زهير السراج * إعتبر الكثيرون، وعلى رأسهم حكومة السودان، ان القرار الامريكى بتأجيل النظر فى أمر العقوبات لمدة ثلاثة أشهر أخرى، لم يكن فى صالح الحكومة السودانية، ولكنه عكس ذلك تماما، فلقد جاء صالح حكومة السودان مائة فى المائة، لسبب فى غاية البساطة، وهو أنه لو صدر كان سيكون أسوأ بكثير، وربما امتدت المهلة أو فترة الإختبار الى مدة أطول (ستة أشهر أو عام )، فالحكومة السودانية على الأقل من وجهة النظر الأمريكية لم تُلبِ بشكل وافٍ المطالب التى اشتمل عليها القرار التنفيذى رقم (13761 ) الذى اصدره الرئيس الامريكى فى يناير الماضى بالرفع الجزئى للعقوبات، ثم النظر فى رفعها بشكل نهائى أو لا، خلال أو بعد ستة اشهر، بمعنى إما أن تلغى العقوبات بشكل نهائى أو يتم تجديد فترة الاختبار (لم يحدد القرار المدة الزمنية)، وهما الخياران الوحيدان اللذين حددهما القرار!! * المطالب هى: إستمرار وقف العدائيات فى مناطق الاقتتال، تسهيل وصول الإغاثة للمتضررين فى كل انحاء السودان، دعم الاستقرار فى دولة جنوب السودان، وقف التعاون مع جيش الرب، واستمرار التعاون مع الولاياتالمتحدة فى مجال مكافحة الارهاب!! * لو نظرنا الى ارض الواقع بغض النظر عن التصريحات الكثيرة التى ظلت تطلقها الحكومة السودانية عن وفائها بهذه المطالب لاكتشفنا أن الحقيقة غير ذلك تماما، فالعدائيات والاتهامات المتبادلة بين اطراف الصراع ظلت تنطلق من فترة لأخرى رغم القرارات الكثيرة التى اصدرها الرئيس البشير بوقف اطلاق النار من الجانب الحكومى، كما ظل المواطنون فى بعض مناطق الصراع محرومين من وصول الاغاثة، بغض النظر عن من هو المتسبب فى استمرار العدائيات او حرمان المواطنين من الاغاثة، فالقارئ بشكل جيد للقرار التنفيذى الأمريكى للرئيس اوباما يعرف انه لم يدخل فى مثل هذه التفاصيل، وانما إشترط على الحكومة العمل على استمرار وقف العدائيات وتسهيل وصول الاغاثة، ولم يحدد كيفية ذلك او يشترط تعاون الاطراف الاخرى!! * بالنسبة لدعم الاستقرار فى جنوب السودان، فلقد ظلت المشاكل والاتهامات المتبادلة بين حكومتى السودان وجنوب السودان مستمرة ولم تتوقف، مما كان له اثر سلبى بدون شك على استقرار الدولة الوليدة!! * أما بالنسبة لملف الإرهاب، فلقد حدث نوع من التقدم، وذلك بقطع السودان لعلاقته بإيران (إحدى الدول الموضوعة على القائمة الأمريكية للدول الممولة للإرهاب)، فضلا عن مشاركة السودان فى حرب اليمن ومناصرة الحلف السعودى الامريكى، وهو تقدم ملحوظ فى ملف الارهاب، رغم الاتهامات التى ظلت بعض اطراف الصراع الليبى تطلقها ضد الحكومة السودانية بتقديم العون لتنظيمات ارهابية فى ليبيا!! * بخصوص جيش الرب، فإن التعاون بينه والحكومة السودانية ظل أمراً يحدث فى الخفاء منذ بدايته قبل سنوات طويلة جدا، ولا يعرف أحد إلا أجهزة الاستخبارات إن كان قد توقف أم لا، إلا أن اعتزال زعيمه المعروف (جوزيف كونى) يرجح توقف هذا التعاون !! * إذن، فمن وجهة النظر الأمريكية، أو حتى من وجهة نظر محايدة تماما، فإن المطالب لم تُستَوف بشكل كامل، وكان من المفترض حسب الخيارين اللذين حددهما القرار التنفيذى للرئيس أوباما (رقم 13761 ) أن يُصدر الرئيس (دونالد ترامب) قرارا بتمديد فترة الاختبار على الاقل لمدة ستة أشهر أو عام، حسب التوصية التى تقدمت بها بعض المنظمات الحقوقية وجماعات الضغط الأمريكية!! * ولكن القرار التنفيذى الذى صدر بتاريخ 11 يوليو، 2017 والمعنون (تعديل القرار التنفيذى رقم 13761 لمنح المزيد من الوقت للتعرف على الجوانب الإيجابية التى إتخذتها حكومة السودان)، أكتفى بمهلة قدرها ثلاثة أشهر، أو حسب النص الرسمى للقرار: تعديل (تاريخ) البت فى العقوبات الذى نص عليه القرار رقم (13761 )، من 12 يوليو، 2017 الى 12 أكتوبر، 2017 ، وذلك للنظر فى القرارين التنفيذيين (13076 و 13412 ) وهما القراران اللذان بموجبهما فُرضت العقوبات على السودان فى 3 نوفمبر، 9971 و17 اكتوبر، 2006 على التوالى، بواسطة الرئيسين (بيل كلنتون وجورج بوش الإبن)، وإتاحة المزيد من الوقت للادارة الامريكية للنظر فى الاجراءات التى اتخذتها حكومة السودان بخصوص المطالب وردت فى القرار (13761 ) الذى اصدره الرئيس أوباما، وتحليلها بشكل وافٍ بواسطة جهات الاختصاص الأمريكية!! * مما لا شك فيه ان قرار الرئيس ترامب جاء فى مصلحة الحكومة السودانية، وليس العكس، كما انه يعطيها فرصة اوسع (إذا كانت جادة) لتحقيق المزيد من التقدم فى الجوانب المطلوبة منها بالاضافة الى الملفات الاخرى ومنها حقوق الانسان والحريات الدينية، وذلك بدلا عن صدور قرار يمدد فترة الاختبار لمدة اطول ويزيد المسألة تعقيدا، ولقد كان من حسن حظ حكومة السودان أن يكون الرئيس الأمريكى والادارة الأمريكية مشغولين بأشياء أخرى أكثر أهمية، ومنها أزمة الخليج وقضية التخابر مع روسيا، مما اضطرهما لاتخاذ هذا القرار المخفف إلى حين توفر الوقت المناسب لدراسة الوضع السودانى بشكل اعمق، واتخاذ القرار المناسب!! * بقى ان نذكر أن قرار الرئيس ترامب لم يتطرق ابدا الى موضوع (حقوق الانسان فى السودان)، كما جاء على لسان وزير الخارجية السودانى واحتجاجه بانه لم يكن من المسارات التى شملها قرار اوباما، غير أنه لا بد من الاشارة الى أمر مهم جدا وأربأ بوزير الخارجية السودانى ألا يكون ملماً به، أو غير مدرك له، وهو أن القرارين التنفيذيين (13076 و13412 ) اللذين أوقعا العقوبات على السودان، ذكرا فى الديباجة التى مهدت لهما وهى جزء لا يتجزأ من القرارين، الى ان احد اسباب فرض العقوبات هو (انتهاك حكومة السودان لحقوق الانسان فى السودان)!! * وبما ان هذين القرارين (13076 و13412 ) هما الاساس لصدور أية قرارات تنفيذية لاحقة بشأن العقوبات الاقتصادية على السودان، ومنهما القراران اللذان اصدرهما الرئيسان اوباما وترامب، فلا بد ان يكون موضوع حقوق الانسان فى السودان حاضرا بقوة فى الذهنية الرسمية الامريكية (وهو ما أشار إليه بيان الخارجية الأمريكية على خلفية صدور قرار الرئيس أوباما، بالاضافة الى اشارته الى شراء السودان لأسلحة من كوريا الشمالية وهى احدى اخطر الدول الموضوعة على قائمة الارهاب الامريكية، وذلك كنوع من التنبيه أو التحذير المبطن لحكومة السودان لمعالجة هذين الموضوعين)!! * وأنبِّه الى أن قرار الرئيس أوباما ينص على ضرورة استصحاب رأى المنظمات غير الحكومية عند صدور قرار حول العقوبات مستقبلا، وبما أنها جهات لصيقة جدا ومعنية بحقوق الانسان فى السودان وما يحدث فيها من انتهاكات مستمرة، فمن الطبيعى أن يكون موضوع حقوق الانسان فى السودان محل نظر الرؤساء الامريكيين فى أى قرارات لاحقة تصدر منهم، وليس بالضرورة أن يُنَص عليه فى صلب هذه القرارات بشكل مباشر، ومن المضحك ألا يدرك ذلك وزير خارجية السودان، كما انه من المعيب والمخجل ألا تحترم الحكومة السودانية حقوق مواطنيها إلا بضغوط وقرارات خارجية!! * أخيرا، فإن مصير وجود اسم السودان على القائمة الأمريكية للدول الراعية للارهاب، لا يرتبط بالقرار التنفيذى الذى اصدره اوباما، أو أية قرارات تنفيذية تصدر بموجبه فى المستقبل كما يعتقد البعض وانما هو أمر منفصل، له طريق آخر ومسار آخر !! [email protected] الجريدة الالكترونية