ناس سوداننا نادانا في الفجرية طالع بصنع في المصانع أريد صنّاع بلدنا وصوت المكنة طالع أريد زُرّاع أرضنا ونور الفجر ساطع في الفجر طالع بزرع في المزارع "عبد الوهاب هلاوي" بربكم هل يجوز استمرار الشقاق بين مكونات الشعب السوداني بعد سماع هذا النداء الخالد؟ ولكن للأسف الشديد، مع كل هذا الدفق الشاعري الوطني الراقي، لا يزال سياسيو السودان يتصارعون حول كعكة السلطة حتى يكاد بعضهم يضرب رقاب بعض، أو قد فعل في واقع الأمر! ويظل المواطن المغلوب على أمره يكابد شظف العيش ويمد أكف الضراعة إلى رب السماء من أجل الخلاص بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت. أقول هذا بعد أن أتصل بي الأستاذ بله إبراهيم الحسن، الإداري المخضرم وصاحب التجربة الطويلة في الحكم المحلي، وهو يجأر بمر الشكوى من سوء الأوضاع المعيشية، ليس في الهامش بل في قلب الخرطوم، حيث بات المقتدر والبائس الفقير لا يستطيعان الحصول على ما يسد الرمق من الطعام، ناهيك عن الدواء الذي لم يعد متوفراً إلا لذوي الحظوة وميسوري الحال من الذين يستطيعون الارتحال خارج حدود الوطن إلى مصر أو الهند أو الأردن! الأسعار الآن ليس عليها رقيب ولا حسيب في غياب تام لأجهزة الدولة المنوط بها الإشراف على الأسواق ومراقبتها، فالكل مشغول بالحصول على النصيب الأوفر من السلطة التي صارت غاية وليست وسيلة لخدمة المواطن وحفظ أمنه ورعايته وتوفير العيش الكريم له. سقطت الإنقاذ بعد أن ضاق بها الناس ذرعاً، وظهر الفساد في البر والبحر والجو، وكنا نأمل أن يتحول السودان إلى بلد مستقر وآمن، ولكن إدمان الفشل السياسي حال دون تحقق هذا الحلم النبيل؛ إذ فشلت الأطراف المتصارعة، على الأقل، حتى يومنا هذا، في توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم في أبسط صوره التي تتمثل في الخبز والخضروات واللحوم، وغيرها من احتياجات المائدة السودانية البسيطة. يحدث هذا في وقت تحيط بالعاصمة المثلثة ثلاثة مشروعات كبيرة، وهي تحديداً مشروع السليت، وسندس وجنوب سوبا، وقد كان من المفترض أن توفر هذه المشاريع الغذاء من لحوم وخضار وبيض وألبان لسكان العاصمة وبعض الأقاليم المجاورة، ولكنها فشلت في ذلك تماماً؛ بسبب الفساد وسوء الإدارة والمحسوبية وتحويل التمويل إلى أغراض هامشية ذات عائد شخصي سريع، ولكنه لا يخدم مصلحة الوطن أو المواطن في شيء. إزاء هذا الوضع المحزن والمزري، نود من المجلس العسكري، بصفته القائم على الأمر، الالتفات إلى معاش الناس، فقد انشغل قادته بإحكام اللعبة السياسية والتفاوض مع قوى الحرية والتغيير أكثر من مهمة الدولة الأساسية، وهي في تقديري، وفي المقاوم الأول، تقديم خدمات إسعافيه، تجعل المواطن يشعر أنه مقبل على عهد جديد، يقدم كرامة الإنسان على كل شيء آخر، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن في ظل الفشل في تشكيل أي حكومة كانت مدنية أو عسكرية، ومع استمرار حالة التناطح بين الفريقين اللاعبين الآن وهما تحديداً المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. هذا الوطن كما يقول الدكتور محمد حسين سليمان أبو صالح يحتاج فقط لحكومة راشدة، تضع حداً للتجاذب السياسي وتعكف على مشروع أو برنامج وطني مجمع عليه، من أجل التنمية والنهضة، وسوف ينطلق هذا المارد الذي حباه الله بمصادر لا تتوفر لغيره من البلدان بيد أنه ابتلي بسياسيين أشأم كلهم كأحمر عاد، لا يهمهم أمر المواطن بل تهمهم أنفسهم وأحزابهم وتلك لعمري مصيبة كبرى. يا حضرات السادة، قلنا أكثر مرة أن الصلح خير، وهذا السودان قد أثقله الشقاق، ولم يعد يحتمل المزيد، ولذلك فإن من المطلوب فوراً التوقف عن السعي لكسر عظام بعضنا البعض وتناسي خلافاتنا مهما كانت مرارة التجارب والإحن، فقد سبقتنا الأمم من حولنا في مضمار النهضة وهي لا تملك معشار ما نملك من مصادر طبيعية، بعد أن نسيت خلافاتها. في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط، قال الإمام الصادق المهدي: "أنا متفائل بأنه يمكن الوصول إلى شراكة، لعدة أسباب، من بينها أن كل طرف يعلم أنه لا مجال لإملاء آرائه على الآخرين لأنه سيفشل، وستسعفنا ثقافة الوفاق عند المحن مثلما أسعفتنا في الثورات السابقة وعند الاستقلال، هذا التراث سيسعفنا في هذه المرحلة." وعلى الرغم من تفاؤله إلا أن السيد الإمام مطلوب منه تقديم مزيداً من الدعم للجهود المبذولة حالياً فهو صاحب تجربة سياسية امتدت لأكثر من ستة عقود، وله إرث قيادي مشهود، فلماذا لا يخلع عباءة الحزبية ويضع يده مع المنادين بالتوجه الوطني حتى يخرج السودان من هذا المأزق؟ وحسب رأي الأستاذ بله إبراهيم الحسن، إذا لم يدرك الناس خطورة الوضع الراهن، فإننا نخشى أن يأتي اليوم الذي يقول فيه السودانيون: "يا حليل البشير وحكومة الإنقاذ" كما قالوا من قبل: "يا عبود، ضيعناك وضعنا وراك" فحسب المنايا أن يكن أمانيا. يا بني السودان ضعوا الشقاق جانباً والوفاق خير.