عتبر تقرير نشره موقع مجلة "جون أفريك" اليوم الثلاثاء أنّ الحضور الروسي في السودان بدأ يتعاظم وباتت موسكو تطرح نفسها بديلا عن الولاياتالمتحدة التي لا تزال تصنف السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. وقال التقرير إنّ "الكرملين يخطط لبناء قاعدة لوجستية للأسطول الروسي في السودان، وفي 16 نوفمبر أعطى الرئيس فلاديمير بوتين الضوء الأخضر لتوقيع اتفاقية مع السودان لبناء أول قاعدة عسكرية روسية في القارة الأفريقية، ويتم تقديم المشروع رسميا كقاعدة إمداد وصيانة بسيطة للسفن الحربية الروسية، ولكن مع ذلك فإن الاتفاقية ذات أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة لموسكو التي تحقق طموحاتها في التقارب مع القارة الأفريقية والتوسع العسكري في البحر الأحمر وما وراءه، نحو المحيط الهندي". وسيتم إنشاء القاعدة البحرية على الساحل السوداني، شمال بورتسودان، الميناء التجاري الرئيسي في البلاد ويمكن أن تستوعب في وقت واحد ما يصل إلى أربع سفن حربية بما في ذلك القوارب التي تعمل بالطاقة النووية، وحامية بحد أقصى 300 جندي ومدني، إضافة إلى الحراس الذين سيتولون تأمين الموقع. تنازل لربع قرن وأضاف التقرير أنّ "جميع الموظفين الروس الذين قد تزداد أعدادهم سيستفيدون من الحصانة الدبلوماسية، وبحسب مسودة الاتفاق يتنازل السودان عن الأرض لروسيا لمدة 25 عاما قابلة للتجديد لمدة 10 سنوات دون أي تعويض مالي كما ستمنح روسيا الحق في استيراد الأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة لتشغيل قاعدتها عبر المطارات والموانئ السودانية دون أن تتمكن السلطات المحلية من السيطرة على الشحنات." وفي المقابل ستمنح موسكو "مساعدة مجانية" للبحرية السودانية في مهمات البحث والإنقاذ أو "مكافحة التخريب" وفق التقرير، وسيتمكن السودان أيضًا من الاستفادة من حماية أنظمة الدفاع الروسية المثبتة في الموقع. وأوضح التقرير أنّ "روسيا تحاول منذ عدة سنوات استعادة مكانتها العسكرية على شواطئ القرن الأفريقي، وبعد مفاوضات فاشلة مع جيبوتي يتجه الكرملين الآن إلى السودان لإعادة تأكيد وجوده في المنطقة (الذي فقده منذ إغلاق القاعدة السوفيتية في الصومال عام 1977). وقال الأدميرال فلاديمير كومويدوف القائد السابق للأسطول الروسي في البحر الأسود لوكالة إنترفاكس للأنباء: "حان الوقت لاستعادة وجودنا البحري" مضيفا أن هذا الاتفاق "سيوسع من قدرات البحرية لدينا". وسيمثل مشروع قاعدة البحر الأحمر بالفعل امتدادا إقليميا لأول قاعدة روسية في الخارج تقع في طرطوس في سوريا، وتستثمر موسكو ما يقرب من 46 مليون دولار هناك كل عام لتوسيع مرافقها. كما ستسمح قاعدة بحرية في السودان لروسيا بتحقيق طموحاتها في القارة الأفريقية، وهي إستراتيجية تم تأكيدها عام 2019 في سوتشي في قمة جمعت أكثر من 40 زعيما أفريقيا حيث عززت روسيا -أكبر مورد للأسلحة في أفريقيا حاليا- من التعاون العسكري ومن اتفاقيات التعدين هناك. ماذا ستجني الخرطوم؟ وبينما تبدو الفوائد الإستراتيجية لموسكو واضحة فإنه من الصعب التمييز بوضوح بين الفوائد التي تأمل الخرطوم في جنيها من هذه الصفقة، فالمشروع نتاج تقارب بدأ في ظل نظام الديكتاتور المخلوع عمر البشير، وقد دعا الرئيس السوداني إلى حماية روسيا "من الأعمال العدوانية للولايات المتحدة" خلال زيارة إلى سوتشي في نوفمبر 2017 بدعوة من فلاديمير بوتين. وبحسب خلود خير، المحللة في مؤسسة الفكر السياسي إنسايت ستراتيجي بارتنرز ومقرها الخرطوم، فإنّ "عمر البشير الذي استهدفته العقوبات الاقتصادية الأمريكية ومذكرتا توقيف من المحكمة الجنائية الدولية قد أسس دبلوماسية غير منتظمة، فهو يميل في البداية نحو إيران ثم يغازل السعودية قبل أن يلجأ أخيرا إلى روسيا". وقد وقع الرئيسان عدة عقود للتعاون العسكري وتسليم الأسلحة وأصبح السودان أول دولة في جامعة الدول العربية تزود نفسها بطائرات مقاتلة روسية من طراز Su-35. بينما تعهدت روسيا بمواصلة تدريب القوات السودانية ويتفق البلدان على تسهيل الوصول إلى موانئهما. ويقول الصوارمي خالد سعد المتحدث السابق باسم الجيش السوداني والخبير المستقل في الشؤون العسكرية "في ذلك الوقت أُثير موضوع قاعدة بحرية على الساحل السوداني لكن روسيا لم تكن متحمسة للغاية". وبعد زيارة ثانية لموسكو في يوليو 2018 كان عمر البشير أول زعيم عربي يزور دمشق، وفي سوريا يلاحظ أن روسيا تحمي بدفاعها الجسدي حليفها بشار الأسد وقد بدت روسيا له كحليف موثوق وقوي، وعلى عكس الشركاء الصينيين يمكن للروس أن يمدوها بالدعم العسكري وليس فقط الدعم الاقتصادي، وفق خلود خير. وتشير خلود خير إلى أن الاطاحة بعمر البشير في أبريل/نيسان 2019 لم تؤد إلى قطع العلاقات مع موسكو بل على العكس تماما، فبين عشية وضحاها فقد الحليفان الأيديولوجيان للنظام (تركيا وقطر) موطئ قدمهما في السودان، لكن روسيا بقيت وحافظت على نفوذها لا سيما من خلال شركة "واغنر" العسكرية الخاصة التي اعتمد عليها البشير لقمع المظاهرات"، وفق قولها. وعندما تولى عبد الفتاح البرهان، رئاسة مجلس السيادة، وزمام الفترة الانتقالية حرص على الحفاظ على الشراكة مع الحليف الروسي، وفي مايو/أيار 2019 بعد شهر من إقالة البشير وقعت موسكووالخرطوم اتفاقيتين عسكريتين جديدتين إحداهما تهدف إلى تبادل الخبرات المتعلقة بعمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام والأخرى لتعزيز التعاون في المجال البحري. ثم في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أعطت الرئاسة الروسية الضوء الأخضر لبناء قاعدة بحرية في بورتسودان وهذه المرة كان الروس هم من أعادوا الموضوع إلى الطاولة وأظهروا أنهم أكثر اهتماما بكثير، "بل إنهم فاجؤوا السلطات السودانية عندما بدأت الحكومة المدنية في الاقتراب من الولاياتالمتحدة" وفق الصوارمي خالد سعد. اختيار التوقيت المناسب ويأتي المرسوم الذي وقعه الكرملين بعد أسابيع فقط من إعلان الإدارة الأمريكية عزمها شطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ولكن في الوقت الحالي لا يزال هذا الانسحاب غير فعّال، ولم يستعد الكونغرس الأمريكي حصانة السودان من الملاحقة القضائية من قبل ضحايا الإرهاب، لذلك لا تزال مخاطر العقوبات الاقتصادية تلقي بثقلها على الشركات الراغبة في الاستثمار في السودان. وتقول خلود خير: "هذه خطوة ذكية من جانب الروس، إن لديهم حس التوقيت، فقد كان لا بد من القيام بذلك الآن قبل أن يكون وزن الأمريكيين في السودان أكبر من اللازم." وأضافت الخبيرة السياسية "إذا انتهى الأمر بالحكومة السودانية إلى التوقيع على هذا الاتفاق فهذا نابع من البراغماتية، لأن روسيا لا تطلب أي تعويض سياسي على عكس الولاياتالمتحدة التي لم تقدم في الوقت الحالي أي شيء ملموس إلى السودان". وفي الخرطوم التزمت السلطات السودانية حتى الآن الصمت حيال توقيع الاتفاق، ويسود عدم اليقين بشأن الإستراتيجية التي يجب تبنيها حيث يبدو أن التعاون مع الولاياتالمتحدة وإعادة دمج البلاد على الساحة الدولية ضروريان لإخراج السودان من الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تغرق فيها. وبحسب الصوارمي خالد سعد: "لا يزال بإمكان الخرطوم التراجع إذا قدمت الولاياتالمتحدة تنازلات وسرعت برفع العقوبات لكن الحكومة لن تفعل ذلك بأي ثمن وعلى الولاياتالمتحدة أن تحول الأقوال إلى أفعال". وحتى الآن لم يتم الإعلان عن الموعد المحدد للتوقيع النهائي على هذه الاتفاقية مع روسيا ولم ترد واشنطن بعد على الإعلان عن الخطة. ونقل التقرير في الختام عن خلود خير قولها: "إذا تم التوصل إلى هذا الاتفاق مع روسيا فهذا دليل آخر على فشل الإستراتيجية الأمريكية وأسلوب ترامب في السودان".