طيلة تاريخ السودان الحديث ظلت الزراعة و المزارعين هم عماد اقتصاد السودان ، يساهمون بقرابة نصف الناتج الإجمالي من دخل البلاد ، و مع ذلك اذا رأيت المزارع فهو من أفقر الطبقات في بلادنا ، صاحب الدخل الاعلى في البلد هو الفقير ! كيف لا أدري ؟ قصة الزراعة و المزارع في السودان قصة طويلة ، قصة لو أحسن الانتباه لها ستكون هي عماد النهضة الشاملة ، فاالسودان فيه ما يفوق 200 مليون فدان صالحة للزراعة ، مستخدم منها 45 مليون فدان فقط !!! هذه المساحة تساوي 46% من جملة الأرض الصالحة للزراعة في كل العالم العربي . للاسف الزراعة في السودان مازالت في الغالبية زراعة تقليدية لم تدخلها التقانات و الالات الحديثة ، لو تم إدخال هذه الأشياء سوف يتضاعف إنتاج الفدان الواحد على الأقل عشرة اضعاف إنتاجه بالوسائل التقليدية و هذا شيء مهم يجب الانتباه له جيدا . من الاشياء المهمة ايضا ان 60% من سكان السودان هم شباب تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 40 سنة ، هذا بالإضافة لتوفر بلادنا على مصادر مائية متعددة تتمثل في أنهار السودان و امطاره الكافية و رصيده الضخم من المياه الجوفية ، و اخرا و ليس أخيرا مناخاتنا المتعددة التي تخول لنا زراعة أصناف متعددة من المحاصيل و المنتجات الزراعية . بناءا على المعلومات أعلاه نحن نملك الأرض الخصبة و المياه و المناخ و الأيدي العاملة ، و هي عوامل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تملكها دولة و تظل عاجزة و فقيرة . يمكننا ان نضاعف إنتاجنا الزراعي بطريقتين الاولى زيادة المساحة المزروعة و الثانية إدخال التقانات و الالات الحديثة في الزراعة . و سوف يرتفع تلقائيا الناتج المحلي . و لن نعدم السوق العالمية المستعدة لكي تستقبل انتاجنا الزراعي و خاصة في بلاد جيراننا ، فهناك فجوة غذائية في العالم العربي تبلغ 33 مليار دولار سنويا يستطيع السودان ان يغطيها باقتدار ، هذا غير الحوجة الغذائية لأفريقيا و دول أوربا ذات الشتاء الطويل . رغم هذه الحقائق الا ان مناطق الزراعة ضعيفة الخدمات إذ لا توجد بمعظمها طرق مسفلته و لا كهرباء و لا مصانع انتاج حيواني و تنتشر فيها الأمراض المتوطنة و الامية ، و كل هذه العوامل السلبية تخصم من كفاءة الزراعة و تقلل من الإنتاجية، مما يستوجب إعادة الاحترام لمناطق الإنتاج الزراعي و تمييزها لجهة انها المصدر الأساسي لدخل البلاد ، و الاسراع بتوفير الخدمات لها ، أقول هذا قبل أن ينتبه المزارعون لهذه الحقيقة و يخوضوا ثورتهم الخاصة من أجل حقوقهم ، إذ أن هذه واحدة من أزمات الحكم التاريخية في بلادنا ، ان يتم تهميش المنتج الأهم . لقد رأينا إضراب الأطباء و الصيادلة و المعلمين و تاثيراتهم المختلفة ، و لكن ماذا لو اضرب المزارعون ؟ الجميع مهموم بنقابة القضاء و نقابة الأطباء و نقابة المحامين مع ان اتحاد المزارعين يفترض أن يكون هو أخطر نقابة في هذا البلد و سيد النقابات . يوسف السندي