واجه القطاع المصرفي السوداني جملة من التحديات خلال الفترة الماضية بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية على السودان منذ 23 عاماً ما أثر سلباً على أداء المصارف السودانية وأقعد حركتها الاقتصادية تماماً مع العالم الخارجي، لكن خبراء مصرفيين تحدثوا ل "اندبندنت عربية" أبدوا تفاؤلهم بعودة هذا القطاع عقب رفع العقوبات أكثر قوة وكفاءة، داعين في الوقت نفسه إلى ضرورة تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية للاستفادة من الفرص التي يتيحها قرار رفع العقوبات، وخاصة للحد من تدهور العملة الوطنية وظاهرة التضخم. الصعاب والحلول واستعرض عضو مجلس إدارة اتحاد المصارف السوداني طه الطيب الصعاب التي تواجه القطاع المصرفي السوداني في أنها تتمثل في الحصار الاقتصادي على السودان، إذ توقف معظم البنوك المراسلة عن التعامل مع السودان ما أدى إلى انخفاض عدد البنوك المراسلة من 485 مراسلاً إلى 97 مراسلاً حالياً، كما انخفضت مبالغ خطوط التمويل الأجل للبنوك السودانية من 2.3 مليار دولار و126 مليون يورو إلى 922 مليون دولار و151 مليون يورو حالياً، وكذلك زادت الكلفة على الخدمات المصرفية الخارجية كافة وأصبحت البنوك المراسلة تطلب هوامش ربح نقدية تعادل 100 في المئة، كما زادت المخاطر في نظم الدفع الخارجي بعد أن أصبح همها الدفع ضد المستندات "CAD" بدلاً عن الاعتمادات المعززة وبالتالي أصبح المصدر السوداني تحت رحمة المستورد الأجنبي. وطالب ببذل الجهود والتكاتف والتعاون من الجميع لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، فضلاً عن إصلاح السياسة النقدية واستدامة ما يصدر عن البنك المركزي ومصداقيته، إلى جانب دراسة مشروع التمويل الأصغر وتقييم تجربته بغرض تحسين وتحقيق الأهداف، إضافة لدعم جهود التقنية المصرفية والنظر بعين الجد لما يصدر من ملاحظات تقدمها شركة السودان للخدمات المصرفية والمالية، علاوة على المعالجة الفورية لمشكلة تحويل الرصيد، والقيام بدعم جهود الضبط الداخلي لمحاربة ممارسات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالأجهزة المتطورة والتدريب المستمر باعتباره مدخلاً لإعادة الثقة والتعامل مع المصارف حول العالم من دون أي ريبة أو شكوك، مشيراً إلى أن الإصلاح يتطلب أيضاً الدفع بعجلة الشمول المالي وزيادة حجم صندوق إدارة السيولة وتطوير آلياته إلى جانب إصلاح القوانين والسياسات والنظم الرقابية. ممارسات مضرة في السياق ذاته، دعا الخبير الاقتصادي السوداني هيثم فتحي السلطات المختصة في الدولة إلى التدخل لتنظيم العمل المصرفي لما تلعبه المصارف من دور مهم في الاقتصاد لا يقتصر على تلقي الودائع من الجمهور لتعيد إقراضها، منوهاً إلى أن السودان يفتقر إلى قطاع مصرفي يعمل بالشكل المطلوب بما يتيح جذب قدر كبير من الاستثمارات الخارجية المباشرة للمساعدة على تنويع الاقتصاد، وشدد بإيجاد محاولات لإصلاح القطاع المصرفي بعد سنوات من الممارسات غير السليمة التي كشفت عنها حملة مكافحة الفساد التي نفذت ابان النظام السابق، مؤكداً أن الجهاز المصرفي يتطلب زيادة الشفافية ومراقبة أرباح صيغ التمويل التي تقدّمها المصارف لتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية . واعتبر أن إصلاح القطاع المصرفي هو الخطوة الأولى للإصلاحات الاقتصادية، من خلال التغلب على المشكلات المالية والتعثر في القطاع ومواكبة المتغيرات العالمية التي شهدتها الساحة المصرفية، وما صاحبها من تطورات سريعة في مجال الخدمات المصرفية ونظم وخدمات الدفع والتكنولوجيا المالية، وزيادة اعتماد الأنشطة الاقتصادية عليه مع مسايرة أفضل الممارسات والأعراف الدولية والنظم القانونية للسلطات الرقابية المناظرة على مستوى العالم، لافتاً إلى أهمية تعزيز حوكمة واستقلالية البنك المركزي، بما يكفل تفعيل دوره وتحقيق أهدافه ومنحه استقلالية أكبر من خلال إبعاد إدارة البنك المركزي عن المحاصصة السياسية ومنع التدخل الحكومي في آليات عمله، فضلاً عن تنشيط وتحفيز أداء سوق الخرطوم للأوراق المالية مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي عن طريق تشجيع الاندماج بين المصارف وخاصة المصارف الصغيرة، لتكون قوية وكبيرة بما يمكنها تقديم خدمات مصرفية متنوعة ومتكاملة بتكلفة تنافسية. وقلل فتحي من مساهمة المصارف الخاصة في النشاط الاقتصادي المنتج، مؤكداً أنها اعتمدت أساساً في السنوات الماضية على المضاربات في سوق المحاصيل وتمويل عمليات استيراد أظهرت الوقائع أن الجزء الأكبر منها كان وهمياً، لذلك يجب الاتجاه نحو توحيد مختلف الأعمال المصرفية والخدمات المالية وحتى خدمات التأمين تحت سقف واحد وهو ما يعرف باستراتيجية المصرف الشامل. كفاءة الادارات وفي المقابل، لفت الخبير المصرفي السوداني محمد عبد الرحمن أبو شورة إلى وجود مشكلة أساسية بين الحركة الاقتصادية والوضع الاقتصادي والحالة الصحية للجهاز المصرفي في السودان، مبيناً أنه يمكن إصلاح هذا القطاع دون النظر في الوضع الاقتصادي خاصة أن الاقتصاد حالياً مريض ويعاني من حالة متردية يصعب معها بناء قطاع مصرفي صحيح، وبالتالي من الضروري والأهمية بمكان مزامنة عملية إصلاح القطاع المصرفي مع إصلاح الاقتصاد وتحريكه بشكل صحيح. وحصر الحلول العاجلة لإصلاح القطاع المصرفي من خلال زيادة رأس مال المصارف واختيار إدارات ذات كفاءة وإجراء معالجات للحالة الاقتصادية في البلاد خاصة التضخم المالي لتفادي تآكل رؤوس أموال المصارف، فضلاً عن وجود سياسة مالية ونقدية منضبطة تتزامن مع معالجة المشكلات اليومية للبنوك ومعالجة الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى ضرورة وجود سعر صرف حقيقي والابتعاد عن تعدد سعر الصرف.
ويضم السودان حالياً 36 مصرفاً من بينها أربعة مصارف حكومية، وسبعة مصارف تجارية عربية، و25 مصرفاً مشتركاً برأسمال محلي وأجنبي. ويبلغ حجم الموجودات المجمعة للقطاع المصرفي السوداني حوالي 132.7 مليار جنيه سوداني عام 2018 (أي ما يُعادل 19.5 مليار دولار أميركي)، كما تبلغ الودائع المجمعة حوالي 79.5 مليار جنيه سوداني، بينما بلغ إجمالي القروض حوالي 80.2 مليار جنيه سوداني شكلت القروض المقدمة للقطاع الخاص والمؤسسات المالية حوالي 67.4 في المئة من إجمالي القروض المصرفية، مقابل 32.6 في المئة للقطاع العام (الحكومة المركزية، وحكومات الولايات، والمؤسسات العامة). أما بالنسبة إلى رأس المال المجمّع، فقد بلغ حوالي 18.4 مليار جنيه سوداني، ويتوقع البنك المركزي السوداني أن ترتفع الموجودات الأجنبية في القطاع المصرفي السوداني بعد رفع العقوبات الأميركية عن السودان. وتُعادل موجودات القطاع المصرفي في السودان نسبة 23 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي السوداني (بالجنيه)، كما تعادل الودائع والقروض نسبة 13.9 في المئة. وأدت العقوبات الأميركية التي فرضت على السودان في المجال الاقتصادي والتجاري منذ العام 1997 إلى انقطاع علاقة السودان تدريجياً بالمصارف الأميركية ثم الأوروبية، وأيضاً مع المصارف الخليجية والآسيوية خوفاً من تأثير العقوبات على مصالحها. كما أدت العقوبات إلى اتساع دائرة صيرفة الظل وزيادة كلفة المعاملات المصرفية في السودان، بالإضافة إلى فقدان المصارف جزءاً كبيراً من معاملاتها الخارجية وأرباحها وعملائها بالخارج، فضلاً عن تراجع تحويلات المغتربين عبر القطاع المصرفي. وبحسب تقرير صادر عن اتحاد المصارف السوداني، فإن رفع الحظر على القطاع المصرفي السوداني يمثل النافذة التي من خلالها تدخل أموال المستثمرين العرب والأجانب إلى السودان، وبالتالي تنشيط الاستثمار في المشروعات التنموية ذات البعد الاجتماعي، داعياً المصارف السودانية إلى أن تسعى لإعادة تأسيس علاقات مراسلة مع جميع مصارف العالم تمهيداً لبدء أعمالها في مجال التجارة الخارجية واستقبال التحويلات إلى السودان، بالإضافة إلى تطبيق كل القوانين الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتسهيل فتح فروع لمصارف عربية وأجنبية، ووضع سياسات تحفيزية لاستقطاب تحويلات المغتربين السودانيين. وتوقع اتحاد المصارف أن يفتح قرار إلغاء العقوبات الأميركية الباب واسعاً أمام القطاع المصرفي السوداني لدمجه في القطاع المالي العالمي، فضلاً عن أثره الإيجابي على تحويلات المغتربين والتجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي والعربي، إلى جانب مساهمته في تشجيع المصارف العربية والعالمية المراسلة على التعاملات والتحويلات المصرفية مع السودان، وتشجيع الشركات العالمية الكبرى للاستثمار في القطاعات الاقتصادية والإنتاجية الواعدة، وانتعاش الاقتصاد السوداني بإنعاش حركة التجارة الخارجية بين المصارف العالمية والمحلية، وتدفق النقد الأجنبي، وفتح أسواق جديدة للصادرات السودانية.