في أواخر ستنيات القرن المنصرم يطل على المسامع ويحتل الذائقة صوت غنائي طروب معتق بأغاني أصلية ، شجية الألحان ، عميقة المعاني ، دقيقة الوصف لغاية الأدهاش ، يقال لصاحبه بادي محمد الطيب ، الذي إستطاع فيما بعد أن يعتلي سدة الغناء الشعبي . كانت بداياته منذ فترات الطفولة والصبى ، ففي أحدى القرى ريفي "المعليق" بمدينة الكاملين (حلة عباس) حيث كان يردد ما نثره المبدعين المتصوفه في مدح الحبيب المصطفى ، ويروى انه تأثر بوالده الذي كان هو الأخر من جهابذه الإنشاد في تلك المنطقة ، ويحكى ايضاً انه إنضم الى فرقة صغيرة بقيادة عمه وشقيقه الأكبر قبل أن يشهر صوته وحده في العلن . الإنتقال إلى الخرطوم كان ضربة البداية لإنطلاقته الحقيقية في طريق الغناء والطرب . علماً بأنه لم يأتها مغنياً بل أتاها باحثاً عن أسباب العيش ولكنه كان يحمل حنجرته في التي "دفقت" فيض إبداعي كبير غمرت به آذان الناس ووجدانهم عندما اتيحت له الفرض . المسرح الاول له والجمهور المكتشف كان في جامعة الخرطوم وبين طلابها الذين تنازعتهم وجذبتهم في تلك الفترة تيارات الحادثة على مستويات النضم الشعري والنغم الموسيقي فقد استطاع بادي ذلك العامل البسيط في أحدى مطاعمها أن يعيدهم من جديد الى مربع المورث الشعبي في الغناء ويهزم الحداثة بكل غوايتها وغنجها ، أدهشهم حين كان يدندن و "يطمبر" ببعض أغنيات (الحقيبة) فتحلقوا حوله يترجون (هل من مزيد ..؟؟) فذاع صيته وقدموه في فعالياتهم الغنائية و بعد ذلك تجادل الناس بالحديث عنه حين طل عليهم عبر الإذاعة بعد صعوبات كبيرة من لجنة النصوص والإستماع . سادن الحقيبة : يعتبر بادي محمد الطيب من الأصوات التي توثقت لأغنيات الحقيبة وحفظتها من التلف والتشويه ، كان (بادي) دقيقة جداً في مسائل الترديد الصحيح ، ويحكى عنه في أحدى الليالي حينما كان يتوسد (لحافه) إستعاداً للنوم داهمه صوت صادر من أحد المغنين بعد أن أعتلى مسرح مناسبة زواج في الحي الذي يسكن به بأمدرمان (العباسية) ويقول الشهود أن المغني قام يتحوير وتبديل بعض الكلمات لأغنية حقيبة مشهوره (زاد أذاي يا صاحي واعتراني نحول) فقال المغني: (زاد أزاي يا صاحي احتارني نحول) فما كان من (بادي) الا قام على عجل صوب مكان المناسبة وبكل لطافه أخذ (المايكرفون) وتغنى بالأغنية بصورتها الصحيحة . ويقولون ايضاً أنه قام بفعل مشابه واقتحم الإذاعة السودانية ليوضح بعض الأخطاء ويقوم بتغنى بالصورة والكيفية الصحيح ، ولعل هذه الأفعال تشير للمكانة المقدسة التي يكنها (بادي) لأغنيات الحقيبة ومدى عشقها له حتى إرتقى الى مراتب السدنة الذين لا يرضون المساس بها تعديلاً او حتى تطويراً وقد عبر عن ذلك في عدد من الحوارات التي إجريت معه في الوسائط الاعلامية قائلاً : (أغنية الحقيبة تعتبر قمة في الأدب السوداني ومن ناحية المعاني هي مثال للأغنية الجامعة المانعة ) . حين احتفلت الخرطوم في العام 2005 كعاصمة للثقافة العربية كان يرى (بادي محمد الطيب) أن هذا التتويج قد أتي متأخراً فالخرطوم بحسب تصريحاته كانت عاصمة للثقافة منذ عهد "ود الرضي" وطالب بالرجوع لاشعاره لتأكد على ذلك . قدم بادي عدد كبير من الروائع الغنائية من أغنياته المسجلة بالإذاعة (قائد الأسطول.. ودمعة الشوق، وحبي الكبير، وجوهر صدر المحافل، ودمع المحاجر ليلك قرن، والشاغلين فؤادي، وأنت حكمة.. والمقدر لا بد يكون، والخدير.. وفتاة اليوم). و عمل لفترة رئيساً لنادي الحقيبة بأم درمان، وسكرتيراً لنادي فلاح الفني . وشارك في عدد من المهرجانات الخارجية اخيراَ : الغناء عند الفنان "بادي محمد الطيب" كان انبثاق قولي صادر عن حال شعورية تطريب أصابته هو في الأساس وعبر عنها غناءًا لذلك تجده أثناء الاداء يردد بعد أن يستجمع كم من التعابير الحركية (ااااااالله ، يا سلام) ، كان شخص (تستف) بالجمال وتعنى له تفاصيل حياته توحي برهبانية كتبها على نفسه وفاءاً لعشق صنع العوازل بينه حاجز بالحجة القديمة المتجددة (الذكر والتغني) التي عاشها قبله شاعر العاطفة العربية غيث أبن الملوح ( مجنون ليلى) ، عموماً (بادي محمد الطيب) صوت أصلية وذوق متسامي تغنى للجمال والعشق والوطن كما ينبغي حتى وافته المنية 15 فبراير 2007 فعليه الرحمة والحب