'احنا الحمد لله ربنا وفقنا. لم يكن القرار فرديا ولاعشوائيا بل كان قرارا صعبا. احنا اجتمعنا واخدنا رأي بعض. والشيء المشرف ان كل اعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة قررنا (ان نقول) لأ لا نفتح النيران على الشعب'. هكذا قال رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر، في خطاب عام امام اكاديمية الشرطة منذ عدة شهور، اعتبر بمثابة شهادة امام الشعب بشأن ما حدث في ايام الثورة الاولى. شهادة لاقت استحسانا كبيرا من الرأي العام وكرست الثقة في المجلس العسكر، الا ان شهادة سرية ادلى بها المشير طنطاوي في جلسة سرية السبت الماضي لمحاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك بشأن الاحداث نفسها تثير جدلا واسعا حاليا في مصر، خاصة انها جاءت في توقيت حرج مع ترقب القوى السياسية لاستجابة المجلس العسكري خلال الساعات المقبلة لمطالب القوى السياسية بإعلان جدول زمني لاجراء الانتخابات وتسليم السلطة للمدنيين. وفي سابقة لم يعرفها القضاء المصري من قبل، انهار حظر للنشر فرضته المحكمة التي تنظر القضية بعد ان قرر عدد كبير من الناشطين نشر نص شهادة مزعومة للمشير حسين طنطاوي على الانترنت. وجاء انهيار حظر النشر وسط مشاعر صدمة من محتوى الشهادة المزعومة التي صبت في مصلحة المتهمين بالقضية، وخاصة مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، اذ ينفي فيها المشير علمه بصدور اي اوامر بقتل المتظاهرين، في تناقض مع ما قاله في خطابه حيث اشار ضمنيا الى وجود اوامر من مبارك بفتح النيران على الشعب، الا ان المجلس االعسكري رفض تنفيذها. ويبدو ان المشاعر بالصدمة تكرست بعد الانباء عن 'احتفالات صاخبة' في معسكر الدفاع عن مبارك والعادلي، مقابل احزان كبيرة في معسكر محامي الشهداء. وحسب مواقع في الفيس بوك فإن جمال مبارك الذي بدا مبتهجا بالشهادة، استخدم يده في توجيه اشارة بذيئة الى محامي الشهداء بنهاية الجلسة، بينما تخلى مبارك عن رقدته، وقعد على السرير المتحرك مصغيا بدقة لكل ما قاله المشير، ثم تنفس الصعداء بعد رفع الجلسة التي استمرت نحو ساعة ونصف الساعة، وبدأت في وقت مبكر عن المعتاد، كحيلة لتقليل عدد الحضور لأسباب امنية. وقام المحامون بعد الشهادة بتقديم طلب رد للمحكمة، ما ادى الى تأجيل القضية الى الثلاثين من الشهر المقبل لحين البت في الطلب الذي ستبدأ اليوم محكمة اخرى النظر فيه . واستند المحامون في طلبهم برد المحكمة الى ادعاءات بوجود نية مبيتة لدى المحكمة ضد الدعاوى بالحق المدني، وكذلك التمييز في المعاملة لمصلحة محامي المتهمين، في اطار ما يزعمون انه صفقة سرية لتبرئة مبارك من تهمة القتل، والاكتفاء بإدانته بتهم التربح والاستيلاء على المال العام التي لن يزيد مجموع عقوباتها عن السجن لعشرة اعوام، يمكنه ان يقضي نصفها او اقل في مستشفاه الفخم ليطلق سراحه بعدها لاسباب صحية. الا ان خبراء اعتبروا ان طلب رد المحكمة ليس سوى مضيعة للوقت، وان الشهادة المزعومة للمشير لا تبرئ مبارك وان كانت لا تدينه، حيث ان عدم علم احد المسؤولين ببعض الاوامر الرئاسية لا يعني عدم صدورها، بل ان احدا لا يستطيع ان يبرىء مبارك بالنظر الى مسؤوليته كرئيس للمجلس الاعلى للشرطة. وتساءل مراقبون ' اذا لم يكن مبارك اصدر اوامر للجيش بضرب المتظاهرين، فكيف قال المجلس (لأ لا نفتح النيران على الشعب) حسب النص الحرفي لخطاب المشير، وكيف يقول المتحدثون باسم المجلس العسكري انه قام بحماية الثورة، ولولاه لما نجحت الثورة، وما سبب الزيارة التي قام بها مبارك اثناء الثورة لغرفة العمليات المركزية للقوات المسلحة، واذاعها التلفزيون الحكومي، ليتابع منها التظاهرات في ميدان التحرير؟ وهل قررت المؤسسة العسكرية الا تكون هي السبب في صدور حكم باعدام احد ابنائها لاعتبارات تتعلق بتقاليدها؟ واعتبروا انه من شأن الشهادة المزعومة للمشير ان تعمق مأزق المجلس العسكري الحاكم، الذي يواجه انتقادات متزايدة بسبب عدم اعلانه جدولا زمنيا واضحا لتسليم السلطة، واللجوء الى تشديد الطوارئ، بدلا من الغائها، لقمع الحركات الثورية والشعبية الرافضة لسياساته وترهيب وسائل الاعلام المستقلة، وفرض قوانين انتخابية لا ترضي اغلبية القوى السياسية. وقد يتجلى عمق هذا المأزق يوم الجمعة المقبل، اي اليوم المقرر لمليونية 'انهاء الطوارئ' والتي قد تتحول الى 'ثورة جديدة' في حال عدم اصدار المجلس العسكري جدولا زمنيا واضحا للانتخابات وتسليم السلطة خلال الساعات المقبلة. القدس العربي