بعد أشهر من إشعاله حرباً على العاصمة الليبية طرابلس، سعياً للسيطرة عليها وإسقاط الحكومة المعترف بها دولياً، بدأت دول داعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر بمده بمليشيات عُرفت بإجرامها وبشاعتها في التعامل مع المدنيين. وتشن قوات حفتر، منذ الرابع من أبريل الماضي، هجوماً للسيطرة على طرابلس، أسفر عن سقوط أكثر من 1000 قتيل وأزيد من 5 آلاف و500 جريح، وفق منظمة الصحة العالمية، لكنها فشلت في إحداث اختراق حقيقي نحو وسط العاصمة. ونتيجة هذا الفشل بدأت دول داعمة لحفتر تلجأ إلى خدمات شركات، بعضها من روسيا، لتجنيد مرتزقة للقتال مع مليشياته في ليبيا. وتداول ناشطون ليبيون على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مؤخراً، صوراً لمستندات وخطط عسكرية مكتوبة بخط اليد، وصوراً شخصية وهواتف نقالة وبطاقات ائتمان مصرفية لمرتزقة من شركة "فاغنر" الروسية. جنجويد وفاغنر وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، كشف في لقاء مع قناة محلية عن استعانة قوات حفتر بمرتزقة من مليشيا "الجنجويد" بالسودان، وشركة فاغنر، لدعمه في مواجهات طرابلس، متهماً دولاً (لم يسمها) بمساعدة حفتر في هذا الشأن. وذكرت وكالة بلومبيرغ أن أكثر من 100 مرتزق روسي من مجموعة فاغنر، التي يرأسها يفغيني بريغوزين، المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، وصلوا هذا الشهر إلى شرق ليبيا لدعم قوات حفتر في محاولاتها للسيطرة على العاصمة طرابلس. وقالت بلومبيرغ إن أحد قادة المرتزقة الروس أكد وصول مجموعة من "فاغنر" للقتال في ليبيا إلى جانب حفتر، وذكر أن بعضهم قتل أثناء المعارك. وبحسب الوكالة فإن "الروس يؤمنون بأن لسيف الإسلام القذافي دوراً مهماً في الخريطة المستقبلية لليبيا، باستثناء أن يكون رئيساً للدولة". وقالت إن مجموعة فاغنر ما فتئت تضطلع بدور بارز في تنفيذ السياسة الخارجية لروسيا، حيث شاركت في عمليات بسوريا، وكذلك في إفريقيا الوسطى، ومناطق أخرى بإفريقيا. كما أن "بريغوزين" ورد اسمه في تحقيقات التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية التي جاءت بدونالد ترامب رئيساً عام 2016. فاغنر.. بلاك ووتر الروسية تعد مجموعة فاغنر أشهر شركة أمنية روسية، وتماثل شركة "بلاك ووتر" الأمريكية، التي عُرفت بجرائمها وانتهاكاتها، لا سيما في العراق. يعمل تحت لافتة "فاغنر" مئات المرتزقة الروس، وتتولى -بحسب تقارير صحفية- تنفيذ ما يوصف ب"العمليات القذرة" في مناطق النزاع المختلفة. نشأت هذه المليشيا خلال السنوات الأخيرة وبدأت نشاطها في أوكرانيا، ثم برزت بشكل أكبر في سوريا، وخطفت الأضواء أكثر بعد مقتل عدد من عناصرها -تتفاوت تقديراته- خلال غارة أمريكية في سوريا مطلع فبراير 2018. ووفق بحث أجراه "الخليج أونلاين" فإن المرتزقة ينتمون ل"القوزاق الأرثوذكس الروس"، وذهبوا إلى سوريا للدفاع عمَّا يسمونها "روسيا الأم من البرابرة المجانين"، وذلك على غرار إيران التي جندت هي الأخرى مرتزقة من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان للدفاع عمَّا يسمونه "المراقد المقدسة" في سوريا! وليس لمجموعة المرتزقة التي أطلق عليها اسم "فاغنر" أي وجود قانوني، فضلاً عن أن الشركات الأمنية الخاصة محظورة في روسيا، لكن تقارير تقول إن عدد عناصر مجموعة "فاغنر" وصل إلى 1500 في مرحلة من المراحل. بحسب وكالة "رويترز" تأسست الشركة على يد العميد السابق في الجيش الروسي ديمتري أوتكين، صديق الرئيس فلاديمير بوتين، والخاضع لعقوبات أمريكية لدور الشركة في تجنيد الجنود الروس السابقين للقتال في شرقي أوكرانيا، وقد شوهد أوتكين خلال مأدبة عشاء أقامها بوتين لقدماء الجنود الروس. ورغم النفي الرسمي لوجود علاقة للمرتزقة بالجيش الروسي، فإن الوقائع تؤكد أنهم يعملون بالتنسيق الكامل مع القوات الروسية، ويتلقون نفس امتيازات عناصر الجيش الروسي، وينقلون إلى سوريا بواسطة طائرات عسكرية روسية تهبط في القواعد الروسية هناك، ويتلقون العلاج في المستشفيات العسكرية الروسية أسوة بالجنود الروس. أعمال وحشية على الرغم من التكتم على العمليات التي تؤديها مليشيا فانغر، لكن تسريباً لفيديو في سوريا، يكشف عن وحشية عناصر هذه المليشيا في التعامل مع من يتهمونهم بالإرهابيين. ففي مقطع الفيديو، يضرب المرتزقة الروس رجلاً بمطرقة ويدوسون على رقبته، حيث يبدو الرجل ملقىً على الأرض ومجموعة من العناصر الروس المسلحين تحيط به وتتناوب على ضربه وتعذيبه، لا سيما بالمطرقة، حيث يعمد أحد الروس إلى تثبيت يد الرجل على الأرض بقدمه، ويقوم آخر بضرب اليد بمطرقة كبيرة. الجنجويد.. سجل حافل بالانتهاكات ويبدو أن لمليشيا الجنجويد السودانية مهمة خارجية، بحسب ما أكد وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، بأن قوات حفتر استعانت بهم. آخر أبشع جرائم ارتكبتها مليشيا الجنجويد يوم 3 يونيو الماضي، حين قادت فض اعتصام لمدنيين سودانيين أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، مستخدمة وسائل قمع حولت مكان الاعتصام إلى مجزرة، تجاوز عدد القتلى فيها 100 شخص. وكانت "الجنجويد" التي تتبنى أسلوب حرب العصابات، المتهم الأبرز في هذا الفضّ، ويعتبر مقاتلو هذه المليشيا شرسين في الحرب، ويؤمنون بأن الفرار من المعركة عيب كبير ووصمة عار. ووجهت الاتهامات لها بقتل المعتصمين بدم بارد، ورمي جثث كثير منهم في نهر النيل، بالإضافة إلى أنها اتهمت بنهب ممتلكات المواطنين وأغراضهم. وسبق لهذه المليشيات أن ارتكبت مجازر بشعة بحق المدنيين في دارفور غرب السودان. من هي مليشيا الجنجويد؟ الجنجويد هي امتداد لقوات الدعم السريع، التي يقودها الفريق محمد حمدان حميدتي. وتعترف الحكومة السودانية بهذه المليشيا، والبعض يصفها بأنها السلاح الخفي للحكومة في البلاد. وقوات الدعم السريع تعد "قوات شبه عسكرية سيئة السمعة، ارتكبت أعمالاً وحشية جماعية في دارفور وأجزاء أخرى من السودان"، وفق ما ذكرت سابقاً مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية. وبالعودة إلى تاريخ هذه المليشيا فإن "الجنجويد" ظهرت في إقليم دارفور عام 1987 حيث عقد تحالف موسع يشمل كل القبائل ذات الأصول العربية بالإقليم، وأطلق عليه اسم "التجمع العربي"، ويضم 27 قبيلة، ثم توسع التنظيم ليشمل بعض قبائل كردفان ذات الأصول العربية وأخذ التنظيم الجديد اسم "قريش". وتوصف "الجنجويد" بأنها الذراع العسكري للقبائل العربية بدارفور، وهو ما تنفيه هذه القبائل، لكن بعض المراقبين ربطوا نشأة هذه المليشيا بالحرب التشادية-التشادية في الثمانينيات، حين واجه الرئيس التشادي إدريس دبي خصمه حسين حبري، فجنّد كل طرف بعض المليشيات من أبناء القبائل العربية القاطنة بشرق تشاد فبرزت هذه المليشيا. وبعدها تشكلت الجنجويد في دارفور للتصدي للحركات المسلحة وعلى رأسها (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، التي كانت تحارب الحكومة المركزية السودانية. واتهمت بارتكاب فظائع هائلة تجاه المدنيين في دارفور من قتل واغتصاب ومحو لقرى كاملة بأهلها عن الوجود، والتسبب في واحدة من أكبر عمليات النزوح الجماعي في القارة السمراء، لكن عناصرها لم يقدموا إلى المحاكمات. في العام 2004 طالب مجلس الأمن الدولي حكومة السودان في قرار بشأن دارفور، بنزع أسلحة "الجنجويد" وضرورة تعقب الضالعين بالقتل والنهب والاغتصاب، وفي العام 2006 جمعت الحكومة أسلحة المليشيا بإقليم دارفور. وأوقفت المليشيا نشاطها مدة، لكنها عادت لممارسته في دارفور منتصف عام 2014، بعد أن أعادت الحكومة السودانية تشكيلها ومنحتها اسم قوات الدعم السريع، وضمتها إلى القوات الأمنية السودانية، بحسب ما ذكرت سابقاً "نيويورك تايمز". مهمة فاغنر وجنجويد بليبيا منذ خمسة أشهر يركز خليفة حفتر على معركة طرابلس، لكن قواته فشلت في دخولها متكبدة خسائر كبيرة. فشله في معركته حول طرابلس لم يكن فيها وحيداً؛ إذ تقف عدة دول لدعم حفتر في حربه هذه، خاصة الإمارات ومصر. ولكون تركيز حفتر حالياً حول كسب معركة طرابلس، سعياً للسيطرة عليها، يُفسر بما لا يدع مجالاً للشك أن الاستعانة بمليشيات من خارج البلاد هدف لمساندته في هذه المعركة. وفي حين أن كلاً من مليشيا "فاغنر" ومليشيا "الجنجويد" عُرفتا باعتمادهما القسوة وارتكاب الانتهاكات والفظائع بحق المدنيين؛ فهذا ما يشير إلى أن حفتر لا يهتم للانتهاكات والفظائع التي قد تطول المدنيين في سبيل السيطرة على المدينة، رغم الانتقادات والتحذيرات الدولية.