توقيع وثيقة الاتفاق السياسي في السودان خطوة تحمل آمالا في أن يغلق باب القلق من تفتيت جديد للخارطة السودانية وعدم تكرار تجربة انفصال الجنوب في مناطق النزاع. ووضع توقيع الأطراف المتنازعة في السودان على الإعلان السياسي بشأن تشكيل هياكل ومؤسسات الحكم هذا البلد الأفريقي على عتبة مرحلة انتقالية، ستكون بمثابة اختبار للمجلس العسكري وقوى المعارضة المدنية كما المجتمع الدولي والقوى الإقليمية والاتحاد الأفريقي للحفاظ على هذا الاتفاق الذي يبقى هشا في أرضية مزروعة ألغام، وتحديات وتركة النظام السابق المتمثلة في مجتمع منقسم بسبب خلافات سياسية وقبلية عميقة. وكان قد وقّع المجلس العسكري الحاكم في السودان وقادة حركة الاحتجاج الأربعاء بالأحرف الأولى وثيقة الاتفاق السياسي التي تحدد أطر مؤسسات الحكم، وهو مطلب رئيسي للمحتجين منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل الماضي. وتحمل هذه الخطوة التي رحّب بها السودانيون، كما المجتمع الدولي، آمالا في أن تفتح أبوابا جديدة أمام هذا البلد الأفريقي الذي أنهكته سنوات طويلة من حكم عمر حسن البشير، بما صاحبها من عقوبات دولية وسياسات مضطربة مع الجيران العرب والأفارقة. وتحمل هذه الخطوة آمالا في أن يغلق باب القلق من تفتيت جديد للخارطة السودانية وعدم تكرار تجربة انفصال الجنوب في مناطق النزاع المسلح (جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور). وينص الفصل الخامس من الاتفاق الموقّع بين المجلس العسكري وقوى المعارضة المدنية على أن توضع السياسة والمنهج الفعال لتحقيق السلام الشامل في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالتشاور مع كافة الحركات المسلحة. واتفق الطرفان على تحقيق سلام عادل وشامل يوقف الحرب نهائيا بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها مع الوضع في الاعتبار التمييز الإيجابي. الوساطة الأفريقية يقول جيروم توبيانا، الباحث الخبير في شؤون السودان، "قد يكون نظام عمر حسن البشير ذهب، لكن إرثه لمجتمع سوداني منقسم بسبب خلافات سياسية وقبلية عميقة مستمر". ولتحقيق ذلك يحتاج السودان إلى دعم إقليمي وتفهّم دولي. ولا شكّ في أن القوى الدولية والأنظمة الإقليمية تتطلع إلى تحقيق الاستقرار في السودان والمرور إلى مرحلة جديدة تقطع مع سياسة الكيل بمكيالين التي انتهجها النظام السابق، كما سياسة الابتزاز واستغلال الحركات المسلحة والخلافات بين الدول الأفريقية وتعقيدات العلاقات في ما بينها. وفي سياق هذا الانتقال يظهر دور مهم للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة، حيث تبرز تطورات انتقال السلطة في السودان أهمية قيام شراكة أكثر إستراتيجية بين الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة. لكن، يتطلب الأمر كخطوة أولى تمرير الصدع بين مجلسي الأمن في الهيئتين وتوحيد جهودهما الرامية إلى تحقيق الاستقرار في السودان. ويلفت بريال سينغ، الباحث في معهد الدراسات الأمنية، ودانييل فورتي، المحلل في معهد السلام الدولي، في قراءة نشرها معهد الدراسات الأمنية، إلى أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه السودان خصوصا على مستوى الأمن الأفريقي في المستقبل. ويتمتع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بفرصة مهمة لصياغة إستراتيجية مشتركة لدعم الشعب السوداني مع تاريخ من التعامل مع عدم الاستقرار في السودان. ويرى بريال سينغ ودانييل فورتي أن السودان يمثل فرصة لينسق المجلسان جهودهما مع وضع أسس مشتركة لإدارة الأزمة. وسهّلت جهود وساطة الاتحاد الأفريقي التي قادها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد سبل التوصل إلى اتفاق مؤقت في السودان. وجاء ذلك بعد أشهر من الاضطرابات المدنية، وانقلاب عسكري، واشتباكات بين قوات الدعم السريع ضد المدنيين، وانهيار في التواصل والثقة بين المتظاهرين المدنيين والمجلس العسكري. طوال الأزمة الأخيرة، كان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي يتابع التطورات على أرض الواقع. وأصدر أربعة بيانات رئيسية على الأقل منذ 19 أبريل، أدانت أعمال المجلس العسكري الانتقالي ودعا إلى سلطة سياسية انتقالية يقودها المدنيون. وفي 6 يونيو، أعلن مجلس السلام والأمن الأفريقي تعليق عضوية السودان في كل أنشطة الاتحاد الأفريقي إلى حين إقامة سلطة مدنية انتقالية. ووصف المجلس سلطة الجيش بأنها "غير شرعية" في أبريل، حيث رفض أن يقود العسكريون المرحلة الانتقالية. ويذكر أن المجلس العسكري في السودان طلب من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والقوات المشتركة لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) تسليم معسكراتها إلى قوات الدعم السريع، وهو ما رفضه مجلس السلم والأمن. وبقيت الدول الأفريقية الأعضاء الثلاث في مجلس الأمن الدولي متحدة في دعمها لمواقف مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وكان البيان الصادر في 6 يونيو الأول من نوعه حيث قدمت فيها هذه الدول بيانا حازما نحو بلد وحالة محددة. وتحدث ممثلو جنوب أفريقيا وغينيا الاستوائية وكوت ديفوار إلى الصحافيين أمام قاعة المجلس. وقال مندوب جنوب أفريقيا الدائم لدى الأممالمتحدة، جيري ماثيو ماتجيلا "نصرّ على ضرورة التحقيق في أحداث الثالث من يونيو لتقديم المسؤولين عن قتل السودانيين الأبرياء إلى العدالة على النحو المطلوب من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي". ويعدّ هذا النهج الجماعي مشجعا نظرا إلى الروابط الضعيفة التي تجمع الدول الأعضاء مع مجلس السلم والأمن. وكانت ظهرت انقسامات بين مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن منذ أبريل، مما يدل على الحاجة إلى تعاون أكبر بين الهيكلين. يتمثل أحد التحديات الرئيسية في كيفية فهم المجلسين للعلاقة بين الأزمة السياسية الحالية في السودان والانسحاب المبرمج لبعثة يوناميد. ويعكس موقف الدول الأفريقية الثلاث موقف أعضاء مجلس الأمن الآخرين، وخاصة الولاياتالمتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. لكن آراء روسيا والصين مختلفة عنها لعدم رغبتهما في التدخل في شؤون الدول الأعضاء الداخلية. فرض موقف الدول الثلاث الثابت تجاه يوناميد ضغطا أكبر على أعضاء مجلس الأمن الدولي لتقديم تنازلات ومحاولة الوقوف إلى صف مجلس السلم والأمن. كان دور الدول الأفريقية كجسر ربط بين المجلسين وكان أكثر وضوحا خلال الأزمة السودانية مقارنة بالقضايا الأخرى. بعثة يوناميد انعكست انقسامات مجلس الأمن الدولي في المفاوضات التي سبقت تجديد ولاية بعثة يوناميد في 27 يونيو. وكانت المفاوضات والتنازلات واضحة في القرار 2479 (2019) الذي مدّد ولاية بعثة يوناميد لمدة أربعة أشهر بدلا من المدة المعتادة. ومع ذلك، يؤكد القرار إجماعا سائدا (وإن كان هشا) على أن البيئة السياسية السودانية الضعيفة تتطلب تعليق عملية خروج بعثة يوناميد من دارفور لفترة. ويلفت بريال سينغ ودانييل فورتي إلى أن مجلس الأمن ومجلس السلام والأمن يواجهان تحديا آخر، ويتمثل في تأثير الدول التي اكتسبت مصالح سياسية في السودان ونتائج عملية السلام. لكن، لا شك في أن الأشهر القليلة المقبلة توفر نافذة من الفرص التي ستسمح بخفض حدة عدم الاستقرار في السودان. في خضم ذلك، يجب أن يراقب المجلسان التابعان للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة ما إذا كان الاتفاق المؤقت سيحترم بمجرد قبول الأطراف المتصارعة به. ويجب عليهما أن يتحققا أيضا من أن المجلس العسكري الانتقالي لن يتراجع عن التزامه بنقل السلطة إلى القيادة المدنية بحلول مطلع سنة 2021. لن تكون معالجة هذه القضايا سهلة، وفق الباحثين بريال سينغ ودانييل فورتي، لكن فرص النجاح ستكون أكبر إذا تعاون مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي. وقد أبرزت الأحداث الأخيرة أن تمسّك مجلس السلم والأمن بقراراته يمكّن الدول الأفريقية في الأممالمتحدة من لعب دورها كجسر بين المجلسين. وتعدّ الزيارة التي من المقرر أن تجمع المجلسين في أديس أبابا في أكتوبر مناسبة مهمة لتعزيز علاقتهما المهمة، ومواجهة التحديات التي يسببها غياب التوازن بين قوى الهيئتين. حركات مسلحة سودانية: الاتفاق لن يحقق السلام وأعلنت حركات مسلحة بالسودان، الأربعاء، تحفظها على الإعلان السياسي الموقّع بين المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير، واعتبرته لا يلبّي التطلعات في تحقيق السلام الشامل في البلاد. وقال رئيس الحركة الشعبية/ شمال، مالك عقار، "نقدّر دوافع الذين وقّعوا الاتفاق، هم لا يمثّلون كل قوى الحرية والتغيير، والاتفاق تجاهل قضايا مهمة يجري بحثها في أديس أبابا، وتم إحداث تقدم فيها وعلى رأسها قضية السلام". وأضاف، "تم حوار عميق بين قيادات فاعلة في قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية السودانية"، مشيرا إلى أن "الاتفاق أضرّ بهذا الحوار وما ورد فيه حول السلام لا يتجاوز العلاقات العامة". وزاد، "نحن مع قوى الحرية والتغيير، وهذا الاتفاق سيؤدي إلى تباين المواقف.. ندرس مع رفاقنا في الجبهة الثورية اتخاذ موقف سنعلنه اليوم". من جهته، قال رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، في تغريدة على تويتر، "ما حدث من توقيع بالأحرف الأولى على اتفاق سياسي بين المجلس العسكري الانتقالي، وأطراف من قوى الحرية والتغيير، استهتار بالمشاورات التي تجري في أديس أبابا". وأضاف، "الجبهة الثورية السودانية ليست طرفا في هذا الاتفاق". وتشهد العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مشاورات بين الجبهة الثورية، وقوى الحرية والتغيير، للوصول إلى تفاهمات بشأن تحقيق السلام في مناطق النزاعات. ومنذ عام 2003 يشهد إقليم دارفور قتالا بين الحكومة السودانية وحركات متمردة، ما خلّف أكثر من 300 ألف قتيل، ونحو 2.5 مليون مشرّد من أصل 7 ملايين نسمة، وفق الأممالمتحدة. ومنذ يونيو 2011، تخوض الحركة الشعبية/ شمال تمردا مسلحا في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، ما أدى إلى تضرر مليون و200 حسب الإحصائيات الأممية.