جدل متواصل يسود أروقة السياسة السودانية حول تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، الذي نص عليه التعديل الأخير على الوثيقة الدستورية، بعد توقيع اتفاق السلام، وجعله أعلى سلطة في البلاد. وفي وقت كشفت فيه مصادر في «الحرية والتغيير» على التوافق على تشكيله من 21 عضوا بينهم رئيس الوزراء وأعضاء مجلس السيادة من العسكريين، رفضت «الحركة الشعبية» بقيادة عبد العزيز الحلو الأمر، واعتبرته «التفافا على السلام وإفراغا للمجلس التشريعي القادم من محتواه». وكشفت مصادر مطلعة ل«القدس العربي» عن توافق على تكوين المجلس من 21 عضوا. وقال مصدر قيادي في «الحرية والتغيير» مفضلا حجب هويته: «تم الاتّفاق على أنّ تكون العضوية على النحو الآتي: 5 من المكون العسكري و 5 من الجبهة الثورية و10 من الحرية والتغيير، بالإضافة إلى رئيس مجلس الوزراء». وتابع «من جانبنا في الحرية والتغيير سيمثلنا اللواء فضل الله برمة ناصر، نائب رئيس حزب الأمة، وعلي الريح السنهوري زعيم حزب البعث، والمهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، وبابكر فيصل رئيس حزب التجمع الاتحادي، ويوسف محمد زين وكمال بولاد، وأيضاً، جمال إدريس رئيس الحزب الناصري، وطه عثمان ومحمد ناجي الأصم من تجمع المهنيين، وحيدر الطافي من الحزب الجمهوري». وزاد «على أن تتكون السكرتاريا من خالد عمر يوسف، ومعتز صالح، وممثل من تجمع القوى المدنية، وممثل تيار الوسط». التعديلات وفي الثاني من نوفمبر الجاري، اعتمد مجلسا السيادة والوزراء ف السودان، تعديلات للوثيقة الدستورية باسم «الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2020» وينشأ ضمن التعديلات مجلس يسمى «مجلس شركاء الفترة الانتقالية» تمثل فيه أطراف الاتفاق السياسي في الوثيقة الدستورية. وكانت الصحافة السودانية نشرت مقترح لائحة تنظيم مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وتنص اللائحة المقترحة على أن المجلس يتكوّن من «الحرية والتغيير» والمكون العسكري في المجلس السيادي والأطراف الموقعة على اتفاق السلام في جوبا. وحسب اللائحة، اقترح تشكيل المجلس من رئيس الوزراء و(13) كممثلين للحرية والتغيير و(5) أعضاء ممثلين للمكون العسكري في المجلس السيادي و(6) أعضاء ممثلين للأطراف الموقعة على السلام في جوبا واثنين يختارهما المكون المدني بالسيادي كمراقبين، واثنين يختارهما مجلس الوزراء كمراقبين. ونصت اللائحة كذلك على رئاسة رئيس مجلس السيادة لمجلس شركاء الفترة الانتقالية ورئيس الوزراء نائباً له، وأن يقوم الرئيس بالدعوات للاجتماعات، كما نصت اللائحة المقترحة على تكوين سكرتارية من كل مكونات المجلس مهمتها متابعة الاجتماعات ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس. كما نصت اللائحة على إمكانية تبديل كل مكون لممثليه، وحددت اللائحة المقترحة مهام المجلس في تنسيق الرؤي المواقف بين أطراف الوثيقة الدستورية وحل التباينات التي تطرأ بينهما، والتوافق على السياسات الوطنية العليا ومتابعة القضايا الاستراتيجية، بالإضافة للعمل على إنجاح الفترة الانتقالية وضمان تنفيذ الوثيقة الدستورية. ونصت أيضاً على أن تكون اجتماعات المجلس أسبوعية يدعو لها رئيسه، مع وجود اجتماعات طارئة يدعو لها الرئيس او الرئيس المناوب ويتخذ المجلس قراراته بالتوافق او بأصوات ثلث أرباع الحضور في اجتماع قانوني، على أن يكون الاجتماع القانوني بحضور ثلث أعضاء المجلس. هجوم عنيف في السياق، شنت الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، هجوما عنيفا على مشروع لائحة مجلس شركاء الفترة الانتقالية، واعتبرتها في بيان صدر بتوقيع السكرتير العام عمار أمون أمس الأربعاء، «مُفارقة صريحة لنداء ثورة الشعب للتحوُّل الديمقراطي، وانتهاكا جليا لروح الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية» مؤكدة على أن «اللائحة تقع في أربعة أبواب و (15) مادة» ووصفتها ب«المعيبة» وأنها «تمثِّل تآمراً صريحاً على أهداف وشعارات ثورة ديسمبر، كما تقف عائقاً أمام التغيير الشامل تحقيقاً لتطلُّعات الشعب السوداني». وكشفت الحركة في بيانها أن «اللائحة تمت صياغتها لتسود على غيرها من التشريعات» وقالت «لقد تمت صياغة اللائحة المعيبة حسب المادة (2) لتسود على (جميع التفاسير) دون تحديد ماهية هذه (التفاسير) بجانب عموميات أخرى مُبهمة كلها تُشير إلى تآمر خفي». وأ ضافت: «اللائحة هدفت إلى إقفال الطريق أمام التفاوض مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال حول جذور المشكلة السودانية وإلحاقها فقط باتفاق سلام جوبا الموقَّع في 3 أكتوبر 2020 المادة (3/ ت) فضلا عن إضعاف مجلس الوزراء ومُصادرة صلاحياته وإفراغه من مضمونه وتحويله إلى كيان دستوري هلامي لا دور له، والحيلولة دون تحقيق (مدنية السُلطة) الباب الثاني المادة : (4 / 5 / 8 / 11) بالإضافة إلى مُصادرة صلاحيات المجلس التشريعي في حال تكوينه بواسطة المجلس المُقترح مجلس شركاء الفترة الانتقالية وتحويل أعضائه لمجرد موظَّفين يتقاضون رواتبهم مثلما كان يحدث في عهد النظام البائد (المادتان 10 / 11)». وأوضح البيان «أن اللائحة ليست سوى تقنين لسلطة جديدة مُنبثِقة من انقلاب 11 أبريل 2019، تلك القوى التي سرقت الثورة بهدف الإبقاء على السودان القديم وزعمت وقوفها مع الشعب وانحيازها إليه، ثم أبقت على القوانين المُقيِّدة للحريات لقمع كل من يُشكِّك في هذه الشراكة المزعومة». ليس بديلاً لكن مقرر المجلس المركزي ل«الحرية والتغيير» كمال بولاد، بين أن «مجلس شركاء الحكم الانتقالي ليس بديلا للمجلس التشريعي أو أي مؤسسة أخرى من مؤسسات المرحلة الانتقالية» مشيراً إلى أنه «يأتي في إطار تنسيقي يجمع ما بين الأطراف بقوى الحرية والتغيير والمكون العسكريين وأطراف سلام جوبا». وأوضح في تصريحات صحافية أن «الحلو استند على معطيات غير صحيحة وغير مكتملة لمشروع لائحة مجلس شركاء الحكم، كما أن اللائحة الآن تمثل مسودة في طور المناقشة ولم تجز حتى يبني عليها موقفه». وجدد تاكيده ب«مواصلة الحوار والتفاوض مع الحلو وعبد الواحد نور إلى أن يتحقق السلام الشامل» لافتاً إلى «ضرورة استكمال مهام الفترة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات». كذلك شدد عضو المجلس المركزي ل«الحرية والتغيير» حيدر الصافي لصحيفة «السوداني» أمس، على أن «الحرية والتغيير ستظل جسما رقابيا للفترة الانتقالية ومهيأ أن يعبأ برؤى توافقية بين مكونات الثورة». وأضاف أن «خروج بعض المكونات منها لا يعني انتهاء دورها» مشيرا إلى أن « تم تشكيل لجنة من الحرية والتغيير والجبهة الثورية والمكون العسكري في مجلس السيادة لوضع تصور لمجلس شركاء الفترة الانتقالية ولكنه لم يكتمل حتى الآن». وفي المسار ذاته، قال خالد عمر يوسف القيادي في «الحرية والتغيير» ل«القدس العربي»» «الحديث عن إجازة لائحة ما ليس دقيقاً، فما زالت مسوداتها تناقش داخل الحرية والتغيير ولم تخضع لحوار بين الأطراف المختلفة، والنقاش حول أرقام ونسب التكوين وطرائق العمل ما زال مستمراً بين هذه المكونات بغرض إحكام هذه الصيغة الناشئة وضمان تحقيقها للغرض الذي صممت له». تنسيق المواقف وعن طبيعة عمل المجلس المقترح أوضح أن «مجلس شركاء الفترة الانتقالية هو جسم سياسي لتنسيق الرؤى والمواقف ومعالجة التباينات بين المكونات التي وقعت على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية واتفاق السلام. هذا الجسم ليس جسماً تنفيذياً ولا تشريعياً ولا سيادياً ولا تداخل بين عمله وعمل بقية الأجهزة الأخرى إلا بمقدار التوافق الناتج بين مكوناته والتزامهم بالتعبير عنه عبر ممثليهم في الهياكل المختلفة». وتابع : «اقتضت تجربة العام الماضي إنشاء هذه الآلية نسبة لما شهدته البلاد من تنازع بين مكونات المرحلة الانتقالية وتشاكس في قضايا رئيسية اتخذ فيها كل طرف موقفاً وعمل له، مما هدد حتى تماسك البلاد ناهيك عن نجاح المرحلة الانتقالية في تحقيق أهدافها، وفي خلال العام الذي مضى كان كثيراً ما تتم الدعوة لاجتماعات أزمة ثلاثية بين الحرية والتغيير والسيادي والوزراء، للتعامل مع خلاف ما، أو التوافق على وجهة ما». وزاد «شهدنا ذلك في قضية خطاب رئيس الوزراء للأمم المتحدة ولقاء رئيس مجلس السيادة بنتنياهو في عينتبي، واجتماعات المصفوفة وتداعيات الموقف من التطبيع مع إسرائيل، وأحداث الفشقة وتمرد هيئة العمليات وقضية تبعية جهاز الشرطة، وفي غالب هذه الحالات كانت الاجتماعات لاحقة لحدوث أمر لا توافق حوله، وتركزت على التعامل مع تبعاته ولم تتوفر صيغة مؤسسية لمتابعة ما يتم التوافق عليه لاحقاً». دور العسكر وكتب الباحث السياسي الدكتور شمس الدين ضو البيت، وهو أيضاً عضو وفد الحكومة للمفاوضات في جوبا : «تثور هذه الأيام أسئلة كثيرة حول دور المكون العسكري في مجلس شركاء الفترة الانتقالية، ماذا يعني إقحام المكون العسكري في التوافق على السياسات الوطنية العليا ومتابعة القضايا الاستراتيجية، كما جاء في مشروع اللائحة المقترحة للمجلس، لأن دور المكون العسكري ضمن مجلس السيادة كان (الاعتماد والمصادقة والتوقيع) على القرارات الصادرة من مجلس الوزراء والمجلس التشريعي، رعاية السلام وإصلاح المؤسسة العسكرية، حسب الوثيقة الدستورية».