تُعرَّف المهنة بإختصار على أنها وظيفة مبنية على أساس من التعليم و التدريب بغرض القدرة على تقديم خدمات و آراء موضوعية محايدة و عادلة للآخرين (1) . في الغرب النقابة المهنية (و تُعرف أيضاً بالجمعية المهنية أو المنظمة المهنية أو الجسم المهني) تُعرَّف عادةً بأنها منظومة تجمع ممارسي مهنة معينة و تكون مسجلة بمقتضى قانون البلد الذي تنشط فيه النقابة (يعتبر شرط تسجيل النقابات إختيارياً في بعض الدول، وفي معظم دول العالم فإن التسجيل/ الإيداع للوائح والنظم الداخلية من أكثر الشروط الشكلية المطلوبة (2))، و تقوم النقابة على الأهداف التالية: أ/ تطوير مهنة النقابة المعينة، ب/ تطوير مصالح أعضاء النقابة، ج/ تعزيز و حفظ المصلحة العامة (1) . في هذا المقال يتعرض الكاتب للفروقات بين النقابة المهنية و النقابة العمالية ثم يفصل بين الدور الوطني و السياسي للنقابة بحكم أدوراها التاريخية في السودان، و يقدم بعض الإقتراحات حول كيفية إعادة بناء نقابة الصيادلة. كُتبت هذه المقالة استجابة لما قُدم من حديث من أعضاء اللجنة التسيرية لمبادرة استعادة نقابة الصيادلة و لما دار من نقاش في يوم الخميس الموافق 10/10/2019م بدار الصيادلة. النقابات العمالية و المهنية هل ثمة اختلافات؟ في الدول الناطقة بالعربية تُستخدم كلمة نقابة سواءاً كانت هذه النقابة مهنية أو عمالية إلا أن الإشكال ليس في الإشتراك في لفظ نقابة إنما في إدراك الإختلاف في الحالتين حيث يُلاحظ أنه كثيراً ما تُدرج النقابات المهنية على أنها عمالية حتى في نقاشات النقابيين المهنيين عند تعريفهم للنقابة و أدوراها واستعراضهم للقوانين الدولية المُشرِعة لحرية العمل النقابي و لم يكن لقاء الصيادلة المذكور آنفاً استثناءاً. النشاط النقابي في تاريخ السودان الحديث بدأ ضد سياسات الاستعمار البريطاني في عام 1908م بأول إضراب نقابي في السودان الحديث قام به عمال مناشير الغابات مطالبين بتحسين بيئة وظروف العمل، ثم تدرج النشاط ليدخل المقاهي العامة في الأسواق لمناقشة قضايا العمال(3). وبدأ الضغط على الاستعمار البريطاني لتتم الاستجابة بقيام أندية العمال في مدن الخرطوم الثلاث عام 1934م، وتوالت بعد ذلك في كل المدن العمالية بالسودان وأصبح لها دور تثقيفي وتدريبي وسياسي في مناهضة الاستعمار من خلال المطالبة بقيام التنظيمات النقابية. في العام 1947م كان تأسيس أول التنظيمات النقابية في شكلها الحديث و هو هيئة شؤون العمال بالسكة الحديدية و تم الضغط على المستعمر ليعترف ويستجيب بحق التنظيم النقابي ويصدر أول قانون للعمل والعمال في عام 1948م ولائحة تسجيل النقابات لنفس السنة (3). وبذلك إكتسبت الحركة النقابية السودانية شرعيتها واستمدت قوتها لينشأ أول مؤتمر عمالي في 18/5/1949م (3). في الغرب الناطق بالانغليزية حيث نشأت النقابات أول مرة و تحديداً في المملكة المتحدة تستخدم ألفاظ مختلفة كُلية لتوصيف نقابة العمال و النقابة المهنية وهما (trade union) و (professional association/society) على الترتيب، مما يلزم أن هنالك فروقات بين الاثنتين و في بعض الاستثناءات يمكن أن يندرج مهني أو مجموعة من المهنيين في نقابة عمالية و لكن لا يمكن لنقابة مهنية قُطرِية أن تكون عمالية (4،5). هذا الخلط بين النقابة العمالية و المهنية له جذور تاريخية مرتبطة بالتكوين حيث سبق تأسيس النقابات العمالية النقابات المهنية في الغرب و كذلك كان الحال في السودان. سبق العمال المهنيين في الإضراب السياسي و المطالبة بتحسين بيئة و ظروف العمل و للقارئ أن يتخيل عدد السودانيين الحاصلين على تعليم و تدريب مهني في العام 1903م عندما قام عمال مناشير الغابات بأول إضراب نقابي في السودان و من المنطقي الاستنتاج بأن مزاولة السودانيين للمهن بالتعريف المذكور في المقدمة أعلاه قد بدأ مع بداية تخرج سودانيين من كلية غردون التذكارية التي أفتتحت في العام 1903م. أما النقابات المهنية فقد تكون نواتها الأولى مؤتمر الخريجين حيث كان المؤتمر بمثابة نقابة —ضمت العدد المحدود من الخريجين من كافة التخصصات في ذلك الزمان— ترعى شأنهم في ملابسات الاتفاقية الإنجليزية المصرية في 1936م وهكذا فهمه الإنغليز (6). في يوم 12 فبراير 1938م اجتمع 1180 خريجاً معظمهم من موظفي الدولة لتحديد هدف المؤتمر وبعد النقاش وافق الحضور على أن يكون هدف المؤتمر خدمة مصالح الخريجين والبلاد معاً و بالنظر إلى أهداف المؤتمر نجد أنه يتطابق مع أهداف النقابة المهنية ((ب) و( ج)) المذكورة أعلاه (7). بالتأكيد يوجد الكثير من التشابه بين النقابة العمالية و المهنية في جوانب عديدة لا يسمح المجال بمناقشتها و للاستزادة يمكن الرجوع إلى المرجع (8). أما الإختلافات الأساسية فهي كما كتب محمد علي خوجلي " النقابة المهنية من أشخاص القانون العام وعضويتها دائماً إلزامية، بمعنى أن عضوية النقابة من شروط مزاولة المهنة. وتتطلب العضوية في النقابة المهنية الحصول على مؤهل علمي (محدد) أو (شهادة مزاولة المهنة) ولها صفة قومية ويجوز أن يكون لها فروع في المحليات أو الولايات. والنقابة المهنية تنشأ بقانون أو بأداة تشريعية أدنى من ذلك، وهي تركز على تنظيم المهنة وتطويرها وتساهم في عملية البناء والتنمية ولعضويتها دور في تقدم المجتمع، كما أنها قد تعتبر هيئة استشارية للدولة في مجال تخصصها. أما النقابات العمالية فهي من أشخاص القانون الخاص، وتتكون بإرادة العمال ولا تتدخل الدولة في قيامها، ولا تتمتع النقابة العمالية بحقوق السلطة العامة. وعضوية النقابة العمالية (إختيارية) بل إن جعلها (إلزامية) يتعارض مع المعايير الدولية.. وشرط الإنضمام إليها هو توافر صفة العامل وأن يعمل في المهنة التي تمثلها نقابته العمالية. وتوجد عدة تشكيلات أو مستويات للتنظيم النقابي العمالي (خلافاً للتنظيم المهني) ولكل مستوى شخصيته الاعتبارية: نقابة المنشأة، نقابة عمال المحلية، النقابة العامة للاتحاد العام للنقابات. و أبرز أهداف النقابة العمالية هي تحسين شروط الخدمة وتحسين ظروف العمل وشروطه وتقديم الخدمات الاجتماعية للعمال. وللنقابة اجراءات إنضباطية وجزاءات قد تصل الى الفصل من النقابة لكنها لا تستطيع حرمانه من العمل أو شطبه من السجل (خلافاً للنقابة المهنية)" (8) انتهى الإقتباس. في هذا الاقتباس يقول محمد علي خوجلي أن عضوية النقابة من شروط مزاولة المهنة و هذا القول كان صحيحاً الى فترة قريبة و لكن خلال العقود الأخيرة برز إتجاه فصل الدور الرقابي عن الدور المهني فمثلاً في بريطانيا منذ العام 1841م و حتى العام 2010م كانت الجمعية الملكلية الصيدلانية ببريطانيا العظمى (Royal Pharmaceutical Society of Great Britain (RPSGB)) هي الكيان المسؤول تنظيمياً و رقابياً (regulatory) و مهنياً (professional) عن الصيادلة و تقنيي الصيدلة قبل أن تُقسم في العام 2010م إلى المجلس العام للصيدلة (General Pharmaceutical Council (GPhC)) حيث تمت إحالة السلطات المُنظمة لممارسة مهنة الصيدلة إليه و أصبح مسؤولاً عن تسجيل و إلغاء تسجيل الصيادلة و تقنيي الصيدلة لممارسة المهنة، صلاحية الصيدليات، وضع المعايير للتعليم و التدريب و ممارسة الصيدلة الخ (9). و من ثم تحولت الجمعية الملكية الصيدلانية ببريطانيا الى الجمعية الملكية الصيدلانية (Royal Pharmaceutical Society) و هي تمثل النقابة و أحيل اليها الدور المهني و بالرغم من أن الإنضمام إلى الجمعية الملكية الصيدلانية ليس شرطاً مسبقاً لمزاولة مهنة الصيدلة ببريطانيا إلا أن معظم الصيادلة الممارسين ينضمون لها من أجل المصالح التي توفرها للعضوية (10). كذلك تم تشكيل المجلس الطبي العام البريطاني (General Medical Council) في عام 1983م ليقوم بنفس الدور بالنسبة لمهنة الطب. كذلك إذا تمعنا في الأجسام المنضوية تحت تجمع المهنيين السودانيين فنجد أنها جميعاً تمثل كيانات موازية للنقابات المهنية كرد على سيطرة النظام البائد على منابرها (11). هذا التفريق بين النقابة العمالية و المهنية يجب أن يكون في الحسبان خصوصاً و نحن مقبلون على مرحلة بناء المؤسسات و يجب أن يكون البناء بصورة سليمة و صحيحة و يتطلب ذلك أن ندرك ماذا نفعل و أن نستفيد من تجارب الآخرين و من تجاربنا كسودانيين حيث أننا لن نقوم بإعادة إختراع العجلة. هنالك كذلك تجمعات مهنية أخرى تعرف باسم الاتحادات و هي مختلفة عن النقابات المهنية و ليس لها السلطة العامة للنقابات و هي تقدم الدعم لمنسوبيها بشكل فردي و تقوم بالدفاع عن سمعتهم عند الحوجة (12). ما دعا الكاتب إلى مناقشة الفروق بين النقابة المهنية و النقابة العمالية هو أنه التمس أن هناك لبس بين الشكلين النقابيين أو هكذا بدا له خلال النقاش في الإجتماع. الدور الوطني للنقابات السودانية في هذا المقال يُعرف الدور الوطني للنقابة بأنه دورها في منافحة الاستعمار أو نظام قمعي غير ديمقراطي. في بعض الدول النامية نشأت النقابات أو أجسام شبيهة بها أثناء الاستعمار و نظمت نفسها للدفاع عن حقوق أعضائها كما هو الحال في السودان و لكنها سرعان ما لعبت دوراً وطنياً بل و قد كانت نواةً لحركات التحرر الوطنية في بعض البلدان مثل الإتحاد العام التونسي للشغل و مؤتمر الخريجين و تنظيمات العمال في السودان و نقابة موظفي البرق و البريد و الهاتف في غينيا (13–15). استمر الدور الوطني للنقابات في النضال ضد الأنظمة القمعية عقب استقلال كثير من الدول و في السودان لعبت جبهة الهيئات و التجمع النقابي و تجمع المهنيين دوراً بارزاً في انتفاضات أكتوبر 1964م و أبريل 1985م و ثورة ديسمبر 2018م على التوالي. و من الملاحظ أن هذه التنظيمات النقابية تتفق على برنامج الحد الأدني و هو إسقاط الأنظمة القمعية و عقب سقوط الأنظمة تبدأ عملية محاولة تجيير هذه الكيانات النقابية من أجل لعب دور سياسي حزبي كما سنرى لاحقاً. الدور السياسي للنقابات السودانية في معظم الديمقراطيات الغربية نشأت و أزدهرت أحزاب نتيجة لمساندة قوية من النقابات ولعل أبرز مثال على حزب نشأ من النقابات هو حزب العمال البريطانى ويهتم حزب العمال بإعادة توزيع الثروة من خلال نظام متطور للضرائب المباشرة وذلك لمصلحة العمال وعائلاتهم. و في السويد فإن الحزب الإشتراكي الديمقراطي –و هو أكثر حزب سويدي حكم البلاد – كان هدفه في البداية تحقيق الإشتراكية في السويد إلا أنه يتبنى الآن سياسة إشتراكية ديمقراطية و لفترة طويلة ظلت الإشتراكية إيديولوجية الحزب، لكن ما عاد يجري الحديث عنها الآن كثيراً، كما أن تحقيق الإشتراكية كهدف تم رفعه من برنامج الحزب. أما في التطبيق العملي فالحزب إتخذ سياسة براغماتية جداً، حيث جمع بين مختلف المصالح الإجتماعية، واستطاع الجمع بين التقدم الإجتماعي وزيادة مرتبات العاملين و تحقيق أرباح جيدة للمصانع والشركات و هذا المزج شكل وصفة ناجحة للنمو الإقتصادي (16). تظل الولاياتالمتحدة و أستراليا المثالين البارزين لعدم وجود أحزاب عمالية فمثلاً حزب العمال الأمريكي تم تأسيسه ليكون على غرار حزب العمال البريطاني و لكن حل الحزب نفسه في العام 1956م (17). في العالم الثالث ظلت العلاقة بين السياسي والنقابي تمثّل جدلاً في الأوساط السياسية و النقابية و الإجتماعية ليس فقط في مستوى التنظير و إعلان المواقف لكن أيضا في مستوى الممارسات و لم يكن السودان استثناءاً. و حيث أن الأهداف السياسية في الأنظمة الديمقراطية تترافق مع المصلحة العامة (الهدف الثالث من إنشاء النقابات (ج/ تعزيز و حفظ المصلحة العامة) كما ذُكِر في المقدمة) يُجادل البعض بوجود دور سياسي للنقابات. لكن بالمقابل و بسبب الواقع المتردي الذي تعيشه شعوب الدول النامية و غياب العدالة الإجتماعية، تعالت الأصوات من أطراف أخرى بضرورة تحييد النقابات عن التدخل السياسي و ذلك لقطع الطريق على القوى السياسية اليسارية ( مصطلح يمثل تياراً فكرياً وسياسياً يسعى لتغيير المجتمع إلى حالة أكثر مساواة بين أفراده ) عن أي مد إجتماعي منظم يمكن توظيفه، وبالتالي الاستفراد بالطبقة العاملة بل بهذه الشعوب الكادحة بأكملها (13). تعرضت الحركة النقابيَّة في السودان للإنقسامات والاستقطاب على نحوٍ حزبي بصورة متكررة. فقد كانت و ما زالت الأحزاب، ولو بدرجات متفاوتة، تتنافس للحصول على قاعدة سياسيَّة داخل التنظيمات النقابيَّة، و بدأت تُبدي اهتماماً علنياً بإنتخابات النقابات، وتحاول بجد أن تكسب مواقع قياديَّة في الحركة النقابيَّة. قادت هذه المنافسة التي أخذت شكلاً سياسياً سافراً إلى قيام العديد من المنظمات "الحزبية" الموازية للتنظيمات النقابيَّة القائمة بعد ثورة أكتوبر 1964م كرابطة الأطباء الإسلاميين ورابطة المعلمين الاشتراكيين، على وجه المثال، مِمَّا ألحق – في نظر الكثير من المحللين – ضرراً بالغاً بالدور الوطني و بطبيعة و أهداف الحركة النقابية (18). وبجانب تكوين التنظيمات النقابية الموازية على أسُسٍ سياسيَّة، فإن تشكيل "مؤتمر النقابيين الوطنيين" يقف شاهداً على محاولات استقطاب الحركة العماليَّة على نحوٍ حزبي. فقد قام النقابيون المنتسبون للإخوان المسلمون، بالتعاون مع عناصر الأحزاب السياسيَّة التقليديَّة الأخرى، بتنظيم المؤتمر في فبراير 1968م، ولكن نسبة لقصور فهم منظمي المؤتمر لطبيعة العمل النقابي وتكتيكاته، فقد فشلوا في إختراق الحركة العماليَّة وكسب موطئ قدم فيها (18). بعد الإطاحة بنظام نميري تواصلت المنافسة بين الإسلاميين و قوى اليسار لكسب المجالس النقابية و تميز هذا التنافس بخصومة حادة و عنف أدبي و مادي يستبطن إقصاء الآخر و استئصاله، لا التداول السلمي على مقاعد نقابة مؤسسة على روح المسامحة و الديمقراطية. مهدت تلك الخصومات لاحقاً لما شهده عهد الإنقاذ من إرهاب و فصل و تزوير(19). ما نريد التحذير منه هو تجيير النقابات لمصلحة حزب ما أو مجموعة ما أو فرد في الفترة الإنتقالية الحالية و في الديمقراطية المأمولة بعدها. يُعزِز من واقعية هذا التحذير أنه و أثناء كتابة هذا المقال صدر بيان من شبكة الصحفيين السودانيين بتاريخ 18 أكتوبر 2019م و بيان من لجنة الصيادلة المركزية في 20 أكتوبر 2019م و بيان من النقابة الشرعية للأطباء. يحذر بيان لجنة الصحفيين من أن الكثير من الأجسام الثورية تتعرض لمحاولات الإختطاف، أو أن تختزل أجسامها ومكوناتها في مجموعة صغيرة تضيق في كل مرة فتنتج شخصية الفرد (20). أما بيان لجنة الصيادلة فقد تناول التجاوزات في آلية اتخاذ القرار بمجلس تجمع المهنيين (21). طرح مسألة هذا التجاذب بين مؤيد ومعارض للدور السياسي للنقابات لا يفيدنا كثيراً بل علينا أن نفكر في حدوده ونجاعته ونتائجه أكثر من شرعيته. و من استعراض تاريخ النقابات السودانية فإن هذا التجيير للدور النقابي من أجل المصلحة الحزبية لم يسير يوماً في إتجاه المصلحة الوطنية حيث أن هذا الاستقطاب و تجيير النقابات لما هو سياسي يشغل النقابات عن أهدافها كما أنه يُمهد الطريق للثورة المضادة أو لإنقلاب عسكري و هو ما يتعارض مع الهدف الثالث للنقابات و هو تعزيز و حفظ المصلحة العامة. من المعقول أن تعيد الأحزاب السياسية التفكير في هذا الأمر خصوصاً و أن تجاربنا في السودان ثرة بتكرار الأخطاء و كذلك الحلقة الجهنمية ديمقراطية-إنقلاب قد أكملت دورتها الكاملة ثلاث مرات، هنالك مقولة منسوبة إلى البرت إينشتاين تقول "الجنون… أن تعيد تكرار نفس الشئ مرات و مرات و تتوقع الحصول على نتائج مختلفة". من المنطقي قبل و أثناء الثورة و للظروف الأمنية أن تتواجد أجسام مختلفة تنظم نضال الصيادلة ضد النظام البائد، أما الآن و في مرحلة البناء فإن استمرار هذه الأجسام دون أن تتوحد في كيان واحد لهو أمر مستغرب. من الطبيعي أن يتواجد ممثلي هذه الكيانات المختلفة ضمن اللجنة التسيرية لاستعادة النقابة بحكم قيادتهم للصيادلة أثناء الثورة و هو ما يعرف قانونياً بحقيقة الأمر الواقع ( de facto)، إلا أن ما يجمعها الآن هو وحدة الكيان الغائب ( النقابة) و الهدف ( استعادة النقابة ) و بالتالي من المفترض الآن أنها تسعى لتمثيل جميع الصيادلة فلماذا الإصرار على توقيع بيانات اللجنة بهذه المسميات المختلفة مما يفتح الباب لأسئلة مشروعة ما الذي يمنع وحدة الكيانات الآن هل لها أهداف مختلفة؟. الزملاء الصيادلة و الصيدلانيات غير المنتمين حزبياً و الذين شاركوا في هذه الثورة العظيمة بفعالية و قوة إن بناء مؤسساتنا بصورة سليمة من أوجب واجباتنا في هذه المرحلة و عليه لا يجوز أن نقف على الرصيف بل يجب أن نشارك و أن يكون صوتنا مسموعاً في الكيفية التي تُشكل بها النقابة و قانونها و كيفية تحقيق أهدافها المعلومة. الزملاء و الزميلات المنتمين حزبياً شاركتكم بقوة و فعالية في ثورة ديسمبر الشعبية من خلال نشاطكم الحزبي و أدواركم في التنظيمات المهنية الصيدلانية و من المفترض أنكم أكثر علماً بالتاريخ السياسي و النقابي و هو مبذول أمامكم في أحزابكم و في ما سطره سودانيون كُثر لعبوا أدواراً أو أرخوا للأحداث السياسية و النقابية في السودان. قبل أكثر من سبعين عاماً في أربعينيات القرن الماضي قال النقابي العمالي التونسي فرحات حشاد إلذي إغتاله إلفرنسيون " إني لا أمثّل هنا أي حزب سياسي إني أمثّل العمال المنتمين لكل الأحزاب أو العمال المستقلين عن الأحزاب" (13). حول إعادة بناء النقابة الأصوب أن تكون إعادة بناء النقابة و ليس استعادتها فإتحاد الصيادلة ليس هو النقابة كما ذُكِر سابقاً. من الآفات السودانية كما يقول المفكر د. حيدر إبراهيم علي هي آفة المشافهة يقول "ظلّ السودان لفترة طويلة غير مكتوب، وموثق بصورة تسمح بتكوين وعي تاريخي قادر من خلال تراكم الخبرات على ألا يُكرر الأخطاء، وأن يُدرك المخاطر، يستشرف المستقبل جيداً. فالسُّوداني رغم ثقافته وحسِّه السياسي المتميز ما زال مرتبطاً بثقافة شفاهية، تتبخر سريعاً بعد إنتهاء جلسات "الونسة". لذلك كان حجم الكتابة السُّودانية لا يُماثل القدرات والإمكانات، وكادت عادة (اللاكتابة) أن تكون صفة لا يخجل منها المثقفون السُّودانيون" (22). من المحزن أن يتفاكر الصيادلة حول إعادة بناء النقابة مشافهة دون أن تقدم أوراق علمية حول المشكلة و تعريفها و هي أولى خطوات العمل العلمي. كذلك شكا بعض الحضور من أنهم لا يعلمون سبيلاً للتواصل مع اللجنة التسيرية بغرض المساهمة في إنشاء النقابة. رغم الحسنات الظاهرة من وجود جدول زمني للاهداف المعلنة بكتابة دستور النقابة و خلافه إلا أن الكاتب يعتقد أن تكون دعوات اجتماعات اللجنة التسيرية مفتوحة و معلنة لجميع الصيادلة إلتزاماً و ترسيخاً لمبدأ الشفافية. كما أنه من الأفضل أن يكون العمل في شكل مؤتمر تقدم فيه أوراق عمل ثم يخلص المشاركون إلي توصيات من ثم تقوم بتنفيذها اللجنة التسيرية و من الممكن أن نستفيد من أيام الجمعة و السبت فتكون الجلسات مثلاً من الساعة 3 ظ إلى 10 م لعدة أسابيع و بذلك نكون قد حصلنا على مشاركة عدد كبير من أصحاب المصلحة (الصيادلة) و وسعنا ماعون المشاركة و من البديهي أنه كلما زاد عدد المشاركين زادت الأفكار البناءة و زادت إحتمالية تلافي الأخطاء قبل وقوعها بالنقد (عقول كثيرة خير من عقل واحد). مراجع: 1/ Speight, James. 2014. Educating Scientists and Engineers for Academic and Non-Academic Career Success. CRC Press. 2/ خوجلي, محمد علي. 2019. "قيام النقابات واجراءات التسجيل 1/2". استرجع في (http://sudantimes.net/index.php/2017-04-02-13-59-13/item/5542-khojali22ju9) 3/ عثمان، تاج السر. 2005. خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية ( 1900 – 1956 م ). 4/ Lovejoy, Arthur O. 1938. "Professional Association or Trade Union?" Bulletin of the American Association of University Professors 24(5):409. 5/ Hovekamp, Tina Maragou. 1997. "Professional associations or unions? A comparative look". Library Trends 46(Fall):232–45. 6/ عبدالله, إبراهيم،. 2019. "تجمع المهنيين: هل هو حفيد لمؤتمر الخريجين؟". استرجع في (http://alkhartoum.net/node/270). 7/ الطيب, عمر حسن. 2014. "12 فبراير 1938 مولد مؤتمر الخريجين". آخر لحظة. 8/ خوجلي، محمد علي. 2016. "النقابات المهنية والنقابات العمالية". استرجع في (http://sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=95096&catid=1075&Itemid=55). 9/ General Pharmaceutical Council. "Who we are" استرجع في (https://www.pharmacyregulation.org/about-us/who-we-are). 10/, Royal Pharmaceutical Society. "Who we are" استرجع في (https://www.rpharms.com/recognition/). 11/ "من نحن". تجمع المهنيين السودانيين, استرجع في. https://www.sudaneseprofessionals.org/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d9%85%d8%b9/ 12/ PDA. 2019. "PDA". استرجع في (https://www.the-pda.org/). 13/ أحمد مصطفى و حياة اليعقوبي. 2015. الدور السياسى للنقابات العمالية العربية في ظل ثورات الربيع العربي (التجربتان المصرية والتونسية فى العمل النقابي قبل وأثناء وبعد الثورات(. 14/ Beshir, Mohamed Omer. 1974. Revolution and nationalism in Sudan. London: Collings. 15/ فارس, زوليخة و سكينة عالم. 2017. "الاستعمار الفرنسي في غينيا ودور أحمد سيكو توري في حركة التحرر 1900-1960م" 16/ الأمير, طالب. 2014. "الاشتراكي الديمقراطي جمع بين مصالح الطبقات". استرجع في (https://sverigesradio.se/sida/artikel.aspx?programid=2494&artikel=5929486). 17/ The Washington Post. 1956. "American labor party goes out of existence". 18/ كمير, الواثق. "الحركة النقابيَّة السودانيَّة وثورة أكتوبر.. هل رَضِيَت مِنَ الغنيمة بالإياب؟!" 2014. 19/ عبدالسلام, المحبوب. 2010. الحركة الإسلامية السودانية دائرة الضؤ .. خيوط الظلام. مدارك. 20/ شبكة الصحفيين السودانيين. 2019. "بيان لجماهير شعبنا: ‘ما ضل صاحبكم وما غوى'." استرجع في (http://www.sudanile.com/index.php/البيانات/119196-شبكة-الصحفيين-السودانيين-بيان-لجماهير-شعبنا-ما-ضل-صاحبكم-وما-غوى). 21/ لجنة صيادلة السودان المركزية. 2019. "بيان مهم". استرجع في (لجنة-صيادلة-السودان-المركزية-42 (https://www.sudaneseprofessionals.org/ 22/ علي, حيدر إبراهيم. 1992. أزمة الإسلام السياسي الجبهة الإسلامية القومية في السودان نموذجاً. القاهرة: مركز الدراسات السودانية.
محمد خالد الحاج/ صيدلي [email protected] الوسوم السودان تحديات المرحلة الانتقالية محمد خالد الحاج نقابة الصيادلة