مياه كثيرة جرت تحت جسر المشهد السياسى السودانى المعقد جدا منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع البشير فى أبريل الماضى تعقيدات المشهد السياسى سياسيا وأمنيا وأقتصادياً يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بما ستؤؤل إليه الأحداث خلال الفترة الإتقالية، ساتناول فى هذا المقال قرآءة تحليلية عبر ثلاثة محاور رئيسة : اولا : قوى الحرية والتغيير وحكومة حمدوك ثانيا : دولة التمكين او ما يعرف ( بالدولة العميقة) ثانيا : المكون العسكرى الانتقالى ( المجلس العسكرى سابقا) اتضح بما لا يدع مجالا للشك وفى ظل الأزمات الاقتصادية المتمثلة فى أزمة المواصلات ( المفتعلة) وازمة الخبز والوقود والكهرباء واخيرا ارتفاع الدولار فى السوق الموازى بأن هنالك ايادى خفية تعمل على إفشال حكومة حمدوك بكل ما أوتيت من قوة وقد نبهنا إلى ذلك بعيد التوقيع بالاحرف الأولى وقدمنا اقتراحات عملية بضرورة الرقابة والمحاسبة والشفافية مع توفر الإرادة السياسية وسرعة إتخاذ القرار حتى يتم تفادى هذه الازمات مبكرا وإيجاد حلول لها حتى لا يتضرر المواطن المغلوب على أمره وكذلك لابد من الإسراع فى تعيين الولاة المدنيين وسرعة تكوين المجلس التشريعى والتنسيق مع لجان المقاومة وإشراكها كلجان رقابة فهى صمام أمان الثورة وهم المكتويين بنار الغلاء وندرة المواصلات ونقص الخبز، حتى يساهموا في الرقابة ومسائلة الوزراء والمسؤولين التنفيذيين وتقييم اداؤهم وما انجزوه فيما يلى أهداف الثورة . فيما يلى الدولة العميقة نجد أنها في ظل بطء إجراءات محاسبة رموز النظام البائد على جرائمه من تقويض النظام الدستورى وجرائم القتل والتعذيب ونهب الأموال العامة قد أغرى البعض للخروج علنا وتحدى الحكومة الانتقالية والتهديد باستخدام العنف والقوة وهى ما ظلت تقوم به طوال سنوات حكمها العجاف، فى ظل سكوت مريب من قبل الأجهزة الأمنية والتى فيما يبدو لا تزال تراهن على بقايا النظام البائد للإستعانة بهم في مرحلة من المراحل ولكن المنطق والواقع يقول باستحالة ذلك فالمؤتمر الوطنى أصبح من الماضى ولن يعود أبدا مجددا إلى الساحة السياسية فى ظل حراك ووعى ثورى مستمر ، حسنا فعل النائب العام بتكوين لجان لمحاسبة ومحاكمة رموز النظام البائد على كل جرائمه التى ارتكبها منذ 1989 وحتى فض الاعتصام فى 29 رمضان الماضى ، لابد من دعم النائب العام واحكام التنسيق مع وزير العدل ورئيس القضاء لتحقيق أهداف الثورة الظافرة فيما يلى ملف العدالة وضمان حقوق وكرامة الإنسان، لا يزال مطلب حل حزب المؤتمر الوطنى البائد ومصادرة دوره وتجميد ارصدته مطلب ثورى هام جدا فى إنتظار التنفيذ، علاوة على تفكيك دولة التمكين وابعاد عناصر النظام البائد من الموسسات العامة للدولة ، لا يعقل إلى الآن وزارة الزراعة لم تقم بأى إجراء فى هذا الخصوص رغم مرور اكثر من شهرين على تعيين الوزير، لابد أن تكون هنالك آلية رقابية فعالة فيما يلى هذا البند الهام جدا والذى يمكن أن تقوم به الآلية الثلاثية التى تم تسميتها مؤخرا وتضم 4 من الحرية والتغيير ومثليهم من مجلسى الوزراء والسيادة لمتابعة تنفيذ أهداف الثورة وضمان تفكيك دولة التمكين لصالح دولة الشعب. المكون العسكرى فى الحكومة الانتقالية يظل هو الخطر الأكبر والمهدد لإستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية وذلك عبر غض الطرف عن ممارسات المليشيات الإجرامية من قتل واغتصاب ونهب وترويع الآمنين فى دارفور وجنوب كردفان، وعدم الحسم والحزم ومحاربة الفساد وإبعاد رموز النظام البائد وهيكلة جهاز المخابرات العامة وإلغاء هيئة العمليات ورفع الحصانة عن منسوبيه المتهمين فى جرائم قتل وتعذيب للشرفاء من أبناء الشعب السوداني على مدى 30 عاما، اقتصاديا تعلم المخابرات العامة من هم تجار العملة ومن هم المسئولين من الارتفاع الغير مبرر للدولار خلال الأيام الفائتة ولا يحركون ساكنا برغم علمهم بخبث نوايا وكيد (الكيزان) ايام حكم المجلس العسكرى التى تميزت باستقرار سعر الدولار عند 67.5 ووفرة الوقود والخبز طمعا فى حكم البلاد ولكن ما أن فشل مسعاهم حتى تخلوا عن دورهم السابق ومجهوداتهم للوصول إلى استقرار اقتصادى ، فيبدو واضحا للعيان تخلى قوات الدعم السريع لدورها الرقابى والخدمى السابق بحجة كثرة الانتقادات لها فيما يتعلق بدورها فى فض الاعتصام ، والرقابة والخدمات هى من صميم عمل الحكومة التنفيذية، الدعم السريع بعد أن فشل في تسويق نفسه إعلاميا لمسح الصورة الذهنية السيئة جدا لدى غالبية الشعب المرتبطة بجرائم فض الاعتصام فى 29 رمضان والتى كانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير فالشعب السودانى لا يقبل الذل والإهانة ولا يساوم فى حقه من القصاص والعيش الكريم، فض الاعتصام خطأ إستراتيجى سوف يدفع ثمنه الدعم السريع تحديدا ثمنا سياسيا غاليا، عبر استدراجها ونصب الشراك لها من قبل الدولة العميقة تمهيدا للتخلص منها وإبعادها من المشهد السياسى حتى يتسنى لها العودة مجددا للحكم، تم توريط الدعم السريع بإشراكها فى فض الاعتصام وإعطاء الأوامر من قيادات المجلس العسكرى للقوات التى قامت بالقتل وإلقاء الجثث فى النيل وهى قوات تتبع لجهاز أمن النظام الدموى العنصري البائد وقوات من الأمن الايجابي والمباحث المركزية ومليشيات دولة التمكين ، والأمر برمته الان تحت يد لجنة أديب وهى من تحدد من هو الآمر والقاتل والمنفذ، ولو تعاملت لجنة أديب بمهنية وتجرد فسوف تنتهى إلى رفع الحصانة عن اعضاء مجلس السيادة (العسكريين) و تقديمهم للمحاكمة عن مسئوليتهم الأخلاقية والقانونية عن جرائم فض الاعتصام من قتل وحرق واعتقال وتعذيب وإخفاء قسرى ولا أعتقد بامكانية حدوث ذلك بسهولة لتعقيدات الموقف ، وإن حدث ذلك فسوف يغير مسار الثورة إلى طريق صعب ومنعطف خطير، وإذا تمت تسوية ما بمحاكمة بعض المتورطين وغض الطرف عن القادة الكبار فسوف لن ينسى ولن يغفر الشعب السوداني هذه الجرائم بسهولة وسيظل الاحتقان والغبن والرغبة فى القصاص سيد الموقف، والمتتبع للراهن السياسى يعلم تماما بأن العلاقة بين المكون العسكرى فى المجلس السيادى وبين حكومة حمدوك وحتى مع قوى الحرية والتغيير ليست سمنا على عسل كما يعتقد البعض وليس هنالك تناغم وإنسجام فى ادائها ولا حتى فى رؤيتها للمستقبل السياسى وفى كثير من القضايا المفصلية والهامة كتسليم البشير ومعاونيه للمحكمة الجنائية والذى بدوره سوف يجر رؤؤسا كبيرة معه وسوف لن يذهب حتما لوحده فإذا عرف السبب بطل العجب، فهو مطلب ثورى يمثل حق للمهمشين الذين تم قتلهم وتهجيرهم فى دارفور وج كردفان والنيل الأزرق ،فهنالك تباين واضح فى وجهات النظر ورؤية كل طرف ولا يبدو أن السيد رئيس مجلس السيادة ملتزم او مكترث بآلية اتخاذ القرار داخل مجلس السيادة والتى تتم عبر موافقة ثلثى الأعضاء وليس لرئيسه الحق فى اتخاذ قرار وموقف سياسى من دون الرجوع إلى بقية اعضاء مجلس السيادة المدنيين ، وكان من الأولى ان يخرج المكون المدنى فى مجلس السيادة لنفى تصريح رئيسه منعا للخروج عن المؤسسية فى آلية اتخاذ القرار، هذه مؤشرات خطيرة جدا تدل بأن هنالك شى ما يحاك فى الخفاء وهو الإعداد لإنقلاب عسكرى ، بذريعة حفظ الأمن وقطع الطريق أمام انقلاب اخر والدعوة إلى انتخابات مبكرة تفضى فى نهايتها إلى عودة المجلس العسكرى سابقا إلى الحكم مرة أخرى ولكن يظل الشارع والجموع الثورية الهادرة ولجان المقاومة التى خرجت فى أبريل ويونيو سدا منيعا وصمام أمان لمن يفكر في سرقة هذه الثورة العظيمة وتجييرها لصالحه عبر انقلاب عسكرى ، فقد ولى زمان الطغيان والدكتاتورية وأنا على يقين بأن السودان لن يحكمه دكتاتور عسكرى جديد طالما الوعى والروح الثورية لا تزال متقدة ودماء الشهداء والجرحى لم تجف بعد، وآنين الثكلى من الأمهات والاباء ودعواتهم تشق عنان السماء تدعو بالقصاص فحتما النصر قادم، ودولة الحرية والعدالة والسلام قادمة لا محالة نحو دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع. رؤية حلول استراتيجية متاحة : اقتصاديا ،لابد من إعطاء أولوية قصوى لمعاش الناس عبر إشراك لجان المقاومة فى الأحياء فى لجان رقابة مهمتها ضبط الأسعار بالأسواق ورقابة المواصلات والخبز والوقود والغاز بجانب إنشاء أسواق خيرية تدار بواسطة أشخاص وشباب اكفاء وامناء مع مراجعة وهيكلة المؤسسات الخدمية الكهرباء الصحة والتعليم وتأهيلها للقيام بمهامها وواجباتها تجاه المواطن. أمنيا لابد من نزع سلاح المليشيات فى دارفور فورا وزيادة عدد وكلاء النيابة للتحقيق فى جرائم القتل والاغتصاب وتقديم جميع المتورطين فى قضايا جنائية ومالية بما فيها فض الاعتصام إلى العدالة مع تسريع مباحثات جوبا وصولا إلى سلام شامل ودائم ينهى الحرب فى ربوع الهامش بما فيها شرق السودان مع هيكلة جهاز المخابرات ونزع سلاح هيئة العمليات والعمل على تكوين جيش وطنى قومى يضم إليه الحركات المسلحة وتدمج فيه قوات الدعم السريع ومعالجة الاختلال فى توزيع السلطة والثروة على كافة مستويات الحكم والتنمية المتوازنة لكل اقاليم البلاد، مع معالجة قضية الاستعلاء العرقى والثقافى والاجتماعى والعنصرية بصورة جادة عبر الاعتراف بها ومن ثم إيجاد حلول لها. سياسيا لابد من تغليب المصلحة الوطنية العليا على حساب المصلحة الشخصية والحزبية عبر التوافق على مشروع برنامج وطنى ترتضيه كل القوى السياسية يتضمن حل حزب المخلوع ومصادرة دوره وممتلكاته ومحاكمة رموزه المتورطين بتهم تقويض النظام الدستورى وجرائم القتل والفساد وتسليم المطلوبين إلى العدالة الدولية ، إنهاء وتفكيك دولة التمكين، تعيين الولاة المدنيين وتشكيل المجلس التشربعى، للعبور بالوطن إلى بر الأمان هذا أو الطوفان. أيوب عثمان نهار