تطفو على السطح هذه الأيام دعوة لإبعاد من تجاوز الخمسين ربيعا من المشاركة فى مستويات السلطة الانتقالية القادمة. اعتقد أن هذه الدعوة ترقى إن لم تكن حقيقة لمستوى التفرقة العنصرية. والغريب فى الأمر أن الدعوة تأتي من بعض من يعيشون فى الغرب، ويعلمون تماما أن هناك قوانين تمنع التفرقة على أساس العمر، أو ذوي الحاجات الخاصة، وإنما تمنح الوظيفة حسب الكفاءة، والقدرة على العطاء، سواء كانت عقلية، أو جسدية، ووضع الشخص المناسب فى المكان المناسب دون التقيد بعمره. والحقيقة أنه لا يمكن أن نُفصل أي قوانين إقصائية مهما كانت المبررات لإقصاء أي شخص، أو مجموعة، أو كيان، أو عنصر، يملك القدرات، والإمكانيات، بينما هو قادر على العطاء بأية حجة، سواء كان المبرر فشل النخبة السابقة فى قيادة البلاد خلال الحقب السابقة، أو فشلهم فى إسقاط النظام. وإذا نظرنا إلى جيل ما قبل الخمسين فسنجد أن مواقفه متباينة، ففيهم من وقف ضد النظام من يومه الأول، وفيهم من حمل السلاح ضد النظام، وفيهم من شارك النظام، بل دافع عنه، وفيهم من هادنه، وهناك من تساهل وغض الطرف مؤثرا السلامة الشخصية. وإذا أعدنا البصر كرتين فالجميع قد أسهم بقدر ما فى إفشال الدولة السودانية القائمة، وبالأخص الذين تحصلوا على درجات عليا من التعليم على حساب الشعب السودانى. ولهؤلاء نقول إنه قد حان الأوان لرد ولو قليل من الدين لهذا الشعب الأبي، ولذلك يجب إعطاؤهم الفرصة لرد الدين ولو قليلا منه. ذلك لأن تلك الفرصة التى وجدوها فى نيل أعلى الدرجات حرم منها هذا الشباب الثائر والجيل الراكب الرأس الشئ المقلق فى هذه الدعوة لإبعاد الخمسينيين. أيضا أن من يدعوا لذلك كأنه يرى فيها تشريفا ومنافع وهذا ايضا مفهوم يجب أن يتغير. فالمناصب العليا والحكومية تكليف عظيم، وليس فيها أي تشريف بعد نجاح هذه الثورة العظيمة. فقط علينا الحرص والدقة فى اختيار رجال المرحلة وعدم المجاملة. أما بالنسبة للشباب فمن الذى يحمل السلاح، ويحصد فى أرواح الثوار؟ فالإجابة هي أنهم شباب مثلهم مغرر بهم، وفاقد تربوي، ونحن مسؤولون عنهم بنفس القدر، وهنا استحضر قول شاعرنا العظيم محجوب شريف أي سونكى لازم يبقى مسطرينا كل طلقة بينا نحن تبقى وفرة في محل حراسة قاعه للدراسة بي تمن طبنجه أحسن الكمنجة هذه الأبيات هى مشروع متكامل للسودان القادم. فالساحة تعج بالقادة الشباب الذين تقدموا الصفوف، وتضخ دماؤهم بزخم الثورة، وعنفوانها. كما تضم أيضا شيوخ النضال الذين أفنوا أعمارهم الطويلة فى مقارعة الظلم، والقهر، والفساد. فعمنا الباشمهندس صديق يوسف أطال الله فى عمره شعلة متقدة من النشاط والعمل، وأستاذنا الكبير فاروق أبو عيسى مثله، كما لا ننسى الذين فقدناهم فى لحظة مفصلية من تاريخ الوطن شيخ المناضلين علي محمود حسنين، والذى تنسم عبق الحرية قبل أن يرحل لاحقا. وهناك أبو المناضلين الدكتور أمين مكى مدني، وأخونا وأستاذنا العظيم البروف مهدى أمين التوم أمد الله فى عمره. وأقولها صراحة إنه من أكفا، وأفضل من يقود هذه الفترة هو بروفيسور مهدى أمين التوم لأسباب لا يمكن حصرها الآن. ويمكن أن نكتب مقالا كاملا لنرد على سؤال لماذا بقي بروف مهدى هو الأنسب والأمثل لهذه المرحلة. وأتذكر أنه عندما طرحت عليه الفكرة رفضها، وطلب مني حتى عدم التفكير بهذه الطريقة. لم استمر في حواره، نزولا عند رغبته وهو رجل زاهد فى المناصب، وحالم بسودان الحرية، والعدالة، والسلام. هل يعقل أن نقصي كل هذه القامات لكونهم تجاوزوا السبعين؟ كلا وألف كلا. سقت هذه الأمثلة فقط للدفع بقضية عدم الإقصاء. فحاجتنا الآن للكل لبناء السودان القادم. للذين يتابعون السياسة الأمريكية نقول فالننظر لكل المرشحين. فالساحة تضج بالعجايز فى الجانبين، فالرئيس وأقوى المرشحين ضده تجاوزوا السبعين من العمر. والعم بيرنى ساندرز قد لقى تأييد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والثلاثين فى انتخابات الحرب الديمقراطي الابتدائية ضد هيلري كلنتون، ولولا المؤامرات لأصبح المرشح الحقيقي للحزب الديمقراطي، ولكنها غلطة دفع ثمنها الحزب الديمقراطى فكانت خسارته الانتخابات الرئاسية.