قبل بيان الإقالة للرئيس البشير كنت بدأت كتابة هذا المقال بعنوان ، حميدتي وقومه ماذا هم فاعلون؟ ، كأني كنت استشعر انه سيكون رمانة الميزان وقد بلغت هذه الثورة الحلقوم من الناس ، أبدأ أولا بوصفة لإصلاح أمر الجيش و من ثم سأعرج على القوى المسلحة الأخرى. لم تكتمل بعد هذه الثورة المليونية التي أوقدت شرارتها في 19 ديسمبر 2018م لتتوج بعزل البشير في 11ابريل 2019م ، وهذه الوصفة التي سأذكرها ، تصلح بعد استعادة الحكم المدني كاملا ، وليس الآن بطبيعة الحال ، تصلح و تسهم في تحقيق رضا وسلام مستدام للسودان والسودانيين ، و أكثر من ذلك هي تساهم في سرعة الوصول الي الحكم المدني! ، كيف ذلك؟ ، أولا أقول ان أمر الجيش و أمر تدبيره وإعادته قوميا كما كان ، هو في إعادة المفصولين للخدمة من الضباط من هم في أعمار دون سبعون عاما و كانوا فصلوا تعسفا بعد يونيو 1989م و إلحاقهم ، بعد دورات مكثفة ، بالرتب التي وصلها زملاؤهم اليوم ، و معهم يعاد من تعرضوا لإحالتهم قسرا الى المعاش و هم من الكفاءات غير المؤدلجين ، مع الإبقاء على الضباط الإسلاميين الذين لم تتلوث أياديهم بدماء السودانيين المدنيين ، و فيهم الكثير من الشرفاء ، و من المعلوم بداهة و بطبيعة التسلسل العسكري والتعليمات يكون الضابط قد شارك في حرب الجنوب السابقة او في دارفور وجنوب النوبة كل هذه حروب مؤسفة تسأل عنها القيادات السياسية ولا غبار على الضباط والجنود ان شاركوا سلفا فيها، إذن يحاسب فقط من أهدر أموال الجيش من الضباط ومن اشترك في جرائم واضحة تمس المدنيين من الشعب السوداني . وهكذا ، وبالنهاية عند عودة المفصولين من الجيش بعد انقلاب يونيو 1989م المشئوم سيعود الجيش قوميا كما كان و علينا حينها بدء المرحلة بروح جديدة بيننا كقوى مدنية وبين الجيش بحيث تحدد له مهامه في الدستور الجديد في حماية حدود البلاد و أمنها الخارجي عبر استخباراته وان يترك أمر تسيير دفة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمدنيين. في ظل حكم راشد ، السودان بلد خيراته كثيرة ومتنوعة ، ان أحسنا إدارته وفجرنا خيراته ، سيحصل و بجرة قلم حينها ، كل ضابط وجندي على مرتب يجعله يعيش ميسورا ، مع تأمين طبي له ولأسرته ، وعلينا احترامه للجيش ، نعم هذه يجب ان تقال واضحة لليسار السوداني ، نتيجة المرارات التي عاشها اليسار من أحداث 19يوليو 1971م ، وبحكم قوة حضور اليسار الإعلامي الاجتماعي ، حتى وهو ليس في الحكم ، فقد نمط الكثير عن العسكر والعسكريين في المجتمع السوداني من حيث التقليل من وضعهم العلمي والمهني ، هذا كله يجب ان يعترفوا انه كان حديث مرارات ليس إلا ، الضباط في الشرطة والجيش يتلقون علوما إدارية وقانونية وعسكرية رفيعة ، لا تقل أبدا عن وصفائهم في الخدمة المدنية من محامين وقانونيين ومحاسبين وإداريين و أطباء ومهندسين ، في المستقبل يجب ان تسود لغة الاحترام والمحبة وان نبتعد عن الاستعلاء المهني والأحقاد المهنية. أما حميدتي و قومه ، فقومه هم أهلنا الرزيقات و هم قوم من كرام الناس و هم مجموعة أصيلة في الوطن مثلهم مثل أهلنا الفور والمسيرية والزغاوة وبقية مكونات دارفور الذين ما عرفوا إلا بمحبة الخير وتقديم الفضل للناس في هذا السودان ، أما هو فهو محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي ، وهو قائد عسكري محترف وصل رتبة فريق ويشكل قومه العمود الفقري لقوات الدعم السريع و قد صرفت الدولة أموال هائلة لتطويرها وتدريبها ، وحميدتي لديه روايته التاريخية للنزاع في دارفور ، ذكر كثيرا ان لديه ثلاثين من أبناء عمومة وخؤولة قتلتهم الحركات المسلحة ، طبعا هذا لا يبرؤه ، فقبيلته البدوية شديدة الشراسة ، هي أيضا ارتكبت جرائم في دارفور ، علينا الاعتراف المتبادل و الصفح و الصلح ، مأساة الحرب في دارفور هذه صفحة يجب ان نطويها جميعا فمن قتل لا يمكن إعادته إلى الحياة وإنما بالحقيقة والمصالحة و التعويض المجزي للمتضررين و محاسبة المسئولين عبر قضاء سوداني نزيه و أهلنا في دارفور سيساعدوننا في السودان لطي هذا التاريخ الحزين وأقول لهم جميعا فردا فردا الأهم هو إنقاذ أبنائك و أحفادك لا الثأر لإبائك و لأجدادك ، مرت الكثير من البلدان بمآسي كثيرة و الحياة لم تتوقف ، وان التنمية الحقة هي التي ستعيد دارفور لفترة السبعينات بل و أجمل من ذلك وطرح السودانيون على الاسافير مختلف وسائل النهضة للسودان ودارفور في القلب من ذلك و هتف الشباب في هذه الثورة المباركة في المركز بذلك ، نخلص من كل ذلك ، وكما تجب عودة احترام القوات المسلحة يجب تصحيح الصورة النمطية التي وضعها اليسار في الاسافير لحميدتي فلم يكن هو وحده من اخطأ في الفترة الماضية ، حركات دارفور معظمها اخطأ ، وبعضها فسرت أزمتنا تفسير عرقي وعنصري بل بعضها شارك نظام البشير و لم يكونوا أبدا في موقف أخلاقي او سياسي أفضل من البشير و نظامه. الآن هناك وعي من الجميع ونضج تلمسه في أحاديث عبد الواحد محمد نور الممتعة بطريقته المحببة في الكلام ، في حديث مني اركو مناوي ، وفي حديث جبريل وغيرهم ، اذن ليس من الحكمة معاداة واستهداف قوات حميدتي دون سواها و نحن نعرف ان هناك أزمة ثقة بين مكونات دارفور حاليا ، و نأمل ان يطوى هذا الملف الحزين سريعا ونحن على أعتاب حرية كاملة و عهد وطني جديد ، وصفها بالجنجويد دون سواها أمر غير عادل ، أنت إذا حاصرت هر في زاوية ماذا سيفعل بك ، فالملاحظ ان هناك تجاهل تام لحميدتي في خطابات تجمع المهنيين ، حميدتي ليس من الدولة العميقة بل ولا يشبه هذا النظام الفاسد. الحل الذي سأطرحه لقوات حميدتي وهو نفس الحل لقوات حركات دارفور المسلحة و قوات الحركة الشعبية بشقيها في جبال النوبة والنيل الأزرق ، الحل هو انه بعد عودة القوات المسلحة قومية مرة أخرى كما تم شرحه أعلاه بعودة المفصولين والمحالين تعسفا للصالح العام من قبل البشير وحزبه الضرار ، الحل هو ان تقوم لجنة عسكرية فنية باستيعاب من تراه مؤهلا من الضباط في كل هذه القوى والحركات ، ليس كلهم بطبيعة الحال ، بل حسب الكفاءة العسكرية من ضباط حميدتي وحركات دارفور وقوات جقود وعقار وضمهم الى الجيش وصهر الجميع في بوتقة واحدة بالكلية الحربية في كرري لبضع أشهر وبجبيت وبقية معسكرات الجيش وإخضاعهم لبرنامج اندماج وطني وإعادة تأهيل نفسي تلغي الروح الجهوية منهم و تنمية روح الوطن الكبير فيهم و تقبل الآخر والتسامح. أيها الشعب السوداني ، تعلموا ان تصفحوا ، والتمس لأخيك عذرا ، هناك لحظات فارقة في حياة الشعوب ما لم تأخذ هذه الشعوب مصيرها بيدها فستكون لعبة في أيدي الآخرين ونحن نحتاج الى الجميع ، نحتاج الى كل هذه القوى العسكرية التي ذكرت ، من جميع التشكيلات التي ذكرت ، ولا تنسوا أننا فقط أربعون مليون أنسن وسط بلدان هما مصر وإثيوبيا وكلاهما تعدي المائة مليون أنسن وهناك بوادر نزاع ومطامع في أرضنا ومياهنا ، أما الجنود في هذه القوى كلها ، قوات حميدتي والحركات و الحركة الشعبية فيخيرون بين الانضمام للجيش الحكومي او اخذ مكافأة نهاية الخدمة بمبلغ كافي لبدء مشروع تجاري له يضمن له معيشة كريمة وفي هذا المانحون الدوليون لن يقصروا، لديهم برامج ونحن الشعب السوداني ، المغتربين نلتزم مع بقية الشعب السوداني وتستقطع هذه المبالغ من الجميع ، وإنما هو عطاء يدفع بطيب خاطر لأبنائنا وأهلنا وإخوتنا وان نضحي وندفع لأهلنا لهو أمر صحي ووطني بدل أن نذل من الآخرين. وبالأخير ، وفي النهاية ، كما ذكرت أعلاه يجب عدم تهميش حميدتي من قبل تجمع المهنيين فالملاحظ ان هناك تجاهل تام لحميدتي وان ذكر يذكر هو وقواته بصورة سلبية ، حميدتي رجل طيب ويعرف الدين و الشهامة اكتر من مدعي الدين الآفلين باذن الله وينبغي ان نحسن الظن ونبادر بمد اليد للجميع ففي سودان الغد يجب ان لا تترك أي مجموعات غاضبة ، نعم لا نترك أي مجموعات غاضبة ، ببساطة يمكن لكل دول الجوار بل و دول الإقليم أيضا ، استيعاب الغاضبين من هذا الطرف او ذاك وستقوم بتجنيدهم ربما في ليبيا او تشاد او ارتريا وغيرها لبدء تمرد جديد نحن في غنى عنه. الأهم هو مد اليد للجميع وبناء برنامج حقيقي ووطني للحقيقة والمصالحة و بذلك نصبح بلدا حرا وعزيزا و قويا برضي كل أبناءه دون شعور بالخوف أو الاستهداف. طارق عبد الهادي