فيما أسلفنا أن مؤتمر البجا وجد الأرض الخصبة للتكوين والنشأة والتطور خلال الحكومات الديمقراطية، لدرجة أن اكتسح المؤتمر عشرة دوائر انتخابية في الانتخابات بعد اكتوبر في انتخابات 1965م ، بعد أن قاطع حزب الشعب الديمقراطي الانتخابات , وإن كان لم يحرز مثلها في انتخابات 1968م و1985م. وعكس ذلك شهد الكبت والنزول إلى باطن الأرض خلال الحكومات العسكرية ليتحول للبيات الشتوي خلال المراحل العسكرية . شهدت الحكومة ميلاد مؤتمر البجا بحضور رئيس الوزراء عبد الله خليل ، ولكن تم تسليم السلطة للعسكريين في 17 نوفمبر 1958م بعد شهر واحد من قيام المؤتمر فأصيب الناس بالإحباط ، و كانت البداية بالاستقبال الغريب الذي استقبل به الفريق عبود زواره من البجا في اركويت الذين حملوا له رغباتهم في حكم لا مركزي وان يحكموا أنفسهم بأنفسهم ليديروا أمورهم المحلية ، فقال لهم ( إن الثورة مستعدة لضرب كل من يقف في طريقها ) وأردف ذلك نقل المسئولين من البجا من الشرق ، محمد مختار مصطفى ورفاقه في الميناء إلى عطبرة وعلى جناح السرعة وتم نقل دكتور محمد عثمان جرتلي إلى الجنوب ، كما نقل حامد على شاش وغيرهم . اصطدمت آمال أهل الشرق بصلف العسكر، وهكذا تبدأ المطالب صغيرة ثم تجد التعنت من قبل الحكومات فتتحول الحركات المطلبية إلى حركات مسلحة ، هكذا يقول سجل السلام والحرب في السودان وفي كل العالم ، و كان نظام المؤتمر الوطني أسؤا من كل الأنظمة السابقة في ذلك ، وكان أن حمل البجا آمالهم هذه في زيارة عمر البشير لبورتسودان خلال السنوات الأولى من حكمه فكان رد عمر البشير ( إننا لانولي إلا القوي الأمين ولانأتمر بأمر أحد ) .كان رده هذا بمثابة قاصمة الظهر لهم وكان من رأي بعضهم الخروج على حكومة المؤتمر الوطني، ولكنهم أثروا الحكمة وعدم التسرع ، فبقي الفريق الذي كان موالياً للحكومة بقيادة محمد طاهر ايلا مدير الميناء السابق ، ، وأما الآخرون فقد اتجهوا إلى الثورة المسلحة باسم ( مؤتمر البجا ) . أعلن مؤتمر البجا نشاطه العسكري في عام 1994م ، وفي عام 1995م وقع على مقررات مؤتمر اسمرا فأصبح جزءاً من التجمع الوطني الديمقراطي ، وفي عام 2004م تحالف مؤتمر البجا مع مجموعة الأسود الحرة من الرشايدة حيث تم تكوين جبهة الشرق ،ومما سارع الخطئ نحو الحرب قتل أكثر من 29 شخصاً في يناير 2005 بمدينة بورتسودان بعد المظاهرات المطالبة بتوفير فرص العمل، بعد أن تم الإستغناء عن خدمات أعداد كبير من العمال في الميناء ، إضافة للنهب المنظم خلال حكم المؤتمر الوطني حيث تم احتكار أراضي القاش وطوكر ، ثم كللت مساعي السلام باتفاقية اسمرا في 14/10/2006م بين الحكومة السودانية وجبهة شرق السودان برعاية ارتريا . لم تجد مشكلة شرق السودان حظها من الدراسة والمناقشة الكافية في غمرة انشغال الناس باتفاقيتي نيفاشا وأبوجا ، حتى أن الكثيرين من مواطني شرق السودان أنفسهم يجهلون بنود الاتفاقية مانفذ منها ومالم ينفذ ، ربما مرجع ذلك أن الحرب في شرق السودان لم تستمر طويلاً ، كما أن جبهة شرق السودان لم يكن وجودها على الأرض كبيراً ، ، أيضاً أرادات الحكومة أن تقفل جبهة الحرب في الشرق سريعا ، لأن الحرب المفتوحة أصلاً في غرب السودان كانت قد استنزفتها . كانت الحكومة الاريترية قد لعبت دوراً كبيراً وهاماً في التسريع بتوقيع الاتفاقية . لأن الدولة الاريترية كانت تعيش ضائقة اقتصادية ، وكانت تعاني شحاً في المواد البترولية . الشيء الذي جعل ارتريا تتجه للسودان لحل تلك الضائقة ، مما جعلها تلعب هذا الدور رغم العداء الذي كان بين الدولتين ، ليتحول ذلك العداء بين الدولتين لشهر عسل بعد إن كان هذا العداء وصل زروته ، لدرجة أن سلمت الحكومة الاريترية مفاتيح السفارة السودانية للتجمع الوطني حيث أقدمت على ذلك حين سلم السيد عبد الله جابر نيابة عن الجبهة الشعبية مفاتيح السفارة السودانية إلى رئيس التجمع السيد محمد عثمان الميرغني في 6/2/ 1996م . د. السموءل محمد عثمان