قد لا تصدق – عزيزي القارئ – إذا قلت لك، إنه قبل عام ونصف العام تمت إجازة قانون أطلق عليه المشرِّعون في البرلمان اسم قانون "مفوضية الشفافية والاستقامة ومحاربة الفساد". وقد يأخذ منك الاستغراب والتعجب كل مأخذ، إذا قلت لك إن هذا القانون ظل حبيس الأدراج ولم ير النور منذ ذلك الحين، وحتى يوم الناس هذا. مع أن الدولة تدعي أنها عازمة على محاربة الفساد وردع المفسدين..! الشاهد أن هذا القانون يعتبر شارة خضراء لتكوين المفوضية الخاصة بمحاربة الفساد، كما أنه يعتبر المظلة التي تعمل تحت المفوضية، ولكن مع ذلك لم تظهر المفوضية ولم يتم تكوينها مع أنه يفترض إنشاؤها بمجرد إجازة القانون. وظني أن هذا نوع من الفساد الإداري، بل إنه رسالة واضحة بأن المفسدين والدولة العميقة، يعرقلون تكوين مفوضية محاربة الفساد، حتى بعد أن صدر القانون الذي منحها هيبة ما كانت متوفرة للمفوضية السابقة، برئاسة أبو قناية، والتي فشلت في تقديم أي نجاح يذكر، بسبب أنها تتحرك وفقاً لقوانين مجاورة وليست قوانين أصيلة. وبدلاً من أن يكون القانون الذي أجيز قبل عام ونصف العام سبباً في تكوين المفوضية، أصبح مثل لعنة حلّت عليها، فأخرت تشكيلها وظهورها إلى الناس..! يحدث هذا، مع أن الدولة تطرح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنشد من خلاله إقالة عثرات البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية.! وودت لو عرفت الدولة – إذا كانت جادة في مسعاها - أن ما ترمي إليه رهين بدرجة أساسية بتفعيل القوانين الرادعة للمفسدين، وخاصة من يقدَّمون مصلحتهم على مصالح البلاد والعباد. قناعتي أن الدولة ستطل متهمة بالتستر على الفساد والمفسدين، ما لم تقم بتكون المؤسسات الكفيلة بردع القطط السمان، التي تعبث باقتصاد هذا البلد وموارده ومكتسبات إنسانه. بل ستكون في محل اتهام بالنصب، ما لم تدخل إلى عش الدبابير وتنزع عنها الجورب الناعم الذي ترتديه، لتضرب بيد من حديد كل من تورّط في الاغتراف من المال العام حتى زال ظمأه، أو كل من اغترف غرفة عابرة.! ببساطة لأن كليهما سواء في الجرم. فمن يسرق قليلاً سوف يسرق كثيراً، إذا ما دانت له السلطة والكثرة. وإلى حين تحرك الحكومة في محاربة المفسدين، فإنها سوف تكون في محل اتهام بالتقصير والاشتراك في جريمة نهب المال العام، وسوف تظل متهمة بأنها تعمد إلى ذر الرماد في العيون من خلال إجازة القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد، ومن ثم وضعها في الأدارج. وظني أن عدم تكوين مفوضية مكافحة الفساد يعزز الحديث القائل بأن الحكومة تنتهج مثل تلك المسالك للمزايدة ليس أكثر. خاصة أنها فشلت - حتى الآن - في تقديم أي من القيادات النافذة للمحاكمة، أو المحاسبة. بل لم نر أياً من الذين حامت – وتحوم - حولهم الشبهات، أو من أثروا ثراء فاحشاً ومفاجئاً، أمام طائلة المحاسبة أو المحاكمة. وكل ما نراه هو عمليات تحلل لمن تورطوا في نهب المال العام، يخرج بعدها الفاسد مرفوع الرأس حائزاً على كثير من المال العام، لأن غالبية حالات التحلل لم تتضمن إرجاع كل المال المسروق، وإنما جزء يسير منه..! الصيحة