لا شك هذا هو سؤال الساعة الرئيسي الذي يدور في خلد كل سوداني، حيث أنه يتصدر جلسات النقاش السياسية والاجتماعية في السودان، خاصة محافل وأروقة الثوار الذين يعتصمون ويتظاهرون الآن أمام مبنى القيادة العامة للقوات الشعب المسلحة السودانية في الخرطوم. ان سرعة أو بطء إجابة العسكر على سؤال تسليم السلطة إلى المدنيين سيحدد طبيعة ومسار العلاقة بين الثوار بكافة مكوناتهم والمجلس العسكري الانتقالي، بمكونيه الرئيسيين-مؤسسة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال حمدان حميتي دقلو نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي يقود البلاد منذ سقوط نظام البشير هذا الشهر. كما أن هذا الأمر، سيحدد مسارات مستقبل ومصير السودان وثورته، أهو منحى ومسار السلام والديمقراطية والاستقرار، أم الانحدار إلى مستنقع وأتون الفوضى والحروب بالوكالة والضياع والثورة المضادة؟ لا ريب، أن حساسية وأهمية السؤال ناتجة إلى حد كبير من طبيعة العلاقة المعقدة بين المدنيين والعسكريين في السودان والتي تعتريها عدم الثقة والشكوك، وذلك منذ أن وقع أول انقلاب في تاريخ السودان الحديث، تحت قيادة الفريق عبود، في العام 1958 وانقلاب نميري في أيار/مايو 1969وانقلاب الإسلاميين بقيادة البشير في حزيران/يونيو 1989. لذلك، هذا السؤال الحيوي مرتبط كذلك بسؤال آخر: هل يستطيع السودانيون اخراج وطنهم من الدورة الشريرية الخبيثة التي ارتبطت بتاريخه الحديث؟ أي ظاهرة الحكومات المدنية الديمقراطية التي تعقبها انقلابات وحكومات عسكرية. بالرجوع إلى سؤال تسليم السلطة إلى المدنيين، ليست هناك اجابة قاطعة بلا أو نعم، ذلك أن الأمر معقد ويعتمد على ديناميكيات وموازين القوة بين اللاعبين الأساسيين على الأرض، إضافة إلى العوامل والاستراتيجيات الإقليمية والدولية التي تستهدف السودان ومحيطه. صحيح، ان رئيس ونائب وأعضاء المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان كانوا قد أعلنوا أنهم لا ينوون الاستمرار في السلطة، لذلك حددوا فترة عامين للفترة الانتقالية يسلمون بعدها السلطة كاملة إلى المدنيين عبر انتخابات عامة حرة ونزيهة. صحيح أيضا، أن رئيس اللجنة السياسية للمجلس العسكري الانتقالي الحاكم قد قال في أول مؤتمر صحافي له أنهم أبناء ثوار الذهب، في إشارة إلى أنهم سيسلكون طريق ومثال الراحل المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب الذي سلم السلطة إلى الشعب في 1986 أي بعد عام واحد من تسلمها أنحيازا لانتفاضة الشعب التي اندلعت ضد حكم الرئيس الراحل جعفر النميري في نيسان/أبريل 1985. لكن، بعيدا عن النوايا والوعود عبر منصات الإعلام لقيادة المجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة إلى الشعب، هناك عدة عوامل ستحدد مسار هذه القضية المفصلية، أي سيناريو تسليم السلطة إلى المدنيين. وبعض العوامل التي تدفع نحو سيناريو تسليم العسكريين السلطة إلى المدنيين هي كالتالي: أولا: وحدة الثوار واستمرار حراكهم الثوري وفقا لرؤية وبرنامج وآليات قوية تقود إلى الانتقال الديمقراطي السلمي في البلاد، لكن حتى تكون هذه الوحدة حقيقية وفاعلة ومستدامة، يجب أن تكون عابرة للأقاليم والثقافات والأعراق. ثانيا: ضرورة الاستفادة من دروس وعبر حقبة ما بعد الاستقلال، وثورة أكتوبر وثورة أبريل وتجربة انفصال جنوب السودان، وذلك بعدم التهافت من أجل الوظائف، دون الاعتصام بنية صادقة وارادة قوية من أجل مواجهة جذور الأزمة الوطنية واجتراح مشروع وطني جديد يجعل السودان وطنا لكل أهله وأقوامه، ويضعه في طريق بناء الأمة. ثالثا: في حال تسليم السلطة إلى المدنيين، يجب أن تعمل القوى المدنية بكل مكوناتها لإنجاح التجربة الديمقراطية وتقديم نموذج راسخ في الحكم الرشيد يلتف حوله السودانيون كافة. رابعا: وحدة واستمرار الضغط الإقليمي والدولي الممنهج على العسكريين لتسليم السلطة إلى المدنيين. خامسا: تحييد بعض دول الإقليم التي لا ترغب في تأسييس ونجاح أي حكم ديمقراطي ونظام سياسي قوي في السودان. سادسا: انهاء الحروب وتحقيق السلام والعدالة في أقاليم السودان كافة. بيد أنني، لست من الذين يعتقدون أن العسكر يمكن أن يسلموا السلطة طواعية إلى المدنيين، فتجارب السودان والأمم من حولنا تعج بالأمثلة في هذا المضمار. لا شك، ان ميزان القوة الذي أسقط البشير ما يزال في صالح الثوار من الشباب والقوى السياسية والمدنية الأخرى، لكن بعض قيادات المؤسسة العسكرية والميليشيات يراقبون بدقة الحراك الثوري، فهم يراهنون على اختلافات الثوار و تضعضع قوتهم ليدشنوا عملية الثورة المضادة والاستمرار في الحكم. السودانيون على موعد جديد مع التاريخ لتصحيح خطايا وجرائم دولة ما بعد الاستقلال التي فشلت في أن تكون دولة لكل السودانيين، لا شك، ان وحدة مكونات قوى الثورة والسودانيين كافة على أساس برنامج للانتقال الديمقراطي الحقيقي والسلام الشامل العادل، ومشروع وطني جديد، هي الضامن الأوحد الذي يخلص السودان من مصير وسيناريو الثورة المضادة وحروب الوكالة والفوضى، كما انها الطريق الوحيد للخروج من الدائرة الشريرة التي اعترت تاريخنا السياسي. نشر بالقدس العربي بتاريخ 20 – أبريل – 2019