* علينا ألا نتبع أهواء الآخرين؛ بل وجب علينا تحكيم ضمائرنا بين الصحيح والباطل.. إن شئنا ترحمنا؛ وإن شئنا لا نترحم على المبغوضين.. وبين هذا وذاك فإن السكوت أصلح لنفوسنا في أحايين؛ من أجل خاطر بعض الأحياء.. فجبر الخواطر هنا أفضل من عواطفنا المسترسلة (الصادقة الكذوبة) تجاه كائن مكروه (بلا عمد) لدى فئة ومحبوب لدى آخرين بالحق أو بالباطل.. كائن انقطع وجوده بالفناء..! * الأهم من هذا وذاك الإنتباه لواعظ الموت؛ فإني أجد فيه درس يتعالى على الخُطب جمعاء..! ماذا أعددنا لهادم اللذات؟! كم من الخلائق ظلمناهم في لحظات تجبُّر وغرور قبل موتنا؟ وكم معصية لم نكفر عنها بالتوبة قبل أن تدركنا المنيّة؟! وما الذي حملناه من متاع الدنيا إلى القبور؟! هي أسئلة لا تفيد الموتى ولا يحتاجونها؛ لكنها متروكة لمراجعات الأحياء الذين نمنحهم (قليل خاطر) حين يرحل أهل صِلاتهم وأحبابهم من (الظالمين الإنتهازين الفاشلين المؤذيين القتلة اللصوص.. الخ)! وأعجب من قلب يحب المغادرين للآخرة بالصفات السالفة؛ سوى أن يكون قلبا غليظاً.. فإذا صمتنا إزاء موت البعض (لأجل خاطر الأحياء) جاز ذلك؛ ففي الأحياء كرماء لا نعرفهم؛ وفيهم من يُرجى صلاحه. * لكن.. ما بال أناس يبالغون بمثالية فيّاضة (لا تسمن) كلما ودّعوا هالك من المُختلف عليهم أو أهل الخطايا سياسيين وغيرهم؟ أعني من ضروا البلاد ولم يشهد الواقع لهم بمنجز يفيد العالمين؛ بخلاف أنهم يزيدون حسناتنا بكظم الغيظ ويلهمنا الرّب صبراً على ثقلهم وفشلهم.. فلو أننا أكتفينا بالترحُّم على البعض دون (تزيُّد وتنطُّع) ما نقصنا شيء؛ مع ذكر المحاسن (إن وجدت)! وبعض الهالكين لا محاسن لهم.. فهل تفيدهم العواطف المبذولة بإسراف الجهالة التي لا تنفع ميتاً؛ ولا تصنع فرقاً في عقول الصادقين الواعين (الممنوح لهم خاطرنا أيضا)؟! * بالمناسبة.. ليس في كلمة (هالك) تجني أو تطاول إذا سبقنا بها أسماء الهالكين؛ فهي صحيحة ودقيقة لا تثير حنق أولي الألباب؛ فقد جاءت في موضعٍ بلسان سيدنا المكرَّم علي بن أبي طالب والله أعلم عندما سألوه عن الدنيا فختم قوله عنها بالآتي: (سنة رخاء وسنة بلاء؛ يولدُ مولود ويُهلك هالك؛ فلولا المولود بادت الخلق ولولا الهالِك ضاقت الأرض).. ولا مجال يسعنا لاستدراك الكلمة ومواضعها في القرآن الكريم. * ربنا يفعل ما يريد ونحن مسيَّرون عبيد؛ لا نملك من أمر (المُضِرين) شيئاً حين يُهلكون.. لكننا لن نحبهم.. من تبغضهم (على حق) في الحياة كيف تحبهم إذا اختفوا؟! فإذا لم نذكر مفاسدهم صمتنا إزاء فقدانهم؛ ذلك (من أجل خاطر أحياء نعلمهم وآخرين لا نعلمهم). * هل تعلَّمت ذواتنا من حكمة الموت؛ بأن أمره خير وعدل ووساع لأهل الأرض؟! وهل نشك بأن الغبطة وربما الرحمة تتنزل على العباد كلما مات أحد القتلة الغلاظ؛ أو أحد محترفي الإنتهازية؛ أو أحد اللصوص الكبار؛ أو أحد المنافقين الفسدة؛ أو أحد (المواهيم) المكروهين؟! أعوذ بالله —–