كتب كل من ديف إيغرز، مؤلف كتاب 'ما معنى ماذا؟؛ وجون برنردغاست، مؤسس مشروع إيناف، مقالاً نشرته صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان «الحرب وشيكة في السودان»، استهلاه بقولهما إن الأميركيين يتشككون - لأسباب كثيرة - في قدرات دولتهم على التأثير في الأحداث الخارجية بشكل إيجابي. ربما لأن الولاياتالمتحدة تخوض حربين لم تتضح عواقبهما بعد، بل وأثارتا الشكوك حول مدى صحة أي قرار يُتخذ بشأن أي منهما. ولكن هذا لا يعني أن الولاياتالمتحدة فشلت في تدخلاتها الدولية الجريئة السابقة. ويوضح الكاتبان أنه في الفترة من 1983 إلى 2005 قُتل أكثر من مليوني شخص، وشُرد نحو أربعة ملايين آخرين في جنوب السودان أثناء الحرب بين الحكومة والجيش الشعبي لتحرير السودان. ولكن بعد توليه الإدارة الأميركية، قرر الرئيس جورج دبليو بوش ممارسة ضغوط دبلوماسية قوية لإنهاء الحرب التي كانت أحد أكثر الحروب دموية في القرن العشرين. وقد نجح بوش في ذلك عام 2005 بالمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الحكومة السودانية والجنوبيين، وهو ما كان لحظة حاسمة في الدبلوماسية الدولية، ومثالا على ما تستطيع الولاياتالمتحدة فعله، إذا ركزت جهودها ونفوذها بشكل إيجابي. ويشير الكاتبان إلى أن اتفاق السلام الواضح منح جنوب السودان ثلاثة أشياء مهمة: المشاركة القوية في الحكومة المركزية والحكم شبه الذاتي للجنوب؛ وتقسيم عائد مبيعات النفط مناصفة بين الشمال والجنوب؛ وإمكانية الانفصال عن الشمال بعد إجراء استفتاء شعبي عام 2011. ويوضح الكاتبان أن الافتراض السائد في السودان هو أن الجنوبيين سيصوتون بالإجماع على الانفصال عن الشمال في حالة انعقاد الاستفتاء في موعده. فمنذ استقلال السودان عام 1956، شعر الجنوبيون بأنهم على الهامش، وتعرضوا لعديد من انتهاكات حقوق الإنسان. ولهذا ينظرون إلى احتمال الانفصال كأمل وحق مقدس. غير أنه لا تزال هناك ستة أشهر حتى الموعد المحدد للاستفتاء في يناير المقبل، وتشير الدلائل إلى أن حكومة السودان قد تسعى إلى تقويض عملية التصويت، وربما رفضت الاعتراف بالنتائج. فقد عرقل حزب المؤتمر الوطني الحاكم أغلب أجزاء اتفاق السلام، كما شاب التزوير والتحايل الانتخابات الوطنية والمحلية في أبريل الماضي. ومن ثم، فإذا لم يُعقد الاستفتاء في موعده يناير المقبل، أو إذا تم التلاعب في نتائجه، فسيندلع القتال لا محالة. إذ بدأ الجانبان بتسليح نفسيهما منذ توقيع اتفاق السلام، ولهذا سيكون تكرار العنف بين الشمال والجنوب أسوأ مما سبق، بل وربما أدى إلى عودة القتال في إقليم دارفور غرب السودان. ولكن السؤال: ما الذي تستطيع الولاياتالمتحدة فعله للمساعدة في منع عودة الحرب وسقوط مزيد من الضحايا؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة التأثير في سلوك حكومة مستعدة لارتكاب الجرائم ضد الإنسانية للحفاظ على سلطتها؟ ويجيب الكاتبان بالاستشهاد بما قاله مبعوث الإدارة الأميركية الجنرال سكوت غريشن «لا يوجد لدينا قوة ضاغطة حقاً». ولكن يرى الكاتبان أن الولاياتالمتحدة تمتلك اتفاق السلام الشامل في السودان، وأنها إذا مارست مزيدا من سياسة الترهيب والترغيب، فسيمكنها تعزيز القوة الدبلوماسية الأميركية. ثم يقترح الكاتبان فرض عقوبات على بعض رموز الحزب الحاكم، ووقف مساعدات صندوق النقد الدولي، وتأييد مساعي المحكمة الجنائية الدولية لاتهام الرئيس البشير بارتكاب جرائم حرب، وتشديد حظر الأممالمتحدة المفروض على التسليح، وتقديم المساعدة إلى الجنوب. وحتى تكون هذه الجهود الدبلوماسية فعالة، لابد من طرح حوافز حقيقية أيضاً في حالة تحقق السلام، ومنها وقف مذكرات الاعتقال بحق الرئيس البشير لمدة عام، وتطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن. كما ينبغي مشاركة فرق مفاوضات أميركية خبيرة مع الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة لإنهاء الحرب في دارفور، ومنع اندلاع حرب جديدة بين الشمال والجنوب. ثم يختتم الكاتبان المقال بقولهما إن الرئيس الأسبق بيل كلينتون يأسى على عدم التدخل الحاسم لمنع مذابح رواندا عام 1994 رغم توافر الدلائل على قرب حدوثها. والآن حانت لحظة رواندا بالنسبة إلى إدارة أوباما، ولم يتأخر الوقت بعد لمنع الحرب المقبلة في السودان وحماية السلام الذي ساهمت الولاياتالمتحدة في بنائه قبل خمس سنوات.