شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    الى قيادة الدولة، وزير الخارجية، مندوب السودان الحارث    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    المنتخب يتدرب وياسر مزمل ينضم للمعسكر    عائشة الماجدي: دارفور عروس السودان    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ظلمتنا أميركا أم ظلمناها؟
نشر في الراكوبة يوم 08 - 12 - 2019

بعد انتصار ثورة ديسمبر وحلول المدنية مكان حكم الانقاذ الغاشم ينبغي أن ننتهج نهجا سياسيا واقعيا أساسه مصلحة السودان وعموده كرامة المواطن السوداني.
نشأنا نعادي امريكا، مثلنا مثل كثير من شعوب الدول العربية وادخل هذا الكره في عقولنا وافكارنا، صغيرنا وكبيرنا، مثقفنا وأمينا، الدكتاتور والمعارض الديمقراطي، لانعرف لماذا، ولكننا نكرهها، واذا تحدث أي منا بغير ذلك وصفناه بالعميل أو عدو الدين والاخلاقيات أو على الأقل pro-american, حيث ان كل مشكلة من مشاكل الواقع المعاش المتسبب فيها هم الامريكان.
من هم الامريكان؟ انهم العالم مجتمع في دولة عبارة عن قارة، اروبيون وافارقة واسيويون ولاتينيون. مهاجرون من كل انحاء العالم صنعوا اقوى قوة اقتصادية، وعسكرية وتكنولوجية، فمن نكره بالضبط؟ هذا التجمع المتناغم الذي حقق لامريكا هذا المركز؟
في عهود الدكتاتوريات والحكام الفاشلبن الذين مارسوا القمع نمت فكرة القاء اللوم على احد يتحمل مسؤولية تخلفنا وتدهور اقتصادنا، وكانت وستظل امريكا هي هذه الشماعة لقدرتها على صنع القرار. افهمنا نميري ان امريكا تستهدفنا لأننا سنصبح سلة غذاء العالم وسننافسها على احتلال صدارة العالم، وافهمنا البشير بأن أمريكا تستهدفنا لأننا نحكم بشرع الله وإن الرئيس والكونغرس والشعب الأمريكي يخافون تنامي قوتنا. يموت الملايين بسبب المجاعات فنتكتم عليها وعندما تأتي المنظمات الغربية لتقديم المعونات نتهمها بالتجسس ونطردها وليمت النساء والأطفال. تجسس على ماذا؟ الصواريخ عابرة القارات أم المفاعلات النووية؟ إنه الفشل وقلة الحيلة والرؤية. جعلونا نصدق ان أميركا لن ترفع العقوبات عن السودان لأننا نرفع راية الاسلام التي لم نرها الا في الاعلام الجبهوي، وللآن يلعبون على نفس الوتر وهذه المرة لشئ في نفس الأمريكان ليوهمونا أن العقوبات اصلا لم تقع علينا لأننا أوينا الارهاب. ماذا في نفس أميركا؟ هل اذا رفعت العقوبات عنا هل سنغرق العالم بطائرات أقوى من الأف 35، أم صواريخ أقوى من التوماهوك؟ أم ثقلنا الاقليمي الذي قد يجعل كل افريقيا تقف بجانبنا؟ السذج هم فقط الذين يظنون أنهم بسيطرتهم على الاعلام المحلي يستطيعون اخفاء الارهاب الذي ظلوا يمارسونه ويدعمونه طوال 30 عاما. يبثون سمومهم بعدم جدوى تفاوض حمدوك مع الأمريكان، وينكرون أن الأمريكان يعرفون جيدا أن الإنقاذيين ومجرمي الحرب لازالوا يسرحون ويمرحون. ولكن السيد حمدوك يعي تماماَ ما يفعله، وأنه يوم تزال بواقي دولتهم تماماُ سترفع العقوبات وسنكون دولة الأمن والأمان وليس دولة الإرهاب والتعذيب التي كنا عليها طوال 30 عاماَ.
دول الفساد والظلم التي تعذب مواطنيها وتقتلهم بابشع الوسائل تسب وتنتقد دولة دستورها يحمي كبيرها وصغيرها ويحمي لاجئي دول البطش بمحرد دخولهم اراضيها.
العالم اصبح يحكمه المال، المال فقط، كل يصارع من اجله. في دول العالم الغنية لم يعد للمتدينين تأثير في صنع القرار. من يحبه الشعب هو من يوفر الخدمات والوظائف والبنية التحتية. فلو فرضنا أننا كنا نطبق شرع الله، كذبة الانقاذ الكبرى، فهل تخافنا امريكا ام تخاف من اليابان التي تغزو سياراتها ومنتجاتها الالكترونية الاسواق الامريكية؟ أم تخاف الصين أو كوريا الجنوبية؟ لماذا لم نسمع رئيس احدى هذه الدول يقول أن أمريكا شيطان ويستهدفنا؟ حتى ماليزيا أو اندونيسيا أو تركيا؟ شخصيا لم اسمع مسؤول او حتى شخص عادي من اوربا او اسيا (باستثناء بعض العرب) أو أمريكا الجنوبية وغيرها يلوم امريكا على مشكلة في بلاده. لماذا نحن اذن وماذا فعلت لنا امريكا ونحن لانذكر سوى بالمجاعات والحروب؟ لماذا لايكره اليابانيون اميركا؟ وهم الذين ألقت عليهم القنبلة الذرية في اكبر كارثة في التاريخ؟ لماذا لا يكرهها الفيتناميون؟ إنه الوهم الذي حاولوا ايهامنا به لتغطية فشلهم وفسادهم. انظر إلى من ينتقدون سياسة امريكا مثل صدام والقذافي وتشافيز رئيس فنزويلا السابق وكاسترو واخيه والكوري الشمالي كيم جون ايل المعتوه، هل تستحق شعوبهم ما اوصلوها اليه؟ فنزويلا التي تمتلك نفطا يجعلها في ثراء الامارات او الكويت، يعاني مواطنوها الفقر المدقع ويهربون الى كولمبيا والدول المجاورة الاخرى. ودونكم الفرق الشاسع بين كوريا الشمالية والجنوبية. نذكر دائماَ أن أميركا هي التي صنعت داعش لنريح ضمائرنا وننفي التهمة عن من يدعون نفسهم حماة الإسلام، ولا نشير إلى أن تركيا مثلا، والتي رصدت تحركات المغدور به خاشقجي خطوة بخطوة، ورصدت كل السعوديين الذين شاركوا في جريمة قتل الصحفي، لم تنتبه لدخول أكثر من 40 ألف مقاتل داعشي لسوريا عن طريق مطاراتها، أتوا من كل أنحاء العالم. بأي منظار ننظر؟
نظل نأمل أن تصبح دولة اخرى هي القوى العظمى، البعض يحلم بالصين وآخر بألمانيا أو روسيا، ولا يأبه بمستوى الفساد في الصين أو تغلغلها كالأخطبوط تستنزف موارد الدول الفقيرة باستغلال حاجتها. ونغض النظر عن جرائم التعذيب والقتل والتشريد التي تمارسها الصين تجاه ملايين المسلمين الايغور فيها، وعن قمع الحريات وتصفية المعارضين السياسيين.
لا نعير ماتفعله روسيا من قتل في سوريا ولاتدخلاتها في اوكرانيا، و الشيشان من قبل، او التدخل العسكري في افغانستان اهتماما. لا نتذكر ان روسيا يحكمها دكتاتور يدعى بوتين متشبث بالسلطة لأكثر من 13 عاما اضطر لتسليمها لأربعة سنوات لظله ليعود للحكم وسيظل متربعا على الكرسي الى ان يموت، وروسيا لاتصدر للعالم سوى الأسلحة وطائرات الأنتينوف سيئة السمعة.
ننسى ما فعلته المانيا بالعالم عندما صارت القوة العظمى فيه، ثم اتى الدور على بريطانيا وفرنسا وهولندا والبرتغال التي استعمرت افريقيا واسيا، واستنزفت ولاتزال تستنزف مواردها. الدول الاوربية الغربية بعد الدمار وفظائع الحرب العالمية الثانية اتخذت الديمقراطية منهجا واسست لحقوق الانسان والقت وراء ظهرها الماضي الدموي.
والآن امريكا القوة العظمى الوحيدة هل تفعل بالعالم مافعلته اي من هذه الدول ونحن الذين نستجد بها لتخلصنا من جبروت حكامنا العرب والمسلمين؟
مايمنع امريكا من البطش بدول العالم الصغيرة ونهب مواردها؟ هل هم مواطنو هذه الدول أو رؤساؤها؟ لا بالطبع. انه الدستور الامريكي! نحن نعتقد جازمين ان امريكا هي الشيطان وأننا الملائكة بكوننا مسلمين، ولهذا فالله سبحانه وتعالى منحهم الدنيا ونحن ضمنا الآخرة. أليس من الممكن أن أمريكا ودول اوربا الغنية هم الذين رضي الله عنهم لأنهم حققوا العدل وأطعموا الفقير وفعلوا الخير ونحن نصلي ونصوم ونتقاتل ونسرق ونظلم؟
عندما تنظر إلى شعوب تعتز بعرقها، الألمان يعتزون بأصلهم والبريطانيون يرفضون اوربا لأنهم بريطانيون تجد أمريكا دولة يفاخر مواطنوها بأن قوتها نابعة من التنوع العرقي فيها، لا يوجد فيها اجنبي. من وصل اليوم مثله مثل من أتى جد جده قبل 300 عام. دولة يقف على حدودها اكثر من مئة الف لاجئ لاتيني هارب من الفقر والقتل والاختطاف وتجارة المخدرات، ودستورها يمنع اعادة اي منهم من حيث أتى قبل عرضهم على الجهات المختصة، وليس من الممكن رفض اي طفل اقل من 18 عاما، بل توفر لهم المدارس والسكن والرعاية الصحية مثلهم مثل اي طفل امريكي ولد ونشأ في امريكا. يمنح اي طفل يولد في اراضيها الجنسية الامريكية حتى لو ولد خلال زيارة للأبوين، في حين أن كثير من البلدان حول العالم حتى لو لم تكن غنية لاتمنح الجنسية لأجنبي الا اذا كان الابوين من مواطني البلد.
دولة لايستطيع رئيسها منع مواطني دول يعتبرها ارهابية من دخول البلاد، فبمجرد اصدار قراره يتصدى له قاضي من هاواي او نيوجيرسي ليلغي قرار الرئيس.
دولة قوامها اكثر من 300 مليون نسمة يحق لكل مواطن او من يحمل اقامة دائمة التعليم والعناية الصحية كاملة، تحصل فيها وانت غير مواطن على منح دراسية كاملة لتغطية نفقات دراستك الجامعية. دولة توفر وظائف لمن هم فوق السبعين واحيانا فوق التسعين، تجدهم يعملون في كل مكان. تستغرب لوجود إمرأة مسنة تقف على رجليها في وظيفة كاشير أو رجل مسن ينظم حركة المرور أمام المدرسة،، ذوي الاحتياجات الخاصة يعملون بغض النظر عن نوع اعاقتهم، يوفرون على الدولة مصاريف علاج ضخمة لأن العمل يوفر لهم التأمين الصحي، بينما في مجتمعاتنا عندما يصل أي منا الستين فهو غير صالح لشئ سوى الجلوس في كرسي أمام المنزل وانتظار الموت. يعيشون حتى الثمانين والتسعين ونحن نموت في الستين بأمراض تم اكتشافها بعد فوات الاوان، ااو باهمل صحي ونقول ان اليوم تم.
طلاب المدارس والجامعات يعملون في الاجازات الصيفية وعطلة نهاية الاسبوع ليتعلموا المسؤولية وماهية الحياة العملية والاحساس بأنهم يستطيعون الحصول على مال بعرق جبينهم.
يعاني السود والملونين من العنصرية في شتى انحاء العالم واقريها في بلداننا العربية، نجد اول رئيس اسود في امريكا. هل يمكن هذا ان يحدث هذا في روسيا او الصين او اي دولة اوربية مثل المانيا او فرنسا او هولندا او حتى امريكية جنوبية مثل البرازيل والارجنتين؟ (ربما تستثنى بريطانيا التي اتاحت للمسلمين والسود حريات ومساواة لا توجد في كثير من الدول الاوربية الاخرى.)
في اي دولة في العالم يمكن ان تجد السود يركبون العربات الفارهة ويمتلكون افخم المنازل غير امريكا؟ لكننا عندما نتحدث نتذكر فقط مافعلهم اجدادهم ضد السود وضد السكان الاصليين، ولا نعي الى التجاوز الذي حدث لهذه المرحلة والاستفادة من اخطاء الماضي لتحقيق مستقبل افضل. يدرس الاطفال في المدارس في الصف الاول سيرة مارتن لوثر كنغ محرر العبيد قبل جورج واشنطن the father of the nation. المدرسة فيها كل الاعراق، بحيث لا يحس طفل بفرق بينه وبين الاخر لتختفي النظرة العنصرية، بينما نحن الذين نتحدث عن العنصرية نمارس ابشع انواعها كل يوم ضد بعضنا حيث سادت تجارة الرقيق في السودان المسلم لقرون ولاتظال العنصرية في الفاظنا وافكارنا وتقاليدنا، كما نمارسها ضد جيراننا، فحتى وجود بضعة الاف من الاثيوبيين في السودان ننتقده (البلد اتملت حبش) ونحس بفوقية تجاههم لأنهم يعملون في المنازل، في حين يسخر من لون بشرتنا السمراء بعض اشقاؤنا العرب في اجهزة اعلام رسمية، فنرضى صاغرين، و نستشيط غضبا عندما نسمع بشخص اسود تمت معاملته بصورة غير محترمة في مقهى ستاربكس في امريكا بواسطة احد البيض في تصرف شخص بحت.
ربما كانت مواقف امريكا تجاه القضية الفلسطينية احد الاسباب التي جعلتنا نكرهها، وبالتأكيد ليس هناك من يبرر اخذ الأرض من الفلسطينيين بالقوة واحتلالها، ولكن هل امريكا وحدها التي وقفت مع الاحتلال؟ أين بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين؟ اليس هؤلاء هم اصحاب العضوية الدائمة في مجلس الأمن؟ هل استخدمت الصين أو روسيا حق الفيتو او او حتى اتخذت عقوبات ضد اسرائيل لجرائم القتل أو هل هناك اي دولة طالبت بانسحاب اسرائيل من فلسطين ومنحها للفلسطينيين؟ ليس هناك دولة غير (بعض) الدول العربية والاسلامية التي تناصر الفلسطينيين. الآخرون يرون أن اسرائيل أنشأت الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة محاطة بنظم استبدادية قمعية. فبينما نسمع ونرى ر ئيس الوزراء الاسرائيلي يتم التحقيق معه في قضايا فساد وهو في منصبه، ورئيس وزراء سابق في السجن، هل سمعنا برئيس أو أمير أو شيخ من مئات الآلاف تمت محاكمته بأي تهمة صغيرة أم كبيرة؟ ونريد أن يرد لنا الغرب القدس!! هل نحن مؤتمنون على القدس؟؟
لم يكن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الفرس أو الروم، وليس في ديننا الحنيف ما يشير الى ان يجوز لنا ان نمقت من لا يدينون بديننا.
اذن هل علينا ان نحب امريكا؟
العالم اليوم ينبني على المصالح. ولى عهد الدول الصديقة وغير الصديقة، وحل مكانها احلاف استراتيجية تخدم المصالح المشتركة. امريكا هي بقرة العالم الحلوب، سوق مفتوح لكل من يرغب في تسويق منتج ناجح. كل صاحب مصنع في الصين او تايوان او المكسيك يتمنى ان تغزو منتجاته الاسواق الامريكية المفتوحة وتفتح ذراعيها لكل انسان ناجح ليكون مصدر قوة اضافية للبلد. علينا ان نتوقف عن التفكير في أن أمريكا تصدر لنا المفسدات ولنتذكر اننا نحن من نختار ما نستورد.فمثلا يمكننا البحث في اليوتيوب عن كيفية تغيير فرامل السيارة او عن تسريحة مغنية الراب. الدول الأفريقية من حولنا اعتمدت التقنيات الحديثة مثل Artifiicial Intelligence and Machine Learning في الزراعة والصناعة والهند تمتلك أكبر مركز لتكنولوجيا البرمجيات خارج أمريكا. الصين التي نأمل أن تزيح امبركا عن قمة الهرم تشكل مع اميركا اكبر تبادل تجاري ، فبينما تغزو منتجاتها الاسواق الاميريكية، نجدها اكبر مستورد لما تصنعه وتزرعه اميركا! فاذا علمنا ان الاميركان يملكون حوالي 120 مليون جهاز ايفون يملك الصينيون 228 مليون جهاز، غير فروع مطاعم الوجبات السريعة التي تتفوق الصين واليابان في عدد فروعها خارج اميركا على كل دول العالم الاخرى.
امريكا ليست باي حال من الأحوال يوتوبيا. يوجد فيها الفساد كما هو موجود في اي مكان آخر على وجه الأرض، لكن بوجود حرية تعبير وقضاء مستقل ليس هناك احد فوق القانون. الحرية كفلت للمسلمين بناء المساجد وممارسة شعائرهم ولبس الحجاب للنساء. المسلمين الذين تعرضوا للظلم وكبت حريتهم في التعبير في بلادهم، استطاعوا في امريكا دخول الكونغرس والمجالس البلدية، على سبيل المثال الهان عمر عضو الكونغرس التي ولدت في الصومال و اصبحت من اكثر السياسيين شعبية في السوشال ميديا، وعلى العكس في كثير من الدول الاوربية تناضل المرأة المسلمة من أجل تغطية شعرها فما بالك ببناء مسجد؟ في أميركا يصلي المسلمين الجمعة في المناطق التي ليست فيها مساجد قريبة في كنيسة أو في معبد يهودي يقدمونه لهم بدون أية رسوم في أزهى صور التسامح الديني. تعلن مقاطعة مونتغومري في ميريلاند، ثالث أغنى مقاطعة في الدولة أن عيد الفطر سيصبح إجازة رسمية في المدراس الحكومية منذ العام 2020، فقط لأن حوالي 10 في المئة من الطلاب مسلمين، ولأنهم رفعوا صوتهم وطالبوا، بدلا عن أن يجلسوا ويقولوا أن الأمريكان يكرهون المسلمين لذلك لن يمنحونا أية حقوق.
المثير للاستغراب ان الكثيرين من السودانيين المناضلين من اجل الديمقراطية في السودان بينما يتعاطفون مع انظمة دكتاتورية مثل نظام صدام او كاسترو او تشافيز. فكيف اكون ثائر في وجه الظلم ومناصر لرئيس دولة أخرى بقبضة حديدية؟ اذا اردنا ديمقراطية مستدامة ومحمية من اطماع محبي السلطة يجب علينا ان ننضم لركب الدول التي تحكمها الشعوب والقوانين، يجب ان نزيل من رأسنا تماما مسألة الاستهداف أو أن أمريكا لاتريد لنا خيرا لأننا سنظل دوما في مانحن فيه, ونتخذ أمريكا الغنية بتعددها العرقي والثقافي مثلا نحتذيه في إرساء دولة المؤسسات والقانون، واضعين في الاعتبار التزامنا الديني، بعيدا عن استخدام الدين لأغراض سياسية. ينبغي ان نفاوض امريكا وروسيا والصين ومدغشقر من منطق دولة ذات سيادة يمثلها رئيس حكومة إختاره الشعب ولنغير النظرة التي كنا ننظر بها للعالم من حولنا وسيغير العالم نظرته لنا. نفتح ذراعينا لأمريكا وأوربا وأستراليا والصبن ومدغشقر وساوتومي لنقوي اقتصادنا. نفتح بلادنا للمطاعم السريعة والبرمجيات والآليات، و(نشغل الفلتر) لنورد ما ينفعنا ونمنع مايضرنا، بدلا عن أن نناطح أمريكا فنظل نتسول القمح والبترول من أشقائنا العرب. لم لانحلم بأن تكون الخرطوم او اي مدينة اخرى مركز اقليمي لتوزيع منتجات مايكروسوفت؟ بأن تنشئ أميركا أكبر مركز البرمجيات في أفريقيا في السودان إسوة بالهند؟ اذا كان دخل الفرد لدينا في المتوسط لايتعدي 30 او 40 دولارا في الشهر، ولدينا من العقول والموارد مايكفي لاقناع اي شركة سوفتوير امريكية ان تتعامل معنا. تكون مسمايتنا technology park, و Oracle way و Apple Drive.
لماذا لانستغل الحرب التجارية بين امريكا والصين لاستقطاب المستثمرين الأمريكان؟ نعلم أن أكثر المتضريين من هذه الحرب هم الامريكان اصحاب المصانع في الصين والذين يبحثون نقل مصانعهم إلى كمبوديا وفيتنام لتفادي الزيادة الجمركية على المنتجات المصنعة في الصين. فلماذا لا نجذبهم الينا حيث توفر عمالة رخيصة مقارنة بكل العالم بفضل الانقاذ، ولدينا الموارد من المعادن وغيرها والآن لدينا الاستقرار وهو الاهم. لقد حان الوقت ليعرف العالم ان بالسودان أكثر من مئتي هرم، وحضارة فرعونية أقدم من الموجودة في مصر، وبينما لم تعد دول مثل سوريا وتركيا ومصر وجهات للسياح فلم لانفتح أبوابنا للسياح في بلد يعد شعبه من أكثر الشعوب سلما وسلاما؟ . أن السودان ليس الذي تعرفون عنه فقد مذابح دارفور التي ارتكبها قتلة الإنقاذ, ولا المجاعات والفقر والجهل، بل السودان الذي يمتلك ثروات لاتحصي.
طارق سري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.