وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دويلة الاخوان العدو اللدود في داخل دولة السودان (2)
نشر في الراكوبة يوم 31 - 03 - 2019

خلق شبكة معقدة من المصالح والشراكات الاقليمية والدولية لصالح دويلة الجماعة:
للإطلاع على الجزء الأول من المقال فضلاً اضغط هنا
اقتصاد الدولة السودانية الرسمي هو احد اقوى الاقتصادات في العالم من حيث الامكانات الفعلية والكامنة. هذه الحقيقة تجعل العديد من دول العالم تسعى لايجاد موطئ قدم لها في السودان . الدولة القومية تسعى لاستغلال الموارد الاقتصادية لتحقيق النمو الاقتصادي الموجه لرفاهية المجتمع واسعاد المواطنين . لكن دويلة الجماعة تنظر الى الشعب انه العدو اللدود , ولذلك لا عجب ان صرح قادتها مرارا ان حياة الناس وامور معاشهم لم تكن يوما في حساباتهم. ولذلك حين استولوا على الحكم غصبا في انقلاب عسكري في تواطؤ مع الجيش , تمكنوا سريعا من السيطرة التامة على مفاصل الاقتصاد . المؤتمر الوطني والاجهزة الامنية والجيش استولوا على كامل النشاط الاقتصادي في السودان بعدة وسائل اهمها: (1) الاستحواذ الكامل على ثروة البترول بين عامي 1990 وحتى 2011 , (2) خصخصة شركات ومؤسسات القطاع العام ملك الشعب السوداني وتمليكها لكوادر الجماعة , (3) بيع الاراضي التجارية والسكنية والزراعية , (4) بيع اصول السودان الثابتة والمتحركة في الداخل والخارج , (5) شركاتهم الثابتة والوهمية التي بلغت في مجملها الاف الشركات (6) التلاعب في عمل الجمارك والضرائب بمنح التسهيلات والاعفاءات وخلق منظمات طوعبة وهمية للتمويه لادخال البضائع والمدخلات دون جمارك وبيعها في السوق (7) خلق شركات عالمية عابرة للقارات من حر مال الشعب المنهوب وتسجيلها في الخارج ثم ترسية العقودات الحكومية عليها باعتبارها شركات عالمية . تجدر الاشارة ان كل ذلك النشاط الاقتصادي الطفيلي الضخم يعمل لمصلحة دويلة الاخوان ولا يرفد الخزينة العامة لدولة السودان , بل ان هذا النشاط لا يمكن للمراجع العام الوصول اليه , وفي الحالات القليلة التي يمكنه الوصول لحسابات تلك الشركات وحين تتكشف "التجاوزات الكبيرة على المال العام" – اسم التدليل ل "السرقة الضخمة المنظمة والمحمية" , دائما ما "تقف جهات نافذة للحيلولة دون كشف تلك التجاوزات" او ايداعها امام النائب العام للتحقيق . و في الحالات النادرة جدا التي تحال للتحقيق , يكون مصيرها "التحلل" . اذن الاصل في دويلة الجماعة هو قيامها على اساليب السرقة والنصب والاحتيال والنهب المنظم لمقدرات الوطن باسم الدين وتحت حماية القوات النظامية , ولذلك يصح تماما تسميتها ب Kleptocracy" أي حكم اللصوص" كما يعرف اريك ريفر الحكومة السودانية .
Eric Reeves defines the Sudanese government as a kleptocracy and notes "the use of the military and security services to protect the regime in continual self-enrichment."
الهيمنة التامة لدويلة الجماعة على كامل النشاط الاقتصادي السوداني استدعى ذلك بطبيعة الحال التعامل مع الدول والمؤسسات الخارجية الرسمية والخاصة, لكن ليس لصالح الشعب , بل لصالح الجماعة . اكتشف اللاعبون الاقليميون والدوليون في هذه اللعبة ان القائمين على امر السودان لا تهمهم المصلحة الوطنية بقدر اهتمامهم بمصالحهم الشخصية ومصلحة بقائهم في السلطة . فليس اسهل وانفع لهؤلاء من دفع التسهيلات التافهة المطلوبة في شكل عمولات للمتنفذين لتمرير مصالحهم واجنداتهم الخارجية التي تتعارض تماما مع المصالح العليا للبلاد . باختصار تم تحالف غير مقدس بين المصالح الخارجية المتعددة وبين مصالح دويلة الاخون على حساب المصالح القومية العليا لدولة وشعب السودان , خاصة وان دويلة الجماعة خلقت لنفسها اقتصادا جبارا عابرا للحدود من نهب ثروات البلاد , يسهل ابتزازه وتطويعه لخدمة للاجندات الخارجية.
لماذا تقف القوى الخارجية مع دويلة الجماعة ضذ تطلعات الشعب السوداني في الحرية والكرامة :
ولكي تحافظ على بقائها في السلطة قدمت دويلة الجماعة خدمات جليلة للدول القريبة والبعيدة لشراء ولائها : اوربا الغربية اوكلت اليها دور الشرطي لحراسة فيافي الصحراء من المتسللين للدول الاوربية . نفذت الدويلة كامل الاشتراطات الامريكية : محاربة التطرف , قطع العلاقات مع كوريا الشمالية وايران , فصل الجنوب , التعاون في مكافحة الارهاب كل ذلك شريطة ان تغض الولايات المتحدة الطرف عن سجل الحكومة المخزي وتجاوزاتها ضد المواطنين في الداخل . الصين لها استثمارات وديون ضخمة وتسعى تدريجيا لابتلاع كامل اراضي السودان , مصر يهمها مياه النيل وابتلاع حصة السودان السنوية المقدرة ب 18 مليار متر مكعب منذ عام 1959 وحتى اليوم . ومصر التي تحارب جماعة الاخوان في داخل اراضيها وتقتل منهم كل يوم , ويا للمفارقة تستميت في الدفاع عن حكومة الخرطوم الاخوانية دفاعا عن مصالح الشعب المصري على حساب المصلحة العليا لشعب السودان المنتفض لثلاث شهور مناديا باسقاط حكومة الجماعة . روسيا وتركيا تمكنا من تحقيق خلمهم الكبير في ايجاد موطئ قدم لهم على معابر البحر الاحمر دون مقابل سوى الوعود الخلب . حتى الدول المجاورة للسودان مثل اثيوبيا وتشاد يحقق لها النظام مصالحها على حساب مصالح البلاد العليا. اثيوبيا مثل مصر تضع يدها على اراضي سودانية بينما تلوذ الحكومة بالصمت . الدول العربية تهمها استثماراتها وما استحوذت عليه من اراضي هي الاخصب في السودان ومشاركة السودان في حرب اليمن ببضع الاف من الجنود في خطوط المواجهة الامامية . لكن اكتشفت الدول العربية ان حكومة الجماعة لا عهد لها ولا أمان فهي تلعب على كل الحبال لصالحها . ورغم المساعدات المليارية السخية , الا انهم اكتشفوا ان دويلة الجماعة هي تماما كنار جهنم , كلما القوا فيها من كنوز " تقول هل من مزيد؟"
خلق قوات نظامية موازية لحماية الدويلة الطفيلية وحماية نهبها المنظم لمقدرات الوطن:
تم التخلص تدريجيا من القوات النظامية بمفهومها القومي وعقيدتها العسكرية كحارس لتراب الوطن واستبدالها بقوات موازية في الجيش والشرطة والامن بعقيدة مغايرة الهدف من تكوينها حماية دويلة الاخوان تحسبا في حال نهض الشعب مطالبا باسترداد دولته المختطفة حيث تكون تلك القوات جاهزة للبطش به. تم احالة القادة الوطنيين للمعاش واحلالهم باخرين من ابناء الجبهة المؤدلجين داخل القوات النظامية . تم توالت تباعا على مر سني الانقاذ عمليات التمحيص والغربلة لاستبعاد كل من يشك في ولائه حتى غدت القوات النظامية في نهاية المطاف عبارة عن مليشيات عسكرية تدين بالولاء لايديوجيا الاسلام السياسي وتحمي دويلته التي خلقها داخل الدولة السودانية وتحمي النهب المنظم لمقدرات وثروات الوطن . تم تكوين العديد من التشكيلات المختلفة من القوات التي تحمل السلاح جاهزة للردع هي مليشيات ذات طابع رسمي لكن ولاءها لدويلة الجماعة وليس لدولة السودان الام : الدفاع الشعبي , الشرطة الشعبية , الأمن الشعبي , المجاهدون , الكتائب الطلابية , الشرطة المجتمعية , شرطة النظام العام , الدعم السريع , حرس الحدود , الامن الوطني وغيرها من التشكيلات العسكرية الهدف الاساسي من تكوينها هو حماية دويلة الاخوان ضد اي نهوض محتمل من قبل جموع شعب دولة السودان (الذي هو العدو في مخلية الجماعة – شعارهم "واعدّوا لهم") . ولإلحاق الاساءة للشعب بالأذى كل تلك القوات ذات الولاء المطلق لدويلة الجماعة يتم الصرف عليها وتدريبها وتسليحها من مال الشعب , ذلك الشعب الذي يتم تدريبها وتسليحها للبطش به بل وقتله كما هو مثبت وموثق على طول تاريح حكم الجماعة , ولا سبيل الى انكاره . تقوم القوات النظامية بكل ذلك العدوان على الشعب الذي يصرف عليها وقد ادى افرادها قسم الولاء لأداء ذلك الواجب المقدس الذي هو حماية المواطنين والذود عن تراب الوطن . لكن تغير ولاء القوات النظامية ليحمي دويلة الفساد والاستبداد ويحمي نهبها المنظم لثروات البلاد . ان الانهيار الاقتصدي الماثل الان هو تتيجة حتمية للفساد الشامل في اجهزة ومؤسسات الدولة . وهوفساد مؤسسي قصد به تسهيل عمليات النصب والاحتيال والسرقة المنظمة لثروات البلاد , وما كان ليتم ذلك دون الحماية من القوات النظامية التي تشرف مباشرة على المعابر البرية والبحرية والجوية التي يتم عن طريقها تهريب الذهب واليورانيوم والصمغ واناث الحيوانات وتهريب العملات الصعبة , وهي المسؤولة عن الجمارك والاعفاءات الجمركية . هذا بالاضافة الى حقيقة ان اكثر من 70% من النشاط الاقتصادي تحتكره شركات تتبع للامن والجيش.
في الحقيقة ان التحالف الذي قام بين جماعة الاخوان والمؤسسة العسكرية الذي اطاح بالحكم المدني عام 1989 كان عبارة عن مؤامرة خبيثة ضد الوطن والشعب , لكنه كان ايضا لعبة اخبث بين العسكريين والمدنيين من مثقفاتية الجماعة يكيد كل طرف للآخر ويتحين الفرص لتوجيه الضربة القاضية لابعاده – بما عرف في ادبياتهم ب "الحفر" , الكل يحفر للكل. وفي جميع تلك السجالات الكيدية كانت المؤسسة العسكرية توجه الضربة تلو الضربة للجناح الاخواني المدني كان ابرزها مفاصلة رمضان , التي انتصر فيها الجناح العسكري بقيادة البشير على الجناح المدني بقيادة الترابي . ومنذ ذلك الحين يمكن القول بثقة ان الحكم في السودان هو حكم عسكري في جوهره يتخذ من أحزاب الجماعة وحركتها الاسلامية كواجهة مدنية للتمويه على طبيعته العسكرية ولايجاد نوع من الشرعنة والقبول الخارجي . آخر تلك الضربات اتت تحت ضغط ثورة ديسمبر المنتصرة ان شاء الله انها اجبرت النظام في نهاية المطاف عن السفور والظهور على طبيعته العسكرية بلا رتوش مدنية بعد ان وجه الضربة القاضية ل "الحاءات الثلاثة" ضربة لاذب : الحركة والحزب والحكومة , وبذا يكون قد "تحلل" من حمولة الجماعة وحكومتها الفاسدة الفاشلة واحزابها الكرتونية التي يعلم يقينا انها ما كانت لتقوم لولا ان رعاها و "سمّنها" من مال السحت المسروق من قوت الشعب .
القوات النظامية اذن تتحمل القسط الاكبر من المسؤولية في ما آل اليه حال السودان , ليس فقط لأنها ظلت ممسكة بزمام الحكم في البلاد لأكثر من خمسين عاما من ال 65 عاما عمر دولة السودان المستقلة , بل لأنها وطّنت لامراض الفساد والفشل وأساليب النهب والسرقة واللا مؤسسية والقهر , وخلق دولة السودان العميقة المنبتة المفصومة عن شعبها وتاريخها وارثها الحضاري الضارب : الدولة العميقة القائمة على اللصوصبة والنصب واستباحة الحقوق العامة والثروات والحريات وعدم احترام المواثيق والقوانين الدولية وحقوق الانسان والمساواة وسيادة القانون . كل ذلك يمكن تفسيره ببساطة ان القوات النظامية تخوض في معترك السياسة الذي ليس من اختصاصها : فهي ليست مؤهلة لفك تعقيدات السياسة وسبر ميادين العمل المدني ولم يتم تدريبها للقيام بذلك , فتلك مسؤوليات القوى المدنية والكفاءات العلمية المختصة كل في مجاله . تغول القوات النظامية على السياسة والعمل المدني لمدى خمسين عاما دون دراية ودون تدريب – في الاقتصاد والسياسة والديبلوماسية والادارة والعلاقات الدولية وغيرها من التخصصات الدقيقة – هو الطامة التي اقعدت بالسودان وافسدت كل شيء: الدين والسياسة والاقتصاد والجيش معا.
ما كان لكل ذلك النهب والنزع والاستحواذ على ممتلكات الشعب السوداني ليتم وتمليكه لكوادر الجماعة وتمكينها واثرائها لولا حماية القوات النظامية والاتكاء على قوتها القاهرة في تثبيته بضرب اي حراك يطالب باسترداد الحقوق المنهوبة. لا عجب اذا عرفنا ان دويلة الجماعة حين وضعت يدها على كامل مداخيل ثروة البترول المقدرة بنحو مائة وعشرة مليار دولار لم يدخل منها فلس لخزينة الدولة لصالح المواطنين بينما انفقت 65 مليار من ثروة البترول على القوات النظامية خاصة الجيش والامن. هذا لوحده يثبت ويؤكد ما صرح به قادة النظام ان الشعب وهموم المواطنين لم تكن يوما في حساباتهم , بل هدفهم النهائي هو تثبيت دويلة الاخوان على انقاض دولة السودان "الى يوم قيام عيسى" كما صرح احد قادتهم . ولقد كان الاستاذ احمد عبد الرحمن محمد القيادي الاخواني المخضرم صادقا في اعترافاته الاخيرة في المقابلة المنشورة على صحيفة الراكوبة حين اقر بانهم عملوا بجدية ومثابرة عجيبة لضرب الجبهة الداخلية والتامر علي الاحزاب والكيانات السياسية وتفكيكها , ولم ينشغلوا بحاجات الناس ومعاشهم. ويعترف في لحظة تجلي "ان الواحد يخجل لحقيقة أننا ما قدرنا نوفر الحاجات الضرورية للإنسان السوداني بعد كل تلك السنين ونحن حاكمين. … واعطينا الأولوية القصوى للقوة والأمن."
الحركة الاسلامية حين سطت على الحكم في السودان قامت بكل ذلك استباقا لتحصين نفسها بخلق قوة ضاربة تحمي الدويلة ونهبها المنظم لممتلكات الشعب ضد اي حراك جماهيري . كم هي عدد المرات التي ثار فيها الشعب السوداني غاضبا مطالبا بحقوقه المشروعة في الحرية والعيش الكريم؟ وكم هي عدد الارواح التي ازهقت بسلاح القوات النظامية السودانية ارواح استشهدت في سبيل استرداد الحقوق والكرامة وعزة الوطن السليب؟ والان بعد كل الدمار والفشل , الرئيس يكون حكومة عسكرية كاملة الدسم من الرئيس الى كل ولاة الولايات من العسكريين , لكنه يقول انهم يسعون لتشكيل حكومة كفاءات . لا أعرف كيف يتم تكوين حكومة قيادتها عسكرية مائة في المائة , تكون هي ايضا حكومة كفاءات . اما ان تقول الحكومة انها عسكرية وتتحمل كل التبعات السابقة واللاحقة , واما ان يتم تشكيل حكومة كفاءات مدنية يمثل المؤسسة العسكرية فيها رئيس هيئة الاركان فقط , ليس هناك حكومة هجين . آن للجيش ان يتواضع ويقبل بدوره المحدد له حسب الدستور وان يتنحى كلية عن الحياة السياسية في السودان ويفسح المجال لتكوين حكومة مدنية تشرف على المرحلة الانتقالية والتمهيد للانتقال السلس لحياة سياسية معافاة . كفاية فشل و دمار ومعاناة .
خاتمة :
ان ما هو صائر اليوم في السودان مما فجرته ثورة ديسمبر الميمونة المنتصرة باذن الله هو صراع بين الشعب السوداني الذي خرج بكل اطيافه وشعوبه ومكوناته شيبه وشبابه , صغاره وكباره نسائه ورجاله عماله ومثقفوه في البدو والحضر مطالبا باسترداد حقوقه وممتلكلته التي انتزعت منه غصبا واسترداد دولته المختطفة لصالح دويلة الجماعة وكوادرها الذين اصبحوا بين ليلة وضحاها من اثرى اثرياء العالم . هو صراع حقيقي بين الشعب السوداني صاحب الحق الاصيل في ثروات البلاد المنهوبه وبين الغاصب الذي انتزع تلك الممتلكات جورا وظلما وبهتانا . وبدلا من ان يفئء الظالمون الى الحق ويسلكوا طريق الرشاد والتوبة والاعتراف بالخطأ والندم , لا زلنا نراهم يكابرون تأخذهم العزة بالاثم يستعصمون بالقوة القاهرة الباطشة ظلما وتجبرا وطغيانا ظنا منهم انهم سيسكتون هدير الشعب الغاضب وهيهات . فالشعب السوداني كافة قد حزم امره وخرج يدافع عن حياته وحياضه : فقد ادركت جموع الشعب السوداني في هذه اللحظة الحاسمة أن دويلة التمكين أمامهم والموت خلفهم فلا مفر من رص صفوف المظلومين والفقراء والجوعى والمكلومين والمفجوعين والمحرومين والمرضى والمفصولين والمقهورين واليتامى والارامل والعاطلين والنازحين والمهجرين والزحف فاما النصر او الشهادة في سبيل انتزاع الحقوق المشروعة المغتصبة وهو دفاع واجب مستحق تقره كل الشرائع والاعراف والقوانين وهو دفاع ضاري دونه المهج والارواح , وهي قضية واجب ديني مقدس وكرامة ومصير وطن لا تراجع عنها ولا مساومة عليها – (وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق). وهو صراع أزلي بين الخير والشر , وبين الحق والباطل , والحق ابلج والباطل لجلج , وقد أقسم الله عز وجل انه لينصرن الحق على الباطل ولو بعد حين.
د. احمد حموده حامد
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.