكن جيدة عام 2010، إلا أن ذلك لا يعفي السعودية من واجبها القانوني بعدم الاعتراف باحتلال مصر لحلايب. واذا لم تبال السعودية بالقانون الدولي عام 2010 نكاية في السودان، فإنه كان بوسعها التمسك بمبدأ عدم الاعتراف في عام 2016 بسبب تحسن علاقاتها بالسودان بعد إطلاق عملية عاصفة الحزم. غير أن ذلك لم يحدث. بل صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للصحفي المصري عبد الرحيم علي، في لقاء جمع الوزير بذلك الصحفي ضمن لفيف من الإعلاميين المصريين، أنه في مقابل حصولها على جزيرتي تيران وصنافير تنوي السعودية مساعدة مصر في استرداد حلايب. فقد نُقل عن الوزير السعودي قوله عن الجزيرتين "هي أرض سعودية عادت إلينا، وجاءت فى إطارترسيم الحدود، وأعتقد أنالسعودية ستساعد مصرفي ترسيم حدودها الجنوبية بمايحفظ حقوقها في حلايب وشلاتين". بالرغم من هذا التصريح السعودي، المنشور في 12 أبريل 2016، وبالرغم من البيان التوضيحي الذي أصدره مجلس الوزراء المصري في التاسع من أبريل 2016 مؤكدًا ان الحدود البحرية التي تم تعيينها مع السعودية "شملت منطقة حلايب المتنازع عليها مع السودان"، بالرغم من ذلك كله تغابى السودان، حرصاً على العلاقة الوليدة مع السعودية التي عُمِّدت بالدم في اليمن، فتمسك بأن الاتفاقية المبرمة بين البلدين لم تعلن رسمياً. وعندما لم يجد وزير الخارجية السوداني ما يطمئنه من الجانب السعودي، الذي يفترض أنه صديق بل حليف، اضطر الوزير لمخاطبة رصيفيه السعودي والمصري معاً في أبريل الماضي طالباً منهما رسمياً موافاة السودان بنص تلك الاتفاقية. وغني عن القول إن الرياض قد تجاهلت ذلك الخطاب تماماً مثلما تجاهلته القاهرة، فلم ترد عليه حتى اليوم.
إذا ما كان اعتراف السعودية باحتلال مصر لحلايب قد ثبت فيما مضى من خلال القرائن والأدلة غير المباشرة، المشار إليها أعلاه، فهو قد ثبت اعتباراً من يوم 11 يونيو 2017 بالدليل المباشر المقدم من جانب مصر، غير المنكور من جانب السعودية. ذلك أن تقرير الخارجية المصرية المشار إليه أعلاه، وبالرغم من أنه لم يورد نص الاتفاقيه السعودية المصرية، قد تضمن الخريطة التي أرفقت بتلك الاتفاقية والتي امتدت بحدود البلدين البحرية جنوباً حتى خط العرض 22 مُدخلةً في الإقليم المصري مثلث حلايب المحتل. وقد نشرت هذه الخريطة، التي تجدها مع هذا المقال، صحيفة اليوم السابع المصرية. وهكذا ثبت يقيناً أن السعودية اعترفت باحتلال مصر لحلايب. ليس ذلك فحسب، بل التزمت الرياض للقاهرة بضمان تنازل الخرطوم عن المطالبة بحلايب. هكذا خرقت السعودية القانون الدولي بالأمس مجاملة لمصر على حسابنا... فهل يحق لك يا سعادة السفير أن تطالبنا اليوم بأن نخرق القانون الدولي مجاملة لبلادك على حساب قطر! مالكم كيف تحكمون!
غير أنه ينبغي أن أنبه في خاتمة هذا المقال المرير إلى أنني لا أدعو إلى الوقوف مع قطر ضد السعودية. وإنما أدعو إلى ألّا ينجر السودان إلى أي موقف مع هذه الدولة أو ضد تلك. فمثلما لا يستقيم أن نقف مع السعودية والطعنة النجلاء في الظهر لا تزال نازفة... فإنه لا يستقيم أن نقف مع قطر في صراعها على الزعامة في الخليج. فهو صراع بيّتت له قطر النية بليل، وأعدت له العدة منذ أمد، وأحكمت التدبير مع من أرادت واتصلت بمن رأت لضمان إنجاحه. ولم نكن نحن طرفاً في كل هذا أو حتى في بعضه. لكننا لا نلوم قطر على عدم استشارتنا في ذلك أو مجرد إخطارنا به ... فهو كله شأنها الخاص. ومن ثم لا ينبغي أن تلومنا حين نعكف نحن على معالجة وتدبير شأننا على نحو مستقل عنها، ولا نربط موقفنا بموقفها. فمن كان منا غافلاً في ما مضى عن طبيعة الصراع الضاري في الخليج فقد كشف لهما أفاض الجانبان في نشره بكثافة في الأسابيع القليلة الماضية ما كان خفياً من أسرار أو مسكوتاً عنه من حيل ومكائد. بل لا ينبغي أن نعلن حتى الحياد... فضلاً عن أن نزمع إطلاق وساطة. فالحياد موقف للقريبين من الصراع. ذلك أن الحياد يعني أن تقف على ذات المسافة من حجج الطرفين ومواقفهما. وفي ذلك إقحام للسودان في وزن هذه الحجج وتقدير تلك المواقف. أما الوساطة فلا تجمل إلا من ذوي النفوذ الذين لهم على الطرفين دالة وسابقة غير منكورة. وذلكم ما لم يعد له السودان العدة أو تتوفر له أسبابه. وإذا ما كان الحياد والوساطة مما يليقان بالكويت وعمان، كونهما بعض دول الخليج حيث يدور النزاع، فلا الحياد أو الوساطة مما يناسب السودان. فمثلما لا يعنينا، مثلاً، أن نعلن الحياد في أزمة الكوريتين المستعرة حالياً، بل ربما نمتنع حتى عن التوسط في أزمة جيبوتي وأرتريا التي نشبت بعد انسحاب القوات القطرية من جيبوتي، فإننا لسنا بحاجة لأن نجهربحيادنا في صراع الرياض وأبو ظبي مع الدوحة على السيادة والريادة في الخليج العربي...أو أن نعلن حيادنا في نزاعهم حول أيهم أولى باستضافة قاعدة العديد العسكرية الأمريكية! ثم إن إعلان الحياد لن (يَحلّنا) كما نقول بالدارجية! ذلك انه لن ترضى عنك السعودية ولا الإمارات حتى تتبع ملتهما. فالأرجح أن حلف السعودية سوف يعلن قريباً مبدأً شبيها بمبدأ بوش ويعتبر أن كل من لا يقف معه يقف ضده... وهكذا يجد السودان نفسه، وربما رغم أنفه، معدودًا من بين مناصري قطر مثلما عُدّ مناصراً للعراق حين أعلن الحياد عام 1990. وحيث أن أيادي قطر البيضاء على السودان تماثل أفضال العراق عليه حينها... وحيث أن ما قامت به قطر، وقوفاً مع السودان ومناصرة له، ليس له نظير من جانب السعودية والإمارات اللتين لا تزالان تشددان النكير على السودان حصاراً مصرفياً وتضييقاً مالياً، فإن الحياد سيتطور عاجلاً غير آجل إلى تأييد معلن لموقف قطر. وليس ذلك بمطلوب السودان أو في مصلحته. فإذا ما كانت قطر قريبة منا يوماً وكانت تتصدى لمعالجة شواغلنا زمانًا، فإن ذلك لم يكن لسواد أعيننا ... وإنما كان ما بذلته قطر، سواءً في دارفور أو غيرها، خدمة لمصالحها هي وإنفاذًا لاستراتيجيتها الرامية لتعظيم دورها في المنطقة. إذ ليس في الدبلوماسية والعلاقات الدولية حبٌ من أجل الحب. فليست هناك صداقات دائمة... وإنما هناك مصالح دائمة. لهذا كله فإن المطلوب من السودان هو أن يقف مع نفسه، لا أن يقف مع أحد. المطلوب منه أن يقف ضد انتهاك القانون الدولي (الذي يساوي بين الفقير مثله والغني كالسعودية وقطر) لا أن يقف ضد أحد. ليس مطلوباً من السودان أن يحايد في هذه الأزمة وإنما المطلوب منه أن يبتعد عنها تماماً، فضلاً عن أن يتوسط. وكم وددت لو أننا سعينا في قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة لإيجاد إجماع على أن تنأى الدول الأفريقية مجتمعةً وفُرادى عما يجري في الخليج. فتهيب القمة الأفريقية بالأطراف الخليجية التزام القانون الدولي ... وتطلب منها بشكل خاص أن توقف أي إجراءات قسرية أحادية تم اتخاذها، وأن تحترم الدول الأطراف في معاهدة شيكاغو التزاماتها التعاهدية... وتناشد الطرفين أن يسعيا لحل أي خلافات بينهما عن طريق التفاوض المباشر. كم كان ذلك هو الموقف الأجدر بالاتحاد الافريقي اتخاذه! وكم كان سيبدو مشرفاً، خاصة مع مرابطة وزير الخارجية السعودي بأديس أبابا! كم كان ذلك أفضل من قرار القمة الأفريقية تكليف رئيسها، الرئيس الغيني ألفا كوندي، بقيادة مبادرة للوساطة ليس مأمولاً أن يأخذها أي من الطرفين على محمل الجد. والأهم من ذلك، كم كان السودان محتاجاً لمثل هذا الإجماع الأفريقي ليوفر له المظلة المطلوبة لحمايته من الغلواء الخليجية إذا ما أزمع النأي بنفسه بعيداً عن هذا الصراع الذي لا ناقة له فيه ولا جمل... وكم كان ذلك سيتيح للسودان الفرصة لأن ينجو بنفسه من التصنيف مع دول الضد أو دول المع الذي حاق بنا في أزمة الخليج مع العراق فأدى إلى التضييق علينا وعلى مغتربينا. بل كم كان سيدفع عنا ذلك موعظة السفير السعودي ويجنبنا تبكيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.